الصدر و«الكتلة البديلة».. «مقاطعة مشروطة» تربك المشهد قبل الانتخابات العراقية

في وقت تتصاعد فيه التحديات السياسية بالعراق، دخل زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، مجدداً على خط الأزمة الانتخابية بإعلان البراءة من عشرات الشخصيات المحسوبة على تياره السياسي والعسكري بسبب خوضهم الانتخابات خلافاً لأمره الصريح بمقاطعتها.

الصدر، الذي أعلن في وقت سابق انسحاب تياره من العملية الانتخابية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عاد هذه المرة ليطرح معادلة جديدة مشروطة، قد تعيد خلط الأوراق داخل المعسكر الشيعي الحاكم عبر دعم كتلة انتخابية بديلة لا تنتمي للتيار الصدري، لكنها تتبنى برنامجه الإصلاحي المكون من سبع نقاط أساسية، مقابل "ضمانات مكتوبة" تلتزم بها هذه الكتلة أمام الرأي العام وأمام "أصوات الشرفاء"، بحسب ما نقل عنه صالح محمد العراقي، المقرّب منه.

قائمة المطالب السبعة

خلال اجتماع في الحنانة، مقرّ إقامته في النجف وسط العراق، تحدّث الصدر مع قيادات تياره عمّن يمكنه من الكتل المرشحة تبنّي برنامج يدعو إلى "الاستقلال الوطني ورفض التبعية الخارجية، وحصر السلاح بيد الدولة وحلّ الجماعات المسلحة، ودعم الجيش والشرطة كقوتين رسميتين وحيدتين، وتنظيم الحشد الشعبي ضمن إطار أمني قانوني، ومكافحة الفساد وكشف رموزه، وتعزيز الروح الوطنية، وتنفيذ إصلاحات جذرية تلامس الواقع السياسي".

هذا البرنامج، الذي يلامس خطوط التماس بين تيار الصدر وما يُعرف بـ"الإطار التنسيقي" الحاكم، يضع أمام الأحزاب المنافسة معضلة صعبة: إما الانصياع لشروط الصدر، وتحمل كلفة صدام محتمل مع حلفائهم من الجماعات المسلحة، أو خوض الانتخابات في غياب أكبر كتلة شيعية شعبية.

البراءة من المرشحين وتأكيد القطيعة

الصدر لم يكتف بالتصريحات العامة، بل اتخذ خطوة عملية حين أعلن البراءة من 31 شخصية من "سرايا السلام" والتيار الوطني الشيعي، لترشحهم في الانتخابات القادمة، رغم قرار المقاطعة.

وأبرز هؤلاء، علي شكري، رئيس هيئة المستشارين في رئاسة الجمهورية، الذي قرر الترشح ضمن قائمة يقودها عضو مجلس النواب عن محافظة النجف وزعيم تيار الوفاء الوطني عدنان الزرفي المقرب من الولايات المتحدة.

هذا الإعلان بمثابة تأكيد قاطع على أن قرار الصدر ليس مناورة انتخابية ظرفية، بل يمثل قناعة استراتيجية، ما لم تتحقق شروطه الإصلاحية. كما أن دعوته للمبعدين بـ"التوبة والتراجع" تؤشر إلى انضباط صارم داخل التيار، يميّزه عن بقية التشكيلات الشيعية.

تفكيك الجماعات المسلحة

واحدة من أكثر النقاط إثارة في خطاب الصدر الأخير هي دعوته الواضحة إلى حلّ الجماعات المسلحة، ودمج الحشد الشعبي ضمن وزارتي الدفاع أو الداخلية، في تناغم مثير للاهتمام مع المطالب الأمريكية الأخيرة لبغداد، والتي طالبت الحكومة العراقية بضرورة حسم ملف الفصائل وتنظيم الحشد.

يأتي هذا الطرح في وقتٍ دعا فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى اجتماع طارئ لقادة الإطار التنسيقي لمناقشة رسالة أمريكية تطلب تفكيك الجماعات المسلحة وضبط ملف الحشد مساء الإثنين. وهو ما يجعل خطاب الصدر متقاطعاً بشكل غير مباشر مع الضغوط الدولية التي يتعرض لها العراق.

مأزق الإطار التنسيقي

وفي سياق متصل، قال قيادي في التيار الصدري لـ"العين الإخبارية"، بشأن خطوة الصدر الأخيرة، إن "الصدر رغم انسحابه الرسمي من الانتخابات، يعود اليوم كلاعب سياسي عبر التأثير غير المباشر، حيث يسعى لتشكيل كتلة بديلة تحمل أفكاره وتحظى بدعمه الشعبي".

واعتبر القيادي الذي اشترط عدم الكشف عن هويته لحساسية الموضوع "خطوة الصدر تربك حسابات الإطار التنسيقي الحاكم، ويعيد إنتاج استقطاب شيعي شيعي جديد، ولكن هذه المرة خارج قبة البرلمان".

وأضاف "الخيار الذي يطرحه الصدر هو "مقاطعة مشروطة" وليست انسحاباً كاملاً. هو في واقع الأمر تحدٍ للطبقة السياسية، أن تثبت قدرتها على تبني أجندة إصلاح حقيقية، أو مواجهة خطر فقدان شرعية الشارع الشيعي".

وعند سؤاله عن شروط الصدر التي وضعها لأي كتلة تتبنى برنامجه، أجاب "هذه الشروط بسبب وجود أزمة ثقة عميقة بين الشعب والسلطة، ووسط عجز الدولة عن ضبط سلاح الجماعات المسلحة، يظهر خطاب مقتدى الصدر الأخير كنوع من محاولة إعادة صياغة العلاقة بين الشارع والدولة، على أسس وطنية ومدنية"، لافتاً إلى أن "الأشهر المقبلة قد تحمل الإجابة واضحة من الصدر".

ويستعد العراق لإجراء انتخابات تشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وتتزامن الاستعدادات مع الجدل المستمر بشأن القانون الذي ستجرى وفقه الانتخابات.

ورغم حصول التيار الصدري في الانتخابات الماضية التي شهدها العراق في 2021 على 73 مقعدا من مقاعد مجلس النواب العراقي البالغة 329 مقعدا،  فإن الصدر قرر في يونيو/حزيران 2022، الانسحاب من العملية السياسية في البلاد وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة "حتى لا يشترك مع الفاسدين"، وقدم كافة نواب التيار استقالاتهم من مجلس النواب العراقي، عقب القرار.