بعد الذكرى المئوية الأولى لرحيل الكاتب الفرنسي المتفرد مارسيل بروست، صاحب "البحث عن الزمن الضائع"، قررت قراءة روايته التي يُجمع محبو الأدب على أنها تحفة خالدة تتبدّى روعتها عاما بعد عام.
لا أدّعي سبْقا في القراءة أو باعًا في الفكر العميق، لكن الحديث المستمر حول "بروست" يدفعك دفعا نحو اقتحام عالمه ومحاولة الاستزادة مما يقدمه في رائعته الوحيدة.
قلما يخلو كتاب عن الروايات الكبرى في تاريخ الأدب العالمي، أو قائمة لصحيفة أو مجلة أدبية عن أفضل 100 رواية من "البحث عن الزمن الضائع".
وُلد "بروست" عام 1871 في عائلة فرنسية من الطبقة المتوسطة العليا.. كان يُنظر إليه على أنه مريض عندما كان طفلا وكان يُراقب عن كثب تفاصيل دقيقة.
وعندما كان شابا اختلط بالأرستقراطيين والفنانين في المجتمع الباريسي الراقي "أو المُخملي كما تصفه الترجمة العربية"، وحافظ على نظرته المُسلّية والماكرة على من حوله، وهي نظرة ثاقبة ونافذة في الوقت نفسه.
كتب "بروست" الكتب السبعة التي تُشكّل "البحث عن الزمن الضائع"، وتوفي عند سن 51 عامًا، قبل مائة عام في نوفمبر من عام 1922.
الأكثر إدهاشا لدى "بروست"، علاوة على ملاحظاته الذكية عن المجتمع والشخصية والسياسة وحتى الفساتين، هو تأمله في طبيعة الذاكرة والوعي نفسه، وربما كانت تلك الميزة سر خلود منتجه الأدبي، علاوة -بالتأكيد- على جدارته اللغوية التي لاقت إشاداتٍ من المختصين.
بعد أن أدركتُ أنَّ عليّ واجب قراءة "بروست"، وتوغلت في "ناحية بيت سوان" أو الكتاب الأول من الرواية الكبيرة، راعني حديث الراوي "بروست" عن والدته لتتبين لديَّ جوانب كأنها كانت عوالم مخفية بشأن الأمومة.
ومع مواصلة القراءة، بدت جُمل الوصف والاستطرادات التأملية متاهة ملغزة، صارت إدمانا مع الوقت.. لكن "بروست" لم يحضر، وظل طوال صفحات الرواية، التي لا تنتهي، متواريا ومفقودا أبحث عنه في الفقرات التي تأتي على لسان الراوي، شأني شأن كثيرين من القراء على مدار أكثر من 100 عام.
يبحث القراء عن "بروست المفقود" في روايته الملحمية وبين كلماته، هل هو الشخصية الفُلانية؟ هل هذه هي وجهة نظره فعلا أم أنه رأي الشخصية الأدبية، هل هو الراوي أم البطل؟
ومع ذلك، تمكن "بروست" من أن يكون موجودا بقوة في تاريخ الأدب والرواية الحديثة، وأن يحفر -رغم 100 عام على وفاته- اسمه في ذاكرة الجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة