انتهاء التفويض الأمريكي لشن الحروب ضد العراق.. سر التوقيت والدلالات
بعد أكثر من ثلاثة عقود على إقراره، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية واسعة لصالح الدفع قدما بتشريع لإلغاء تفويض الحرب ضد العراق.
يأتي ذلك مع سعي الكونغرس لإعادة التأكيد على دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال خارج البلاد.
ووفقاً للتفويض الأول فقد أقدمت الولايات المتحدة على مهاجمة العراق عام 1991، إبان اجتياح نظام صدام حسين للجارة الكويت والدفع به للخروج منها بعد 5 شهور من احتلالها.
وفي التفويض الثاني، هاجمت الولايات المتحدة العراق عام 2003، وأسقطت نظام صدام حسين بمعية التحالف الدولي.
ويعطي التفويض الأمريكي الحق للولايات المتحدة شن الحرب تجاه الدول التي تمثل تهديداً لأمنها القومي وبما يهدد الأمن والاستقرار الدوليين.
وانتهى تصويت مجلس الشيوخ، بنتيجة 65 إلى 28 صوتا أي تجاوز الستين صوتا اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من 100 عضو مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع، وكانت جميع الأصوات الرافضة لأعضاء في الحزب الجمهوري.
ويقول أعضاء في الكونغرس منذ سنوات إن الكونغرس تخلى عن الكثير من السلطات للرؤساء من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فيما يتعلق بإرسال القوات للقتال وذلك من خلال إصدار تفويضات بشن حروب واسعة مفتوحة ثم الفشل في إلغائها.
وأضافوا أن "الرؤساء استخدموا هذه التفويضات لسنوات لتبرير العمل العسكري في أنحاء متفرقة من العالم".
وبموجب الدستور، يحق للكونغرس وليس الرئيس إعلان الحرب.
ويصف مؤيدو مشروع القانون الحالي تفويضي استخدام القوة العسكرية لعامي 1991 و2002 ضد العراق بأنهما "تفويضات ميتة"، وتجاوزها الزمن وأصبحت غير لائقة لأن الحروب انتهت منذ زمن كما أصبح العراق شريكا للولايات المتحدة.
وقال السناتور الديمقراطي بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قبل التصويت إن "إلغاء هذه التفويضات سيظهر للمنطقة وللعالم أن الولايات المتحدة ليست قوة احتلال، وأن حرب العراق انتهت وأننا نتقدم إلى الأمام ونعمل مع العراق بوصفه شريكا استراتيجيا".
ويأتي ذلك التحرك بالتزامن مع الذكرى العشرين على الاجتياح الأمريكي للعراق والدفع بالتجربة الديمقراطية بدلاً من الحكم الشمولي الذي عاشته البلاد لأكثر من عقدين ونصف.
مرحلة جديدة
الخبير الاستراتيجي العراق أحمد الشريفي، يرى أن الذهاب نحو إلغاء تفويض الحرب يأتي لترسيخ أسس الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق بعد أن تغيرت التصنيفات وبات القانون منتفياً ومتضاداً مع فكرته الأولية".
ويوضح الشريفي، لـ"العين الإخبارية"، أن "العراق وحتى ما قبل عام 2003، كان يصنف من قبل أمريكا بالدولة المارقة بما يجيز لها الحق بالحصول على تفويض الحرب ومطاردة الأخطار التي تواجه مصالحها الدولية، لذا وبعد ذلك المشوار وبموجب القانون الدولي وضمن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الذي يعتبر حليفاً، نزعت الصفة وذلك التخويل".
وبشأن ما يتم تداوله من قبل بعض القوى في الداخل العراقي بشأن انتهاء ذلك التفويض وتفسيره على أنه سيسهم في توفير بيئة أكثر ملائمة لتواجدها، وبما يسمح لها للتحرك في مؤسسات الدولة، يقول الشريفي إن ذلك فهم مغلوط وبعيد عن الإحاطة بما تمتلك الولايات المتحدة من أوراق تخويل.
ويوضح الشريفي، أن "هناك قانونا قد أقر عام 1996 ويسمى بـ(صاحب القلم)، وهو تفويض أممي من قبل مجلس الأمن الدولي أقرب ما يكون لمفهوم الوصاية يعطي الحق لثلاث دول باستخدامه وهي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة".
ويضيف أنه "وبموجب ذلك القانون قدر التعلق بالعراق، فإن حدوده البحرية مع دولة الجوار تشرف عليها بريطانيا، وإجمالي الوضع العام بإشراف صاحبة القلم وهي الولايات المتحدة مما يعطيها الحق بالتحرك واتخاذ الإجراءات المناسبة إزاء ما يهدد نظامها الداخلي والعالمي".
تحول كبير
من جانبه، يقول الأكاديمي ورئيس مركز "تفكير السياسي"، إحسان الشمري إن ذلك "يمثل تحولاً كبيراً في طبيعة المنهج الامركي على مستوى السياسة الخارجية أو حتى على مستوى الجغرافيا العسكرية التي تواجدت بها".
ويضيف لـ"العين الإخبارية" أنه "أعتقد أن الولايات المتحدة بتمريرها هذا القانون فإنها تريد إنهاء الصفة القانونية التي أجازت لها التدخل العسكري، وهو ما يتماشى مع مزاج ورغبة الديمقراطيين بما يعزز حضورهم لدى الشارع الأمريكي".
ويوضح أن قرار الغاء التفويض لا يعني الانسحاب الأمريكي، ويضيف " بل على العكس نحن أمام مرحلة جديدة في طبيعة العلاقة، مع الأخذ بالنظر أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى تفويض عسكري في حال تعرض مصالحها وأمنها القومي للخطر".