تؤكد المؤشرات الراهنة والمحتملة لأزمات الإقليم استمرارها، حيث لا توجد محركات حقيقية لتغيير المشاهد، فما يجري مرتبط بإدارة غير منضبطة لأغلب الأزمات.
فمثلا يكتسب الملف الليبي أهمية كبرى في ظل حالة عدم الاستقرار العام، وعدم توافر الإرادة السياسية للتوصل إلى حل حقيقي ومباشر، وفي ظل تمسك كل طرف بمواقفه وفشل المبعوث الأممي في تحقيق أي تقدم هناك، وبات فقط المطروح مجرد دعوات للعودة إلى المسار الدستوري والسياسي، وأيضا في ظل مراهنات على إدارة اقتصادية للملف وليس سياسية، ما سيكون له تداعياته وسط إقدام الأطراف المعنية بإدارة التعامل من جانب واحد، مع استمرار فرض استراتيجية الأمر الواقع، التي قد تؤدي لخيارات صفرية، خاصة مع إعادة تموضع وانتشار العناصر الإرهابية، وغياب الضغط الدولي المنشود، والتخوف الأكبر في العام الحالي من الذهاب للخيار العسكري، في ظل مخاوف من احتمالات تجميد أعمال اللجنة العسكرية، ما قد ينذر بمخاطر محتملة للأطراف الرابحة من استمرار المشهد الراهن.
ويطرح الملف النووي الإيراني خيارات عدة، أخطرها عدم استئناف المفاوضات النووية، وسعي الجانب الإيراني لشراء الوقت لتحقيق مكسب وحيد يتمثل في الوصول إلى العتبة النووية، بالإضافة إلى الوضع الداخلي في إيران، ما يعني بقاء خيارات خارجية متعلقة بالمضي في المسار النووي، أو العودة بعد ضغوطات أوروبية إلى مسارات فيينا، التي تعثرت كثيرا، باعتبار أن هذا الأمر قد يكون حلا في مسارات حلول أخرى قد تُقترح لاحقا، وقد يكون البديل المطروح التفاوض على أرضية جديدة حال تغير المعطيات الراهنة.
أما الأزمة الفلسطينية، فستظل على حالها ما لم يستجد أمر يتعلق بالقيادة الفلسطينية واحتمالات التصعيد الكبرى في مدن جنين ونابلس والقدس، والتي قد تؤدي إلى مواجهات تنتهي بانتفاضة، وليس من المستبعد أن تشهد التطورات الفلسطينية-الإسرائيلية مواجهة جديدة في قطاع غزة.
أما من جهة الولايات المتحدة، فستعمل على نقل مسار المشهد الراهن سياسيا واستراتيجيا في الأراضي الفلسطينية إلى مساحة أخرى نحو مقاربة السلام الاقتصادي، باعتباره مدخلا إلى السلام السياسي لاحقا، وهو ما قد يسفر عن بناءات جديدة تقوم على شراكة محددة.
ولهذا سترعى الولايات المتحدة مشروعات السلام الإقليمي، وإتمام صفقات اقتصادية كبرى، والتركيز على تدشين خطوط الغاز المقترحة، والانتقال إلى مبادلة السياسة بالأمن، وسيُعاد الحديث الأمريكي عن مجالات التعاون الأمني والاستراتيجي، وتعزيز فكرة التعاون والشراكة العربية الإقليمية، ما سيغير -وفقا للمنطق الأمريكي- المشهد الراهن، ويحسّن أوضاع المواطنين في الإقليم بعد سنوات من الحروب وعدم الاستقرار.
ستدخل دول الإقليم في شراكات وستحاول تحقيق مصالحها عبر خريطة تفاعلات جديدة، بناء على ما تم سابقا، وهو ما برز في منطقة "شرق المتوسط"، حيث التحالفات الكبيرة والمقترحة، ومع التوقع باستئناف العلاقات المصرية التركية وتطور علاقات أنقرة مع الرياض وأبوظبي، فإن معادلات جديدة ستتشكّل، ويمكن البناء عليها، مع عدم استبعاد حدوث توترات ستكون لها ارتداداتها الكبرى على أمن الشرق الأوسط، في إطار الحرص على إعادة ترسيم الحدود البحرية بين الأطراف المعنية، واستمرار التنازع على بعض الحالات، ومنها ما سيتم بشأن غاز سوريا، والدور المحتمل للجانب الروسي وإسرائيل، التي تسعى أيضا لحجز دور متقدم في خريطة غاز المنطقة، ما سيضع خيارات عدة أمام دول المنطقة، والرسالة أن دول العالم العربي ستتأثر بما سيجري.
من المبكر أن نضع ملف التسويات الأخرى، ومنها الملف اليمني، في دائرة الحل أو السعي للتوصل إلى مسار تسوية مقبولة، في ظل ممارسات "الحوثي" الإرهابي، فيما سيبقى الملف السوري على حاله، كما من المتوقع أن يزداد المشهد اللبناني توترًا، وليس من المستبعد أن يدخل "حزب الله" الإرهابي في مواجهة مع إسرائيل للخروج من مأزقه الداخلي.
وتلوح معالم استمرار المواجهات الأمريكية الصينية الروسية، والرسالة أن العالم العربي سيكون ساحة لإعادة ترتيب الأولويات الأمنية والاستراتيجية، رغم وجود رهانات دولية وتقييمات استراتيجية واستخباراتية بأن هناك فرصة ذهبية للدول العربية لإعادة صياغة جديدة للعلاقات العربية الدولية، استثمارا لما يجري في بنية النظام الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة