ثروة نفطية وظلام دامس.. هل تحل الطاقة المتجددة أزمة الكهرباء بالعراق؟
"ليلة صعبة عشتها مع عائلتي أمس بعد انقطاع تام للكهرباء"، هكذا يصف حسن عباس، المواطن العراقي أحواله اليومية بمحافظة واسط.
يصف العراقيون هذا الصيف بأنه كان واحدا من أقسى الفصول في ارتفاع درجات الحرارة وعانوا من الدخول في أتون هذا اللهيب وسط انهيار بعض محطات الطاقة الكهربائية وتوقفها عن العمل.
وفي أغسطس/آب الماضي تجاوزت درجات حاجز الـ52 درجة مئوية في بعض المحافظات الجنوبية والوسطى، بحسب بيانات رسمية لهيئة الأنواء والرصد الزلزالي في العراق.
- العراق في عين جحيم "التغير المناخي".. كيف الخلاص؟
- الوكيل الفني لوزارة البيئة العراقية يكشف لـ"العين الإخبارية" طرق مواجهة التغير المناخي (حوار)
على الجانب الآخر، شمالا في كردستان العراق، تزين الألواح الشمسية معظم المنازل، كجزء من جهد صغير ولكنه متزايد لتسخير طاقة الشمس في العراق، حيث الكهرباء شحيحة.
وأنفق العراق خلال نحو عقدين، أكثر من 60 مليار دولار على إصلاح قطاع الكهرباء، دون أن يلمس المواطن تحسناً في مستويات التجهيز بالطاقة بما يتناسب مع تلك المبالغ الطائلة التي صرفت إزاء ذلك.
ويهيمن الوقود الأحفوري على الطاقة المستهلكة في العراق بنسبة 96٪. وهذا لا يسبب خسارة في موارد البلد فحسب، بل له عواقب حقيقية وشديدة للغاية على البيئة، رغم أن "أسوأ موقع للطاقة الشمسية في العراق لديه موارد أعلى بنحو الثلثين من أفضل موقع في ألمانيا" بحسب علي الصفار ، مدير المناخ في مؤسسة روكفلر ومقرها نيويورك.
ثروة نفطية وفقر كهربائي
ويعاني قطاع من العراقيين في موسم الصيف سنوياً جراء الانقطاعات المستمرة للكهرباء وضعف التجهيزات اللازمة لمواجهة الطلب المتزايد في أثناء ارتفاع درجات الحرارة، رغم مليارات الدولارات التي أنفقت للنهوض بالقطاع.
وعلى الرغم من ثروته النفطية الهائلة، يكافح العراق لتوفير ما يكفي من الكهرباء لسكانه البالغ عددهم 43 مليون نسمة بعد عقود من الصراع والعقوبات، فضلا عن الفساد المستشري والبنية التحتية المتهالكة.
وعلى الرغم من أنها تنعم بأشعة الشمس أكثر من معظم البلدان الأخرى، فقد ثبت أنه من الصعب منع الاقتصاد العراقي من الاعتماد على الوقود الأحفوري - وهو أحد مواضيع محادثات المناخ القادمة خلال مؤتمر COP28 الذي تستضيفه دبي نهاية الشهر الجاري.
وعلى الرغم من أنها تتلقى ثلث احتياجاتها من الطاقة من إيران المجاورة، إلا أنه لا يزال هناك انقطاع يومي للتيار الكهربائي، والذي يزداد سوءا في أشهر الصيف الحارة، لكن نظرة بعض العراقيين بدأت تتغير ليجدوا بعض الحلول في طاقتهم الشمسية الهائلة والنظيفة والدائمة.
وفي عام 2016، وبدعم من صندوق البيئة العالمي، تم اختيار ست أسر لنصب أنظمة الطاقة الشمسية على سطوح منازلهم كجزء من برنامج تجريبي لرفع مستوى الوعي وتسليط الضوء على الفوائد المحتملة لاستخدام الطاقة الشمسية.منذ ذلك الحين، تمكنت بعض هذه الأسر من توفير تكاليف استخدام الطاقة الكهربائية، وهم جميعاً متحمسون الآن لاستخدام الطاقة الشمسية في بلدهم.
شمس كردستان تسطع
في مايو/آيار الماضي، أعلنت حكومة إقليم كردستان، بدء العمل بمشروع كبير للطاقة الشمسية، عبر إنشاء محطة لتوليد 25 ميغا واط كهرباء.
وقالت وزارة الكهرباء في حكومة إقليم كردستان "ستكون أكبر محطة للطاقة الشمسية في إقليم كردستان والعراق".
وبذلك تكون حكومة إقليم كردستان قد خطت عدة خطوات رئيسية لحماية البيئة وتقليل الآثار السلبية لحرق الطاقة من محطات توليد الكهرباء.
وتبلغ قدرة المحطة 25 ميغاواط كهرباء، وتحتوي على عدد كبير من الألواح، وهی صديقة للبيئة والكهرباء التي تولدها موصولة بشبكة الكهرباء الوطنية.
وحاليا يتم توليد نسبة 20% إلى 30% من الكهرباء في إقليم كردستان من الطاقة الشمسية، وتريد حكومة إقليم كردستان زيادة هذه الكمية وتقوم بتنفيذ مشاريع مماثلة لهذا الغرض.
يقوم المشروع الذي تبلغ تكلفته 100 مليون دولار علی مساحة هائلة وسيتم الانتهاء منه في غضون عام.
وتوجد في إقليم كردستان محطتان للطاقة الشمسية بطاقة 3 ميغاواط، فيما قررت الحكومة بناء محطة كهرباء بتكلفة 235 مليار دينار بطاقة 100 ميغاواط في منطقة سوران.
وفي السليمانية القريبة، ثاني أكبر مدينة في المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق، تم تجهيز 500 أسرة فقط من أصل 600 ألف أسرة بألواح شمسية، حسبما قال سيروان محمود، المتحدث باسم إدارة الكهرباء في المحافظة.
وقال إن الطاقة الشمسية شهدت "تقدما سريعا" بعد أن اعتمد برلمان المنطقة حوافز في عام 2021 لتعويض الأسر عن أي فائض في الكهرباء التي تولدها.
وأضاف أن المنطقة تهدف إلى بناء ثلاث محطات تجارية للطاقة الشمسية بقدرة إجمالية تبلغ 75 ميجاوات.
وعلى استحياء ومنذ عام 2020 ، بدأت بمعظم المنازل في بغداد ومحافظة الأنبار المجاورة والجنوب اللجوء لحل الطاقة الشمسية.
وعلى الرغم من التقدم البطيء، فإن إمكانات الطاقة الشمسية في العراق يمكن أن تكون "فرصة لحل النقص المزمن في الكهرباء مرة واحدة وإلى الأبد".
وعلى الصعيد الوطني ، لا يزال استخدام الطاقة الشمسية في العراق نادرا ولا يمثل سوى دفعة صغيرة لـ 24 ميغاوات التي تنتجها محطات الطاقة العراقية.
ولإنهاء انقطاع التيار الكهربائي، ستحتاج البلاد إلى إنتاج ما لا يقل عن 32 ألف ميغاوات.
ويقول إحسان، البالغ من العمر 49 عاماً ، وهو أب لأربعة أطفال وأحد المستفيدين من منظومة الطاقة الشمسية في النجف: "كنت أعرف أن استخدام الطاقة الشمسية سيعود إيجاباً على البيئة، وفي بلد مثل العراق، هناك حاجة ملحة لاستخدام هذه الطاقة."
ويضيف: "لكنني فوجئت من جوانب عديدة، إذ لم أكن أعلم أن توليد الطاقة النظيفة سيمكنني من المساهمة في مجتمعي." مشيراً إلى أن الطاقة الإضافية التي تجهزها الألواح يتم ضخها مرة أخرى إلى شبكة الكهرباء الحكومية.
ويسعى العراق إلى تسخير الطاقة الخضراء لتلبية ثلث احتياجات البلاد بحلول عام 2030."مصدر" الإماراتية واتفاقية استراتيجية مع العراق
يتطلع العراق إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة المنتجة مع نهاية هذا العقد.
لتشجيع الطاقة المتجددة ، أعلن البنك المركزي العراقي في عام 2022 عن تخصيص 750 مليون دولار في شكل قروض بدون فائدة تقريبا للأفراد والشركات الخاصة التي تعتمد الطاقة الشمسية.
وقبل عامين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 ، وقعت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" إحدى الشركات الرائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة، اتفاقية استراتيجية مع العراق لتطوير مشاريع طاقة شمسية كهروضوئية في العراق بقدرة إنتاجية إجمالية تصل كحد أدنى إلى 2 غيغاواط.
ويتميز العراق الذي انضم في 2021 إلى اتفاقية باريس للمناخ، بأن لديه بعضاً من أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في المنطقة.
وينفذ العراق خطة لإحلال الطاقة النظيفة بدلاً من الطاقة المنتجة بالوقود الأحفوري، وبنسبة من 20 إلى 25% من الطاقة المنتجة بما يعادل 10 إلى 12 غيغاواط.
ويستورد ثلث احتياجاته الاستهلاكية من الغاز والكهرباء، وذلك بسبب بنيته التحتية المتهالكة التي تجعله غير قادر على تحقيق اكتفاء ذاتي لتأمين احتياجات سكانه.
وتطالب طهران بغداد بسداد ما يزيد عن 6 مليارات دولار من المتأخّرات، هي فواتير مستحقّة على وزارة الكهرباء العراقية التي تمنعها العقوبات الأمريكية من دفع أي مبلغ بالدولار لإيران.