يرث عام 2023 عن سابقه، عام 2022، ملفاتٍ صعبة وخطرة.
في المقدمة من هذه المخاطر ملف الأزمة الأوكرانية، الذي تحول إلى صراع روسي-أطلسي يهدد بمواجهة مدمرة للعالم، في ظل تناقض مواقف الطرفين، وقدرة كل طرف على الاستمرار في دورة العنف، وسط غياب أي أفق حقيقي يوحي بنهاية سلمية للحرب الجارية.
إلى جانب هذا الملف، يبرز اشتداد الصراع الأمريكي-الصيني، ليس بسبب تايوان فقط، وإنما بسبب تصاعد حدة الصراع التجاري بينهما، لا سيما بعد حظر واشنطن الأجهزة والمعدات الصينية اللازمة لبناء شبكات الإنترنت.
كل ذلك وسط تصاعد الظواهر المناخية الخطرة، التي تهدد مناطق واسعة من العالم، في ظل بروز أزمة شح مياه ونزاعات بشأنها.. كلها ملفات صعبة تهدد أمن العالم واستقراره ومستقبله، ما لم تنتصر الحكمة والحوار والتعاون على لغة الحرب والتصعيد بين الأطراف المتصارعة.
في الحديث عن الأزمة الأوكرانية، وصل الصراع بين روسيا والغرب إلى مرحلة خطرة، في ظل إصرار الطرفين على موقفهما، وتناقض الرؤى بشأن كيفية الخروج من هذه الأزمة، فأوكرانيا تربط أي حل باستعادة المناطق التي سيطرت عليها روسيا، فيما الأخيرة -بعد ضمّها العديد من المناطق الأوكرانية- ترى استحالة الانسحاب منها، بل تؤكد حق الدفاع عنها، على اعتبار أنها باتت "أراضي وطنية" وفق الدستور الروسي.
وأمام هذا التناقض تستعر فصول الحرب بين الطرفين دون قدرة أي طرف على حسمها، ما يضع الطرفين في حالة استنزاف، ما ترك أسئلة مقلقة بشأن مآلات الأزمة على أمن العالم، وسط ارتفاع معدلات التضخم، وأزمة الطاقة، ونقص الغذاء، وارتفاع الأسعار، وزيادة أعباء اللاجئين، حيث تبدو أوروبا المتضرر الأكبر من كل ما سبق.
في الحديث عن مآلات الأزمة الأوكرانية خلال عام 2023، يبدو أن مسار الأمور يتجه نحو مزيد من التأزم، لا سيما بعد زيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى واشنطن، وإعلان الأخيرة عن حزمة دعم كبيرة له، فيما يقابل هذا المُعطَى بلهجة تصعيدية من موسكو وصلت إلى حد التهديد بحرب نووية تضع العالم على شفا كارثة، خاصة مع إمكانية توسيع رقعة الحرب وتحالف عسكري بين روسيا وبيلاروسيا، واستمرار الغرب في ضم دول جديدة إلى عضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ما يزيد التوتر مع موسكو، التي ترى في ذلك النهج تهديدًا لأمنها القومي.
وعليه، فإن مسار الأمور في الشهور المنظورة يأخذ شكل توقع مزيد من التصعيد، الذي قد يصل إلى حد استخدام أسلحة غير مسبوقة، لكن وصول الأمور إلى نقطة الذروة هذه قد يكون مدخلا لمفاوضات تسوية ممكنة، ما دام لا يستطيع أي طرف إلحاق هزيمة بالآخر، فيما تشتد تكلفة الحرب أكثر من أي وقت مضى، ما يعني أن وقف الحرب قد يصبح حاجة للأطراف المتورطة والمعنية.
في منطقتنا، التي تحظى بأهمية جيوسياسية للدول الكبرى، يسجَّل للدول العربية الخليجية خلال عام 2022 تنامي قدرة دبلوماسيتها على بناء المصالح، وقد كانت لزيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، والقمم الثلاث التي عُقدت في الرياض، والموقف الرصين من الأزمة الأوكرانية، عناوين بارزة لهذه الدبلوماسية.
أما خارج الرقعة الخليجية، فالملف السوري يراوح مكانه، والوضع في العراق ينتظر حراكا أكثر بعد تشكيل حكومة جديدة، فيما تبقى مأساة الشعب اللبناني تزداد قتامة في ظل تعثر استحقاق انتخاب رئيس جديد، مع استمرار الوضع في السودان وليبيا وباقي الدول العربية كما هو، مع بقاء التحديات الإرهابية خاصة في اليمن ببقاء جماعة "الحوثي" الإرهابي.
عربيا وإسلاميا أيضا، كان الملف الأبرز في عام 2022 هو انهيار تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، إذ شهد التنظيم سلسلة انقسامات وانشقاقات وخلافات وفضائح وصراعات، بما يؤكد الهزيمة الأكيدة لهذه الجماعة، بعد فشل مشروعها على المستوى الشعبي.
إقليميا، تبدو كل من تركيا وإيران أمام استحقاقين مهمين لمستقبل المنطقة، فتركيا، التي تشهد سياستها تجاه الدول العربية وإسرائيل انعطافة إيجابية، ستشهد خلال الصيف المقبل انتخابات رئاسية وبرلمانية مهمة لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، ومع أن هذه الانتخابات استحقاق داخلي تركي، فإن نتائجها تهم العالم العربي وروسيا والغرب، بحكم أهمية موقع تركيا لهذه الدوائر الجيوسياسية.
أما بالنسبة لإيران فيبرز السؤال عن مصير الملف النووي الإيراني بعد أن وصلت المفاوضات بشأنه إلى نقطة الصفر، رغم عدم إعلان الأطراف المعنية ذلك رسميا.
من الواضح أن العالم سيكون في عام 2023 أمام تحدي الملف الأبرز وتداعياته، ملف الأزمة الأوكرانية، خاصة أن كثيرا من الملفات الأخرى في العالم باتت مرتبطة به، والسؤال الأبرز يتعلق بمآل هذه الأزمة، وأهمية عدم الانزلاق إلى لحظة مدمرة، وسط قناعة الجميع بأن حلها لن يكون سهلا وقد يستغرق وقتا طويلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة