مدافع أنقرة وطهران تتقاذف سيادة العراق.. ماذا بعد؟
في وقت يعتبر العراق أفضل الأسواق التي تستهلاك البضائع التركية والإيرانية، تواصل الجارتان الشرقية والشمالية خروقاتهما السيادية عبر سلسلة عمليات عسكرية بامتداد الشريط الحدودي لإقليم كردستان.
ورغم الخسائر الفادحة التي لحقت بعدد من القرى الحدودية العراقية جراء تلك العمليات إلا أن طهران وأنقرة تتسابقان في إطلاق قذائفهما وتدوير المدافع باتجاه سكان تلك المناطق.
ويبدو أن بغداد قد استنفدت جميع حلولها الدبلوماسية في إيقاف تلك الخروقات المتكررة بعد أن عجزت مذكرات الاحتجاج الرسمية ودعواتها بكف الأذى والتسليم لمواثيق حسن الجوار.
استضاف العراق أواخر الشهر الماضي، قمة إقليمية ضمت رؤساء ومسؤولي لدول الجوار والمنطقة حضرها وزيرا الخارجية الإيراني والتركي.
وكان من المتوقع أن تشهد طاولة الحوار الإقليمي مناقشة ملفي الاعتداءات العسكرية والتجاوز على الحصص المائية من قبل إيران وتركيا إلا أن الموضوعات التي طرحت تناولت الدعم والمساندة في إرساء الاستقرار الأمن والاقتصاد في العراق.
وعشية انتهاء مراسيم القمة في بغداد، كانت المدافع التركية تدك مناطق في قضاء العمادية التابعة لمحافظة دهوك، تبعها بعد أيام عملية عسكرية إيرانية استهدفت مرتفعات حدودية في الشمال العراقي.
ومع اجترار الوقت، تتفاقم أزمة السيادة العراقية جراء تلك العمليات وسط مطالبات مستمرة يطلقها البعض بضرورة التحرك لوقف انتهاكات أنقرة وطهران.
ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، عبد الخالق العزاوي، أن "تركيا وإيران يمارسان خروقات سيادية بحق العراق وانتهاكاً صارخاً لا يقبل الشك أو التدليس".
ويضيف العزاوي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "بغداد مطالبة اليوم باتخاذ موقف صارم ورادع لإيقاف جريان تركيا وإيران في شمال البلاد"، محذراً في الوقت ذاته من مغبة التهاون مع تلك الخروقات بما يشجع تلك الجارتين على التوغل أكثر في العراق".
وعمدت تركيا منذ اجتياح داعش للمدن العراقية في يونيو/ حزيران 2014، إلى إنشاء قواعد عسكرية وثكنات محصنة في شمال البلاد.
ومنذ أكثر من عام، أطلقت أنقرة سلسلة من العمليات العسكرية في عمق الداخل العراقي، ابتدأت بـ"مخلب النسر"، بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض.
وكان وزير الداخلية التركي، أطلق تصريحاً أثار غضب العراقيين في يوليو/تموز الماضي، حين قال خلال تجمع بمدينة شرناخ، أن "الأيام التي سنسير فيها على القدام لدخول العراق باتت قريبة".
وفيما تستشيط أوساط ونخب عراقية من استمرار الخروقات التركية في شمال العراق، تتحرك مدافع إيرانية صوب مناطق حدودية عند إقليم كردستان بذات الذريعة والسبب.
في مطلع الشهر الماضي، نفذت قطعات إيرانية برية عمليات قصف مدفعي استهدفت قرى واقعة عند ناحية العمادية شمال العراق، لمطاردة عناصر معارضة ، بحسب زعمها.
قرى مهجورة وردع غائب
يكشف مسؤول كردي، أن أكثر من 800 قرية بات خالية من ساكنيها جراء العمليات العسكرية التركية والإيرانية في شمال العراق.
ويقول منسق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان العراق، ديندار زيباري، في بيان، حصلت "العين الإخبارية"، على نسخة منه، إن "سكان أكثر من 800 قرية في الشريط الحدودي مع تركيا وإيران اضطروا لمغادرتها بسبب العمليات العسكرية التركية والقصف الجوي الإيراني على المنطقة".
وأضاف زيباري، أن "تلك الهجمات والمواجهات تسببت بالنزوح الجماعي لسكان تلك المناطق في الإقليم، وتسببت أيضا بعدم استقرارها وبشكل مستمر وتم إخلاء أكثر من 800 قرية جراء القتال والاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي أو بسبب القصف المدفعي والجوي الايراني".
وأشار منسق التوصيات الدولية في إقليم كردستان، إلى أن المنطقة تعرضت إلى 165 غارة جوية، وأكثر من 274 قذيفة مدفعية، بالإضافة لتعرضها لست هجمات برية شنت خلال الأشهر الثمان الماضية.
ولفت إلى أن هذه الهجمات تسببت في مقتل عدد من السكان وإصابة العشرات بجروح، علاوة على تدمير بعض المباني والممتلكات وتضرر أراضي المزارعين والغابات الطبيعية.
وكان المتحدث باسم العمليات المشتركة العراقية، تحسين الخفاجي، شدد الثلاثاء على أن بلاده لن تتغاضى عن اعتداءات وانتهاكات إيران وتركيا لأراضيها.
وجاءت هذه التصريحات بعد أن أعلنت قيادة البيشمركة الكردية أن الحرس الثوري الإيراني نفذ هجمات على مرتفعات إقليم كردستان العراق.
فيما يقول عضو لجنة الامن والدفاع النيابية، سعران الأعاجيبي، أن "الخروقات التركية وما لحقها مؤخراً من اعتداءات إيرانية تأتي مكملة لسلسلة الخروقات بحق العراق دولة وسيادة".
ويشدد الأعاجيبي على ضرورة ان تتخذ بغداد موقفاً حازماً مما يحدث في شمال البلاد، إلا أنه يستبعد اللجوء إلى الحلول العسكرية لوقت تلك الانتهاكات.
ويبين الأعاجيبي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "العراق يمثل ساحة تجارية اقتصادية مهمة لإيران وطهران وخصوصا أن حجم العائدات المالية من تلك البضائع تتجاوز الـ20 مليار دولار سنوياً، وهو ما يدفع صناع القرار في بغداد لاستخدام تلك الورقة في الضغط على الجارتين للتراجع عن تلك الخروقات".
من جانبه يلفت المحلل السياسي، علي الكاتب، إلى أن "أنقرة وطهران تديران حرباً شاملة ضد العراق عبر أكثر من جانب وجبهة".
وكانت تركيا وإيران، أغرقتا العراق مؤخراً، في جفاف ضرب ألاف الأراضي الزراعية جراء قطع منابع الأنهار وبناء السدود مما تسبب بانخفاض غير مسبوق في دجلة والفرات.
ويؤكد الكاتب لـ"العين الإخبارية"، أن "الردع العراقي لوقف تلك الخروقات بات مفقوداً ولا يمكن صناعته في الداخل لكون تركيا وإيران يملكان أوراقاً ضاغطة لتعطيش البلاد وإخضاعها لسياسة الأمر الواقع وفرض الإرادات".
ويعزز حديثه بالقول: "تعطيل مدفع تركيا وإيران في الداخل العراقي يحتاج إلى تظافر جهود أممية دولية وبخلاف ذلك الأمر سنشهد المزيد من تلك الانتهاكات".