10 أعوام على هزيمة «داعش».. الموصل تتنفس الحرية وتغني القدود
أمرٌ بسيط، مثل ري الزهور بأحد شوارع البلدة القديمة بالموصل، دفع صقر زكريا إلى أن يفكر كم ينعم بالأمان الآن بعد ١٠ سنوات من الرعب.
الموصل، التي كانت آخر معاقل تنظيم "داعش" قبل تحريرها في 2017، عاشت سنوات من الرعب بعد سيطرة التنظيم الإرهابي عليها في هجوم خاطف في يونيو/حزيران 2014.
وقال زكريا الذي ترك المدينة في 2005، وعاد لتأسيس مركز ثقافي وهو مؤسسة بيتنا في 2018، عندما كانت آلاف الجثث ما زالت تنتشل من بين الأنقاض، "فكرت للحظة.. أين أنا؟".
وتابع قائلا "أنا جيت باسترخاء أمسك الزرع وأسقيه فصفنت (فشردت) يعني معقولة؟ هذا الأمان؟"
قبل عشر سنوات، أعلن التنظيم الإرهابي قيام "الخلافة" من جامع النوري الكبير في المدينة، وهو موقع قريب من مكان إقامة زكريا في الوقت الحالي، وسيطر على الموصل وفرض وقتها تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية، وقتل بعض أفراد الأقليات وحرّم الموسيقى ودمّر مواقع أثرية.
متاهة الأزقة الضيقة في هذا الجزء من المدينة على الضفة الغربية لنهر دجلة كانت موقعا لعمليات متكررة من القتل والخطف وجرائم أخرى مع صعود التيارات المتشددة قبل وبعد سيطرة "داعش" على الموصل.
لكن تحول أغلب هذه المتاهات إلى ركام، وقتل آلاف المدنيين في معارك لتحرير المدينة من قبضة التنظيم الإرهابي، وفق رويترز.
شعور بالأمان
في الوقت الحالي، وعلى الرغم من الصراعات السياسية الداخلية واتهامات بالفساد وتأخر إعادة الإعمار، تعود الحياة للمدينة على ضفتي النهر.
وقال كثيرون من بين ما يزيد عن 20 شخصا تحدثوا إلى مراسل "رويترز" خلال زيارة للمدينة استمرت أربعة أيام، إنهم "يشعرون بالأمان اليوم أكثر من أي وقت مضى خلال العقدين الماضيين".
وعن الوضع في المدينة وقت سيطرة التنظيم، وصفه زكريا "الحياة عبارة عن أكل ونوم وإغلاق بابك بالقفل حتى لا تتعرض للخطف أو القتل أو التفجير. كنا محرومين واليوم نعوض ما فاتنا".
وأصبحت مؤسسته التي تقع في بيت من بيوت الموصل التقليدية يتوسطه فناء داخلي، نقطة جذب للزوار من العراق وخارجه ومن بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2021.
وبعد وقت قصير من حديثه، دخل رجل كبير في السن إلى الفناء وذرفت عيناه بالدموع عند رؤية الصور المعلقة على الجدار لمن كانوا يمثلون يوما النخبة الفكرية والثقافية في المدينة.
وقال نزار الخياط، مدير مدرسة سابق في السبعينيات من عمره، بصوت يرتجف "هذه هي ذات الموصل... غصب عنهم مدنية حضرية".
طريق طويل
ورغم مرور وقت طويل على تحرير المدينة، يقول مسؤولون وسكان، إن الطريق "لا يزال طويلا قبل أن تتخلص الموصل من إرث التنظيم الإرهابي".
ولا تزال جهود إزالة الأنقاض مستمرة رغم مرور سبع سنوات على تحرير المدينة. كما لا يزال من الممكن رؤية ثقوب في جدران مبان بأرضيات مهدمة إلى جانب قضبان حديدية مكشوفة تتدلى من منشآت في أنحاء المدينة، فيما لا يزال الدمار الواسع على حاله بالبلدة القديمة.
لكن جرى تشييد جسور وافتتاح مطاعم جديدة يستمتع زوارها بالمأكولات اللبنانية ويتمايلون على أنغام القدود الحلبية السورية التي تحيي فيهم الحنين للماضي.
وتضج السوق والمقاهي الواقعة على جانب النهر بالحياة حتى وقت متأخر من الليل، وهو ما لم يكن من الممكن تصوره في السابق عندما كان الناس يحبسون أنفسهم في بيوتهم من قبل غروب الشمس.
وقال فراس السلطان معاون مدير بلدية الموصل للشؤون الفنية: "بينما تعمل المدينة على ترميم البنية التحتية الأساسية فإنها تركز أيضا على توسيع المساحات الخضراء والمعالم السياحية مثل الكورنيش الجديد على ضفاف النهر".
كما تجري إعادة ترميم وإصلاح المعالم الأثرية لتاريخ المدينة الغني متعدد الأديان، مثل جامع النوري الكبير وكنيسة الطاهرة التي زارها البابا فرنسيس بابا الفاتيكان عام 2021.