نهر دجلة بالعراق يحتضر عطشا على أيدي أردوغان وإيران
كارثةٌ تنكئ جروح العراقيين الذين عانوا من تعاقب الأزمات التي ألمّت ببلادهم، وتفيض بمخاوفهم على النهر من أطماع أردوغان وإيران
أزمة خانقة تهز العراق جراء انخفاض منسوب مياه نهر دجلة، تنذر بجفاف يحمل معه شبه كارثة إنسانية، سببها إيران وتركيا.
كارثةٌ تنكئ جروح العراقيين الذين عانوا من تعاقب الأزمات التي ألمّت ببلادهم، وتفيض بمخاوفهم على النهر العملاق من أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على أيدي سلطات أردوغان وملالي إيران.
مقاطع فيديو أظهرت انخفاض منسوب مياه النهر في مدينتي بغداد والموصل، بشكل غير مسبوق، حتى إنه بات من الممكن عبوره سيرا على الأقدام، وذلك عقب إعلان الحكومة التركية بدء ملء سد "إليسو" الذي أنشئ على منبع النهر في الأراضي التركية؛ ما انعكس مباشرة على النهر في الجانب العراقي.
وفي الأثناء، قطعت إيران مياه نهر "الزاب الصغير" عن محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق مجددا؛ ما تسبب في أزمة لمشروع المياه في قضاء قلعة دزة بالمحافظة.
سد تركي يهدد الأمن المائي للعراق
لم تظهر بعد الآثار الحقيقية لسد "إليسو"، لكن مشهد الجفاف بات طاغيا على طول امتداد نهر دجلة، أي من دخوله الأراضي العراقية في منطقة فيشخابور الحدودية مع تركيا، وصولا إلى نقطة تقاطعه بنهر الفرات في منطقة الكرمة جنوبي العراق.
فالنهر الذي كان بالأمس القريب، يهدد بفيضاناته المدن الواقعة على ضفتيه، أصبح اليوم يحتضر جراء المشاريع التركية والإيرانية لإنشاء السدود وتغيير مجاري الأنهار التي تصب فيه.
أحمد صالح نعمة، الخبير في مجال البيئة جنوبي العراق، حذر حكومة بلاده من أن كارثة الجفاف التي بدأت تلوح ستتسبب في مشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية بالبلاد في حال لم يتم حلها بأسرع وقت.
وأضاف نعمة في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "الجفاف الذي سنمر به سيؤدي إلى حدوث تغيير ديموغرافي، بسبب هجرة سكان الأهوار (جنوب) والأرياف إلى المدن بحثا عن المياه".
كما حذر الخبير من أن أزمة المياه في هذه المناطق من شأنها أن تفجر نزاعات عشائرية ومشاكل كثيرة أخرى.
ويأتي إنشاء سد "إليسو" التركي في إطار مشروع جنوب شرق الأناضول المعروف اختصارا بـ(GAP)، والذي باشرت تركيا بتنفيذه منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ويشمل المشروع الكبير بناء 22 سدا و19 محطة كهرومائية على نهري دجلة والفرات، بينها سد "إليسو" على نهر دجلة قرب قرية تحمل الاسم نفسه جنوب شرقي تركيا.
ويُعَد هذا السد من السدود الإملائية الركامية، وتبلغ مساحة بحيرته نحو 300 كيلومتر مربع، ويخزن أكثر من 11 مليار متر مكعب من المياه، وقد بدأت أعمال إنشائه عام 2006.
إيران تخنق دجلة
عملية تخزين المياه في السد التركي وانخفاض تدفق مياه نهر دجلة إلى العراق، تزامنت مع تجفيف إيران لنهر "الزاب الصغير"، أحد روافد نهر دجلة التي تدخل الأراضي العراقية في قضاء قلعة دزة التابعة لمحافظة السليمانية بإقليم كردستان؛ ما تسبب في شح المياه في قلعة دزة ونفوق كميات كبيرة من الأسماك.
نعمة أشار إلى أن إيران قطعت أيضا أنهارا أخرى عن جنوبي العراق، بينها نهر الكرخة الذي يغذي هور الحويزة في مدينة العمارة، ونهر الكارون الذي يغذي شط العرب من الأسفل؛ ما فجر أزمة مائية أخرى تضاف لأزمة جفاف دجلة.
الخبير نفسه رأى أنه من الضروري أن يرسم العراق سياسات مائية واقعية للخروج من هذه الأزمة، طالما "لا يمكنه حاليا رفع قضية على تركيا وإيران بسبب قطعهما الأنهار في محكمة العدل الدولية، لأنه لم يوقع معاهدة مائية مع هاتين الدولتين".
وفي المجموع، جففت إيران 42 نهرا كانت تجري في الأراضي العراقية عبر تغيير مجاريها نحو أراضيها.
من جانبه، قال المدير العام للسدود في إقليم كردستان، أكرم أحمد، لـ"العين الاخبارية"، إن «إيران أنشأت 26 سدا على نهري الزاب الصغير وسيروان (ديالى)، وبنت نفقا لتحويل مجرى نهر سيروان إلى أراضيها باتجاه مدينة سربيل زهاو والكرخة، وهذا النفق في طور الاكتمال".
سوء نوايا أنقرة وغضب شعبي
المدير العام للسدود في إقليم كردستان سلّط الضوء على المفاوضات التي دارت بين بغداد وأنقرة نهاية العام الماضي، قائلا إن "أنقرة وعدت بإطلاق كميات كافية من مياه نهر دجلة، لكن عند استكمال سد إليسو، بدأت بخزن المياه في السد".
وتابع أن هذا الأمر "تسبب في انخفاض منسوب مياه النهر في العراق بشكل كبير"، مشددا على أن حل المشكلة يحتاج تحركات دبلوماسية رفيعة المستوى من الجانب العراقي، مثل وزارة الخارجية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية.
واعتبر أحمد أن أنقرة كانت لديها نوايا في عهد الرئيس التركي توركوت أوزال لمقايضة المياه بالنفط مع العراق في نهاية الثمانينيات، حيث كانت تسعى إلى تبادل المتر المكعب الواحد من المياه ببرميل من النفط.
مقترح وصفه أحمد بـ"غير المعقول"، مؤكدا أنه "من حق الشعب العراقي الحصول على حصته الكافية من مياه الأنهار التي تمر عبر أراضيه ".
أما الرد الشعبي العراقي على ممارسات تركيا وإيران في مجال المياه، فجاء من مواقع التواصل الاجتماعي التي طالب الناشطون فيها عبر مجموعة من الهاشتاقات، (#العراق عطشان، #دجلة تحتضر، #الماء مقابل الاستيراد)، بالرد على أنقرة وطهران من خلال مقاطعة سلع الدولتين في الأسواق العراقية للضغط عليهما من أجل إطلاق حصص العراق من المياه.
الخبير العراقي في مجال المياه، حيدر الناشي، وصف البنية التحتية المائية في العراق بـ"المتهالكة"، معتبرا أنها "غير قادرة على مواجهة الجفاف".
وحذر الناشي، في حديث لـ"العين الإخبارية" من ارتفاع حجم التلوث مع شح المياه، داعيا الحكومة العراقية إلى التحرك عبر المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، للضغط على الدولتين لإطلاق كميات كافية من المياه للعراق، وإلا فإن الزراعة ستنتهي نهائيا في العراق.