العراق يطالب باستثنائه من العقوبات الأمريكية على إيران ولكن هذا الاستثناء يواجه تطبيق الشرط السادس الذي وضعته واشنطن لإلغاء العقوبات
أصبحت العقوبات الأمريكية على إيران حقيقة ماثلة بعد أن كانت عبارة عن تهديدات، إيران حولت العراق إلى حديقة خلفية لها، تصوغ فيها ما تريد من برامج واستراتيجيات بعد أن هيمنت عليها بتشكيل المليشيات التي أحصتها الإدارة الأمريكية بـ67 تنظيماً مسلحاً وطالبت بحلها، كما وضعت الولايات المتحدة 12 شرطاً على إيران لرفع العقوبات، وهي: وقف البرنامج النووي وجميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، وإنهاء نشر الصواريخ الباليستية، وإطلاق سراح المواطنين الأمريكيين في إيران، وإنهاء دعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله اللبناني وبعض الفصائل الفلسطينية.
تحاول أوساط عراقية عديدة موالية لإيران ألا تلتزم بالعقوبات، وهو تفريط بمصالحه الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لصالح إيران، وهو خيار كارثي بجميع المقاييس، ومن شأنه أن يعيد العراق إلى المربع الأول وربما يؤدي إلى التدخل الأمريكي ثانية بإجراء تغييرات سياسية في النظام السياسي العراقيالعراق يطالب باستثنائه من العقوبات الأمريكية على إيران، ولكن هذا الاستثناء يواجه تطبيق الشرط السادس الذي وضعته واشنطن لإلغاء العقوبات بشكل كامل، وتشدد الإدارة الأمريكية على ضرورة احترام النظام الإيراني سيادة الحكومة العراقية، والسماح بنزع سلاح المليشيات الطائفية وتسريحها وإعادة دمجها مقابل حصولها على استثناء من هذه العقوبات.
ويعتبر الاستثناء الأمريكي باستيراد العراق الكهرباء من إيران محدوداً للغاية، وتدرك الولايات المتحدة جيداً أنها لا يمكن أن تطبق العقوبات على إيران في ظل وجود المليشيات المتعاطفة بل المرتبطة بها، وهي تسهل عليها جميع طرق الالتفاف على هذه العقوبات وإنقاذ الاقتصاد الإيراني من الانهيار، لذلك تدعو إلى حّل المليشيات العراقية، وهو مطلب لا يمكن تطبيقه بسهولة لأن أغلب تنظيمات المليشيات العراقية مرتبطة بإيران ارتباطاً عضوياً واقتصادياً ومذهبياً.
إن تدخل إيران في الشأن العراقي الداخلي لم يعد مجرد تكهنات وإنما هي حقيقة واقعة، حتى أن تدخلها في اختيار مرشحي وزارتي الداخلية والدفاع في العراق أصبح شأناً إيرانياً، فبات تشكيل الحكومة العراقية يؤجج الصراع الأمريكي-الإيراني، فهل يواجه العراق صراعاً إيرانياً أمريكياً؟
لا يمكن أن نغفل المصالح الأمريكية والإيرانية في العراق، فوراء الكواليس يشتبك اللاعبان الرئيسيان، وساحتهما العراق، مما يهدد بمستقبله الذي شهد استقراراً نسبياً بعد طرد داعش من المدن العراقية رغم تسببه بموجات نزوح للمواطنين لا نظير لها في التاريخ.
تميّزت العلاقة بين واشنطن وطهران منذ احتلال العراق في 2003 بالتنافس، ولكنها تحولت إلى صراع في عهد دونالد ترامب بعد أن كان هناك تنسيق أمني بعد سنوات من سقوط النظام العراقي السابق.
من الواضح أن واشنطن تستعد الآن لمواجهة الدور الإيراني في العراق بعد أن طالبت الحكومة العراقية بحل المليشيات الطائفية التي تتحكم في مصيره ومستقبله، بل إنها أصبحت خارج السيطرة، وأصبحت قوة عسكرية موازية للجيش العراقي الذي تم تشكيله على أسس طائفية ومذهبية بعد إلغاء التجنيد الإلزامي الذي كان يجذب كل فئات الشعب العراقي ومذاهبه في السابق.
وبمرور هذه السنوات سعت إيران إلى جعل العراق مصدراً من مصادر اقتصادها، وهي مهددة الآن بفقدان هذا المصدر الحيوي لها، وتسعى إلى الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة، وهي تعول على تصدير نفطها عن طريق العراق، ولا يمكن إغفال حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل إلى قرابة 8 مليارات دولار، بينها 77 مليون دولار فقط هي قيمة صادرات بغداد إلى طهران، وفقاً لمصدر رسمي في وزارة التجارة العراقية.
ومن المعلوم أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران تسبب أكبر الضرر للعراق؛ لأنه يعتمد على إيران في أمور عديدة، مثل الطاقة والمواد الإنشائية والصناعية والغذائية الحيوية، لذلك تتردد الحكومة العراقية في الالتزام بالعقوبات الأمريكية، بل هي لا تستطيع تنفيذه عملياً، لارتباط استيراداتها الكبيرة من إيران في البضائع والكهرباء.
ويرى خبراء أن العراق يمكن أن يعوض عن إيران بتركيا، إلا أن الروابط الاستراتيجية والمذهبية مع إيران تعيق ذلك، حيث تمارس الفصائل المسلحة ضغوطات كبيرة على مؤسسات الدولة العراقية، وهي تسيطر عملياً على مساحة حدودية واسعة بين البلدين، حيث تحولت إلى ممر لتوريد السلع والبضائع الممنوعة على إيران، عن طريق التهريب أو عن طريق علاقة البنوك العراقية بإيران، وتحلم إيران بأن يتحول العراق إلى نافذة لها من أجل إنقاذ اقتصادها من العقوبات الأمريكية والالتفاف عليها، ليس في العراق فحسب وإنما في سوريا ولبنان واليمن ومناطق أخرى، وفي هذا المجال يتجسد التحايل الإيراني في بيع نفطه عبر الوسطاء المحليين الذين يشترون نفطها ويبيعونه للأسواق العالمية، كما كان يفعل النظام العراقي السابق في فترة الحصار الأمريكي.
ومن الجانب الآخر، يمكن للعراق أن يستفيد من العقوبات الأمريكية على إيران لو تحول إلى وسيط لتلبية المتطلبات الإيرانية من خلال تجارته مع العالم، ولكن الموافقة الأمريكية على ذلك ستكون صعبة للغاية.
وتحاول أوساط عراقية عديدة موالية لإيران ألا تلتزم بالعقوبات، وهو تفريط بمصالحه الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لصالح إيران، وهو خيار كارثي بجميع المقاييس، ومن شأنه أن يعيد العراق إلى المربع الأول وربما يؤدي إلى التدخل الأمريكي ثانية بإجراء تغييرات سياسية في النظام السياسي العراقي، وهو أمر محتمل ومتداول في الأوساط السياسية، وأبرز مظاهره مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في ميشيغان مؤخراً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة