قد يكون الاتفاق العراقي الأمريكي حول فصل الساحتين السورية والعراقية بشأن الوجود الأمريكي، أحد العناصر المفيدة للموقف العراقي الرامي إلى خروج القوات الأمريكية مستقبلا.
لكن عندما يتم النظر إليه من زاوية سورية، فإنه سيبدو مؤشرا إلى عوامل الضغط المتنامية على العراق من أكثر من اتجاه، فمن الاتجاه الإيراني، سيعود الاتفاق بالفائدة على طهران في كلتا الساحتين.
في العراق يتحقق لها ما تنادي به من شعارات بخروج الأمريكيين، مما يسمح لها بتوسيع حضورها وهيمنتها بعد سنوات على تأسيس وجودها وتأثيرها الواسع، وفي سوريا ستتجه طهران إلى توظيف فصائلها ومليشياتها العاملة معها لفتح جبهات المناكفة والمشاغلة للأمريكيين ولأدواتهم في شرق الفرات، مما يحقق لها هدفها التالي على المستوى السياسي بحجز مقعدها على طاولة الحسابات والمفاوضات والمقايضات في المنطقة في أكثر من ملف.
أما من الاتجاه السوري؛ فمن المرجح أن يكون فصل الساحتين سلبيا على سوريا لعدة أسباب؛ أولها تفرغ واشنطن أكثر للساحة السورية والانخراط في العمل الميداني مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وغيرها ضمن مشروعها الأوسع، سواء ما تعلق منه بالوضع في سوريا، أو ما تعلق في المواجهة مع إيران وروسيا مجتمعتين، أو كل واحدة على انفراد.
ومن جانب آخر، ستكون واشنطن في مواجهة مع المليشيات الإيرانية أو التي تعمل مع طهران بشكل واضح ومحدد على الأرض السورية، بعد أن تنتفي رواية "المقاومة الإسلامية العراقية" حديثة العهد التي تستهدف بعض المواقع الأمريكية على الأراضي السورية تبعا للاحتياجات الإيرانية.
التفرغ الأمريكي للساحة السورية وفصلها عن الساحة العراقية عسكريا، سيشكل عامل تعقيد إضافيا للوضع السوري القائم وللحلفاء الروس والإيرانيين. هذا الواقع المستجد، سيدفع هؤلاء إلى تصعيد المناوشات والاستهدافات للوجود الأمريكي وحلفائه المحليين، مما يعني أن الساحة السورية، في حال تحقق فصل الساحتين عمليا على أرض الواقع، ستكون مرشحة لمزيد من التطورات الميدانية بحكم الصراع الإقليمي والدولي الحاصل عليها.
الطرح حول فصل الساحات يترافق مع الإعلان عن اتفاق تركي عراقي يتعلق بموضوع إنهاء تهديد حزب العمال الكردستاني عبر حزام أمني تركي مقابل تعاون بين الجانبين في مجالات تنموية واقتصادية، وبالتالي قد يكون مهما الأخذ بعين الاعتبار أهمية تلازم هذين التطورين لأنهما مرتبطان بشكل عضوي بالوضع السوري؛ فالأمريكيون لهم حلفاؤهم ويديرون مشروعا، تعتبره دمشق انفصالياً، شرق الفرات، والأتراك يتأهبون لإنشاء حزام أمني بعمق الأراضي السورية شمالا بعد الانتهاء من حزامهم الأمني في العراق.
لذلك يأتي الحديث عن الاتفاق العراقي الأمريكي حول فصل الساحتين السورية والعراقية عن بعضهما في ما يتعلق بالوجود الأمريكي ليفرض تحديا إضافيا على الدولة السورية.
الخيارات السورية محدودة من ناحية، ومؤطرة بمصالح حلفائها من ناحية ثانية؛ محدودة لكونها غير قادرة على تجييش قواتها والدخول في حرب مباشرة مع القوات الأمريكية المنتشرة شرق وشمال شرق البلاد وفي جنوبها الشرقي، التنف، ومؤطرة بمصالح موسكو الاستراتيجية كونها منشغلة بتحديات الحرب الأوكرانية، إضافة إلى الحسابات الإيرانية التي تتمحور حول مشاغلة الأمريكيين لا خوض حرب مباشرة معهم، والتي من المرجح أن تسلك أساليب أخرى في حال فصل الساحتين وتحييد المليشيات العراقية العاملة تحت مظلتها.
تكثيف الحضور الإيراني في شرق سوريا وتحديدا في دير الزور، وهي المحافظة المترامية الأطراف والاتجاهات وذات الأهمية الجيوسياسية لجميع الأطراف، يقابله تكثيف للحضور العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي للبلاد، الأمر الذي يستدعي سؤالا واسعا حول فرضية تعويض الأمريكيين عن تقليص وجودهم في العراق؟
في جميع الأحوال؛ تلوح في الأفق ملامح معادلة جديدة معقدة على الساحة السورية بلاعبين غير سوريين لهم أغراضهم وأهدافهم؛ فالغرض الإيراني هو تفعيل الحضور ورفع منسوب المناوشات مع الأمريكيين ومع «قسد» شرق الفرات انطلاقا من الجانب الغربي لنهر الفرات، يقابله توسيع الوجود الأمريكي في سوريا، ما يعني رفع مستوى المواجهة مع الإيرانيين على الساحة السورية.
إنهاء مهمة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في العراق لن يتحقق بين ليلة وأخرى، إنه بحاجة لفترة زمنية طويلة، والأهم تنسيق الانسحاب المزمع مع قوى عراقية محلية وإقليمية فاعلة تتصدرها إيران، فهل ستجري العملية بالتنسيق مع طهران؟ بمعنى: هل هناك توافق أمريكي - إيراني حول فصل الساحة العراقية عن السورية؟ وهل هو مؤشر على وجود صفقة إيرانية أمريكية؟
جميع المؤشرات تدل على أن الاتجاه العام في المنطقة يسير نحو المواجهة، فواشنطن لديها مصلحة في إخراج الساحة العراقية من معادلة الصراع أو المواجهة المحتملة في الإقليم، يقابله تكثيف الحضور المتبادل من قبل واشنطن وطهران على الأرض السورية، مما يمهد لتحويلها إلى ساحة صراع أوسع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة