يتكرر سيناريو احتلال الجماعات الإرهابية مناطق الموارد المعدنية التي توفر لها تمويلا، فضلا عن وجود اختلالات اجتماعية، ما يعني أرضا خصبة لتجنيد إرهابيين.
هذه هي حالة الجماعة الإرهابية التي يسميها السكان المحليون "الشباب" أو "ماشابابوس" في موزمبيق.
فمنذ عام 2007، بدأ يُلاحَظ وجود جماعة "الشباب" الإرهابية في موزمبيق، والتي تعود نشأتها إلى نهاية تسعينيات القرن الماضي، حيث تأسست من طرف جماعة "مركز أنصار للشباب المسلم" في تنزانيا.. إذ نفذت قوات الأمن التنزانية ضربات استباقية ضد الإرهاب منذ عام 2017، وحلّت التنظيمات الإرهابية، ففرت عناصرها إلى موزمبيق وإلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وشرع الإرهابيون هناك في إغلاق المدارس بهدف تجنيد الشباب، خاصة في أوساط الفقراء، باتباع المخطط ذاته المستخدم في منطقة الساحل.
ويُقدّم الإرهابيون أنفسهم على أنهم "الحل الوحيد لمشكلات السكان المحليين"، ويتم ذلك باستخدام السلاح والعنف، في محاولة لعزل مناطقهم عن أي نوع من التأثير الخارجي.
وللإرهابيين مصلحة مزدوجة لاحتلال شمال موزمبيق، لأنها منطقة استخراج المحروقات والأحجار الكريمة، وهو ما يفيدهم في تمويل عملياتهم.. إنها أيضا منطقة تهريب وعبور المخدرات والأسلحة، ما يمنح الإرهابيين أفضلية في البلد الساحلي، وأيضا الجماعات في الداخل الأفريقي، لهذا فإن إرهابيي تنظيم "داعش" في الكونغو مهتمون بالحفاظ على هذا الطريق مفتوحا.
بالنسبة لجماعة "ماشابابو" في موزمبيق، فإن عدم انضمامها إلى تنظيمي "داعش" أو "القاعدة" كان يعني نشوء أطماع للتنظيمَين الإرهابيين في المنطقة، فقد يحاولان التوسّع إلى أراضي الجماعة.. التي سيتعين عليها حينئذ محاربة الجيش المحلي والقوات الدولية وأيضا التنظيمات الإرهابية الكبرى، لذا اتخذت الجماعة موقف الانضمام إلى "داعش"، رغم أنها لا تتفق تماما مع أفكاره.
وباستمرارها في سياسة عدم التدخل، ترتكب تنزانيا الخطأ الذي حدث في بلدان أخرى في غرب أفريقيا، فعدم الإسهام في مكافحة الإرهاب عبر الامتناع عن ملاحقة الإرهابيين، إلا حال دخولهم أراضي الدولة المعنية، يمنحهم الفرصة لجعل أراضي البلد "المتساهِل" ملاذًا لهم.
وإذا تمكن الإرهابيون من تعزيز وجودهم على المدَيين المتوسط أو البعيد في موزمبيق، فإنهم سيشرعون في التوسع، وسيكون ذلك تجاه تنزانيا، ففي الاتجاه الآخر المحتمل، الكونغو، يوجد فرع آخر لتنظيم "داعش".
الحكومة وحدها غير قادرة على إحكام المشكلة، وقد لجأت في السابق إلى شركات أمنية أجنبية، لكن دون جدوى، فمن العناصر الأساسية في مكافحة الإرهاب هو التسلل داخل الجماعات ودعم السكان المحليين، وهذا أمر معقّد بالنسبة لشركات الأمن الخاصة، علاوة على استغراقه وقتا أطول لتجنيد العملاء المناسبين لتوفير معلومات استخبارية كافية لمحاربة هذه العناصر.
القوات الوحيدة التي أظهرت فعالية كبيرة هي القوات الرواندية، التي نجحت في تقليل عدد هجمات جماعة "الشباب" الإرهابية.
ونرى أن الإجراءات الاقتصادية، التي أصدرتها الولايات المتحدة، ضد فرع "داعش" في موزمبيق من أجل إلحاق الضرر ببنية تمويله، جديرة بالثناء، ولكنها ليست فعالة تمامًا، فلن يهتم الأفراد، الذين قرروا العيش في غابة والقتال الدائم، بمنع الولايات المتحدة إياهم من فتح حسابات مصرفية في البنوك الأمريكية!
ونرصد أنه منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، نفّذت هذه الجماعة الإرهابية ما يقرب من 1500 هجوم في منطقة كابو ديلغادو، شمال موزمبيق، ما أسفر عن مقتل نحو 4400 شخص، وتشريد ما يزيد على مليون إنسان.
وفي عام 2021 وحده، نفّذت هذه الجماعة الإرهابية أكثر من 570 هجوما، بما في ذلك داخل تنزانيا، وتسببت في نزوح أكثر من 670 ألف شخص.
وتفضّل هذه الجماعة خوض معاركها في المنطقة القريبة من الساحل، والتي تمتد من الحدود مع تنزانيا إلى 425 كم جنوبا.
ما الذي يمكن توقّعه بعد عشر سنوات من الآن إذا لم يتم اتخاذ إجراءات ضد الإرهابيين في منطقة أُغلقت فيها المدارس والمستشفيات ودور العبادة؟
سيصبح الأطفال، الذين هم الآن في سن العاشرة، إرهابيين محتملين، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة، وستُستنسخ الكارثة نفسها في عدة أجزاء من أفريقيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة