أيام ويطوي عام 2022 صفحاته، ويبدأ العام الجديد بطرح أوراقه تباعا.
وقبل قراءة ما بين سطور العام الجديد، من المهم استخلاص معاني ودلالات ما تركه لنا العام الذي سيغادرنا.
من أهم ما حمله عام 2022 إلى العالم، حالة التعافي التدريجي من جائحة كورونا، وانحسار تداعياتها، التي أصابت كل دول العالم في كل القطاعات.
ورغم أن الجائحة لم تنتهِ بشكل كامل، فإن العالم استعاد في 2022 كثيرًا من مظاهر الحياة الطبيعية، خصوصًا في حركة الاقتصاد العالمي بمساراته المختلفة، وأهمها التجارة الدولية والخدمات اللوجستية والسياحة والنقل البحري والجوي.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان انحسار كوفيد-19 يرجع إلى تعاطي اللقاحات المضادة، أم إلى "مناعة القطيع" عبر تكوين الأجسام البشرية مضادات ذاتية للفيروس، أم إلى ضعف أصاب الفيروس نفسه وحوّله إلى نسخة مشابهة للأنفلونزا والفيروسات الصدرية المعتادة.
وعدم اليقين هذا يعني أن كل الاحتمالات قائمة في العام الجديد، بما فيها استعادة الجائحة شراستها، ما لم تخرج منظمة الصحة العالمية والمؤسسات البحثية الطبية بدراسات علمية حول أسباب الانحسار ومدى ديمومته.
الملمح الثاني المهم في عام 2022، والذي تصدر عناوين الأخبار وحاز اهتمام العالم بلا استثناء، هو أزمة أوكرانيا التي بدأت مطلع العام وتبدو باقية مع العالم إلى العام الجديد.
وقد أحدثت هذه الأزمة هزة قوية في المشهد العالمي، وُجدت أصداؤها في ارتدادات إقليمية بمختلف مناطق وأقاليم العالم على أكثر من مستوى.
أولها وأهمها الارتباك الذي أصاب الأسواق العالمية لعدد من السلع الاستراتيجية، أبرزها سوق النفط والغاز، والحبوب، وبعض المعادن مثل الصلب والألومنيوم.. فضلا عن ارتباك مؤشرات البورصات العالمية واضطراب حركة الأسواق المالية والتدفقات المصرفية في أنحاء العالم.. خاصة بعد فرض عقوبات متعددة المجالات على روسيا، بما فيها تقييد التعاملات المالية الروسية من خلال آلية الحركة النقدية الدولية المعروفة بنظام "سويفت".
وعلى أهمية كل تلك الجوانب المتداخلة في تداعيات الأزمة، التي تحولت سريعا إلى حرب روسية أوكرانية، خلال عام 2022، يبدو الأهم أن الحرب مستمرة والأزمة ستظل قائمة مع دخول العام الجديد وربما لأجل غير معلوم.. ما يعني أن على العالم الاستعداد للتعاطي مع مقتضيات الأزمة والحرب لشهور مقبلة على الأقل.. خاصة أن المؤشرات الفعلية، سواء في ميدان القتال أو بالتحركات السياسية والاقتصادية من أطراف الأزمة، لا تشير إلى نهاية قريبة، لا للحرب ولا للأزمة ككل.
وتجدر الإشارة هنا إلى ما ارتبط بالأزمة الأوكرانية من تداعيات إقليمية في أنحاء كثيرة من العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
فقد فرضت الأزمة تأثيرات مختلفة في أوضاع المنطقة، لا تقتصر على الجانب الاقتصادي بتعثر سلاسل الإمداد أو تذبذب أسعار الطاقة.. بل امتدت وبوضوح للعلاقات بين دول المنطقة والدول الكبرى في العالم، على خلفية المواقف من الأزمة والاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك.
ومن شأن الاستمرار المتوقع للأزمة الأوكرانية، أن يتطلب من دول المنطقة، وتحديدا الدول العربية، التمسك بالتوازن والموضوعية والحياد الإيجابي وتغليب المصالح الوطنية والعربية.. وهي المنطلقات التي حددت مواقف وسياسات غالبية الدول العربية، وكانت واضحة ومتجسدة بوضوح في مواقف وتحركات دولة الإمارات، والتي تمكنت بحنكة سياسية ومهارة دبلوماسية فائقة أن تدير بنجاح كامل أعمال مجلس الأمن ومناقشاته في أشد أوقات الأزمة حساسية.
في عام 2022 أيضا، شهد الشرق الأوسط تطورات مهمة.. منها الهدنة في اليمن، وتقدم مراحل الاستقرار السياسي والمؤسسي في تونس، وملء الفراغ السياسي في العراق.. كما أشارت التفاعلات الإقليمية خلال العام إلى حالة هدوء وتفاهم بدأت تتسلل إلى المشهد، حيث أظهرت مختلف دول المنطقة رغبة واضحة في اعتبار مساحات التوافق أساسا، واعتماد الحوار مدخلا لإدارة العلاقات وإدارة القضايا والتطورات الإقليمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة