الأيام القليلة المتبقية من عام 2022 كانت حُبلى بالمفاجآت.
ولعل زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المفاجئة إلى واشنطن كانت إحداها، سيما وأن طريقة سفره والإعلان عنها أضحت لغزًا يصعب حله.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بمعايير الربح والخسارة حول هذه الزيارة هو المهم، سيما وأن المسألة مرتبطة بقضايا حساسة تتجاوز حدود الصراع القائم بين كييف وموسكو ظاهريا.
أولا: أن يغادر زيلينسكي بلده أوكرانيا لأول مرة بعد الحرب نحو الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه رسالة سياسية مبطنة يريد صناع القرار في "البيت الأبيض" توجيهها إلى قادة الاتحاد الأوروبي، أي بصريح العبارة " الرجل" يعتبر أمريكا الحليف الأقوى، وقراره ربما بيدها، وليس هناك دعم سخيٌ ومنطقي من دول الاتحاد يفوق دعم أمريكا له.
ثانيا: الزيارة الرسمية للرئيس الأوكراني هي دعم مباشر للرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي الحاكم داخل أمريكا، إذ سعت قيادات الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي لتوظيفها في هذا الإطار، بغية تحقيق مكاسب شعبية آنية.
ثالثا: هناك صراع محتدم داخل مؤسسات الحكم في أمريكا حول المليارات التي تدفعها إدارة بايدن لأوكرانيا، وهناك نواب جمهوريون اعترضوا حتى على حضور زيلينسكي إلى مبنى الكابيتول، وقاطعوا خطابه ولم يدخلوا القاعة، وهؤلاء يمثلون شريحة معينة، وإن كان عددهم قليلا.
رابعا: قضية التفاوض مع روسيا شدد عليها بايدن كثيرًا في حديثه للصحفيين برفقة الرئيس الأوكراني، وكأنه يبعث برسائل واضحة لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، تتعلق بالوضع النهائي برمته، ليرد عليه الأخير في تعليقه على الزيارة: "كل الحروب تتوقف في الختام بطريقة دبلوماسية، وأوكرانيا ليست استثناءً".
خامسا: تأكيد أمريكا طبيعة المساعدات العسكرية المقدمة لحكومة كييف، والحديث المعلن عن تقديم البنتاغون منظومة "باتريوت" للجيش الأوكراني، هو مجرد فقاعة إعلامية بحسب مراقبين، بينهم أوكران، لأن فرنسا نفسها علقت على الموضوع بالقول: "الأمر قد يستغرق عاما لوصولها"، أي المنظومة برمتها.
سادسا: ضياع فرصة السلام أو الشروع في تحقيقه داخل أوكرانيا، كون الأشهر الثلاثة التي مضت كانت حاسمة للعودة إلى طاولة الحوار الروسي الأوكراني دون شروط، لكن يبدو أن كل المحاولات باءت بالفشل، والفيتو الأمريكي مؤثر جدا.
سابعا: ربما كرّس زيلينسكي نفسه زعيما لأوكرانيا يحظى بدعم غربي، أمريكي بالذات، لكن بما يخص روسيا وعلاقتها مع الغرب، فإن الأمور ضبابية والسياسة فن الممكن، وبين عشية وضحاها ربما تنقلب الأمور رأسًا على عقب، كون المصالح المشتركة هي الحكم الرئيس في هكذا مسائل عند اللزوم، ولا صراع يدوم، والتاريخ شاهد على ذلك.
من المنطقي في النهاية أن نقول إن زيلينسكي حصل على ما يريد، ولو شكليا، وبايدن حصل على ما يريد، ولو داخليا، لكن الشعب الأوكراني وشعوب أوروبا هي الخاسر الأكبر في لعبة الحروب المفتوحة وتبعات ذلك على الاقتصاد ومعيشة المواطن ويومياته وحاجاته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة