«الفراشة» و«داعش».. هل تنجو موزمبيق من جناح الإرهاب؟
هل تخيلت أن شيئا بسيطا كرفرفة جناحي فراشة يمكن أن يُحدث دمارا في أي بقعة حول العالم؟
نعم.. هذا هو ما يمكن أن يحدث حينما ننظر إلى حالة القلق التي تسود لدى الأوساط الفكرية العالمية من أن الصراعات في دول الساحل الأفريقي قد تولد حالة من الفراغ الجيوسياسي تمنح الجماعات الإرهابية فرصة للانتشار والتغلغل في محيط المنطقة وقد تتجاوز حدودها وصولا إلى موزمبيق.
ويجزم مراقبون أن الاختلال في ميزان بعض الجغرافيات وتزايد مستويات الفقر في دول الساحل قد أدى إلى إحياء الفرص مرة أخرى لدى تنظيمات متشددة في صناعة واقع جديد لها بعد تعرضها لخسائر وهزائم متتالية، وهو ما تسبب في حدوث انتقال الإرهابيين نحو الدول ذات الطبيعة المجتمعية أو الأمنية أو الاقتصادية الرخوة في القارتين،
ووفق المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال" كانت مجموعة دول الساحل التي تتكون من موريتانيا، النيجر، تشاد، بوركينا فاسو، ومالي، هي الأقرب لخطط وإستراتيجيات تلك التنظيمات بل وتحالفات جديدة سعت وما زالت إلى استغلال الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تمر بها بعض دول هذه المنطقة في إيجاد قواعد وحواضن دينية شعبية تتوافق فكريا وعقديا وأهدافها في التمدد والتمركز كتنظيمات
ولفهم العلاقة بين "تأثير الفراشة" وانتشار الإرهاب، غاصت "العين الإخبارية" في البحث عن أصل المصطلح لتقريب النظرية القائلة إن الأمور الصغيرة قد يكون لها تأثيرات فوضوية كبيرة.
من أين جاء مصطلح "تأثير الفراشة"؟
"تأثير الفراشة" مصطلح استعمله الخبير الأمريكي في الأرصاد الجوية إدوارد لورينز، للتنبؤ بالمستقبل.
ففي ستينيات القرن الماضي، خلال ذروة مسيرته المهنية في مجال التنبؤ بالطقس، قام لورينز بإدخال بعض الأرقام في برنامج كمبيوتر يحاكي أنماط الطقس ثم غادر مكتبه ليحصل على فنجان من القهوة. وعندما عاد لاحظ نتيجة من شأنها أن تغير مسار العِلم.
في ذلك اليوم، كان لورينز يكرر محاكاة أجراها سابقا، لكنه قام بتقريب متغير واحد من .506127 إلى .506. ولدهشته، أحدث هذا التغيير الطفيف تحولا جذريا في النمط بأكمله الذي أنتجه برنامجه، على مدى شهرين من محاكاة الطقس.
وتلخص نظرية لورينز فكرة أن الأمور الصغيرة قد يكون لها تأثيرات فوضوية كبيرة، وهو ما ينطبق على الأوضاع الهشة التي تعاني منها المجتمعات والتي يمكن أن تولد نمطا متطرفا.
وفي عام 1972، أطلق خبير الأرصاد الجوية على هذه الظاهرة اسم "تأثير الفراشة".
ومثل نتائج رفرفة الجناح، كان تأثير عمل لورينز غير محسوس تقريبا في البداية ولكن كان له صدى على نطاق واسع.
ففي عام 1963، قام لورينز بتكثيف النتائج التي توصل إليها في ورقة بحثية بعنوان "التدفق الحتمي غير الدوري"، والتي تم الاستشهاد بها ثلاث مرات بالضبط من قبل باحثين خارج الأرصاد الجوية في العقد التالي.
ومع ذلك، تحولت رؤيته إلى المبدأ التأسيسي لنظرية الفوضى، التي توسعت بسرعة خلال السبعينيات والثمانينيات في مجالات متنوعة مثل الأرصاد الجوية، والجيولوجيا، وعلم الأحياء.
يقول دانييل روثمان، أستاذ الجيوفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "لقد أصبح هذا مثالا رائعا لجزء من الرياضيات يبدو مقصورا على فئة معينة، وكان له تطبيقات يمكن التحقق منها تجريبيا في العالم الحقيقي".
أما ستيفن ستروجاتز، أستاذ الرياضيات التطبيقية في جامعة كورنيل ومؤلف كتاب "الديناميكيات غير الخطية والفوضى"، فلفت إلى أنهم توصلوا بعد لورينز إلى أن "الحتمية قد تمنحك القدرة على التنبؤ على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل، يمكن أن تكون الأمور غير قابلة للتنبؤ بها. وهذا ما نربطه بكلمة الفوضى". "
الإرهاب في موزمبيق
وبالنسبة لموزمبيق الدولة الواقعة في شرق أفريقيا وتُعد واحدة من الدول الأكثر فقرا في العالم، يتزايد القلق بشأن مكافحة الإرهاب، مع استعداد القوات الإقليمية من الجيش الرواندي وبعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، للانسحاب في يوليو/تموز المقبل.
وبحسب دراسة نشرها موقع understandingwar، تقوم "حركة أهل السنة والجماعة" (فرع داعش في موزمبيق) بحشد عناصرها والسيطرة على الأراضي، والعمل عبر الشمال بمستويات غير مسبوقة منذ عام 2022 على الأقل.
وبدأ مقاتلوها في زيادة معدل هجماتهم في ديسمبر/كانون الأول 2023، وحافظوا على معدل أعلى في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2024.
ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في الدراسة نفسها، فقد سجلت قاعدة بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها (ACLED) أن "أهل السنة والجماعة" شنت 57 هجوما منذ 19 ديسمبر 2023.
يأتي ذلك بعد أن ألحقت القوات الإقليمية بفرع داعش في موزمبيق، انتكاسات كبيرة في عامي 2021 و2022، وخاصة في المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها في محافظة كابو ديلغادو الشمالية الشرقية.
بيْد أنه ومع العد التنازلي لانسحاب القوات الإقليمية من موزمبيق، بدأ التنظيم بإعادة بناء نفسه في الأسابيع الأخيرة، حيث استولى على مدينتَي موكوجو وكويسانغا في كابو ديلغادو وتوسع جنوبا إلى منطقة شيوري.
تطورات ميدانية وخاصة الهجوم على موكوجو، الذي أسفر عن مقتل عشرين جنديا، في فبراير/شباط الماضي، يقول "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" إنها تشير إلى أن الجيش الموزمبيقي لن يكون قادرا على الدفاع عن نفسه من دون "بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي".
ويبدو أن احتمال حدوث انهيار أمني كامل في موزمبيق أكبر من احتمال حدوثه في منطقة عمليات تنظيم "داعش" في الصومال، بحسب المعهد الأمريكي.
ويشير ثيو نيثلينغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فري ستيت بجنوب أفريقيا، إلى أن "هشاشة الدولة وقيود الحكم لم توفر فقط أرضا خصبة لظهور أهل السنة فحسب، بل ويمنعان مؤسسات الدولة المعنية في موزمبيق من حل المشكلة"، بحسب ما نقله موقع "نموذج الدفاع الأفريقي"
من هو فرع "داعش" في موزمبيق؟
في عام 2021، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية " أهل السنة والجماعة" (فرع داعش في موزمبيق) حركة إرهابية.
وتُعرف "أهل السنة والجماعة" أيضا محليا باسم حركة "الشباب"، على الرغم من أنها تختلف عن الاسم الصومالي الذي تحمله.
وجاء التصنيف الأمريكي وسط قلق متزايد في واشنطن من أنه على الرغم من نهاية الخلافة الفعلية لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، إلا أن التنظيم قد يكتسب نفوذا في أماكن أخرى، خاصة في أفريقيا.
وبالفعل، تقاتل الجماعات المسلحة في نيجيريا ومنطقة الساحل الأفريقي تحت راية داعش.
ومنذ عام 2019، أعلن داعش أن “ولاية وسط أفريقيا” التابعة له تشمل أجزاء من جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، حيث يقول إنه طور تحالفات مع الجماعات المسلحة المحلية، بما في ذلك تحالف القوى الديمقراطية وجماعة أهل السنة والجماعة.
وبحسب "مجموعة الأزمات الدولية" ( منظمة دولية غير حكومية تأسست عام 1995 في بروكسل) أصبحت "أهل السنة والجماعة" أكثر خطورة وتعقيدا بشكل ملحوظ منذ بدايتها في عام 2017. ففي المراحل الأولى من التمرد، تجمع المهاجمون في مجموعات صغيرة من عدد قليل من المقاتلين لمهاجمة مواقع الشرطة أو القرى النائية، وغالبا ما كانوا يلوحون بأسلحة حادة.
ولكن بحلول أوائل عام 2020، استولى المسلحون على مخزونات كبيرة من الأسلحة من قوات الأمن الحكومية وتمكنوا من شن هجمات على عواصم المقاطعات، بما في ذلك ميناء موسيمبوا دا برايا، وهي المدينة التي فرّت منها القوات الحكومية ولم تتمكن بعد من استعادتها.
كما تصاعدت أعمال العنف ضد المدنيين خلال العام الماضي، مع اجتياح التمرد جنوبا باتجاه عاصمة المقاطعة بيمبا، مع ظهور العديد من التقارير الموثوقة عن الفظائع التي ارتكبها مقاتلو حركة أهل السنة والجماعة.
من هم المقاتلون الأجانب فرع داعش في موزمبيق؟
ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في "مجموعة الأزمات"، فإن هناك أجانب ضمن صفوف "أهل السنة والجماعة".
ونقلت المجموعة عن مسؤولين حكوميين ومصادر أمنية إقليمية وشهود عيان من الذين قابلتهم، أن المقاتلين الأجانب هم من تنزانيا. ويبدو أن العديد منهم من أتباع عبود روغو، رجل الدين الكيني السابق الذي كان مرتبطا بكل من تنظيم القاعدة وحركة الشباب في الصومال واغتيل في عام 2012.
ناهيك عن أبو ياسر حسن، الذي حددته الولايات المتحدة على أنه زعيم حركة أهل السنة والجماعة، هو الآخر من تنزانيا.
وكشف تقرير نشره فريق مراقبي الأمم المتحدة يوم 29 يناير/كانون الثاني الماضي، أن عدد أفراد "أهل السنة والجماعة" انخفض بعد قتال دام أكثر من عامين إلى ”ما يتراوح من 160 إلى 200".
الساحل الأفريقي في سطور
تحتل منطقة الساحل الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، موقعا جغرافيا متميزا يمتد من المحيط الأطلنطي غربا، وحتى البحر الأحمر شرقا.
وتمتد المنطقة حتى موريتانيا والسنغال وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد ونيجيريا والسودان غربا، وإثيوبيا شرقا.
ويبلغ عدد سكانها نحو 90 مليون نسمة نصفهم تحت سن الـ15. أما أراضيها الممتدة على مساحة تصل خمسة ملايين كيلو متر مربع، فغنية بالثروات المادية، خاصة الزراعة والمعادن والماء والطاقة.
ورغم مواردها الغنية، تعاني المنطقة من هشاشة اقتصادية وتوترات فئوية (عرقية ودينية)، وتدهور بيئي، تلتقي جميعها عند أسباب قد تمنح الجماعات الإرهابية- بحسب مراقبين- فرصة لاستغلال هذا الفراغ وتصعيد نشاطها.
وبحسب تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023، تحولت منطقة الساحل الأفريقي إلى بؤرة للإرهاب في الوقت الراهن.
وبالنسبة للكثير من مراكز صناعة القرار فإن كسب المواجهة أمام الإرهاب يمر حتما بكسب الرهانات التنموية والعمل على تقليص الفقر والبطالة وتطوير الخدمات وتحسين الحياة.. فهل تعبر موزمبيق أسوار المواجهة؟