الرئاسة العراقية تبدأ عهدها والوقت يدعو للتفاؤل لإكمال رحلة عبور الجسر فوق الهاوية، التي نجحت الرئاسة السابقة في تفادي السقوط فيها
بين العاصمتين تتأرجح التطلعات بين أقصى نقطة في التعاون الشامل، وأدناها بالاكتفاء بالدبلوماسية التقليدية. لهذا؛ يجيء للرياض الرئيس العراقي الجديد الدكتور برهم صالح، في وقت تنتظر العلاقات تنشيطها، انسجاما مع تحرك الأوضاع الإقليمية، وحتى العراقية الداخلية. هذه إطلالته الأولى منذ انتخابه من قِبل البرلمان العراقي، والرياض مسك ختام جولته، مع أن أحد مساعديه قال إن الرياض كانت المحطة الأولى، لولا أن الزيارات الملكية لمناطق المملكة كانت قد بٌرمِجت، لهذا؛ فهو يصل إلى السعودية ولديه اطلاع مباشر على مواقف الدول في محيط العراق.
الرياض تريد العراق بلدا مستقرا وناجحا مثلما ترى مصر، تستطيع أن تتكئ عليه لتأمين حدودها، وتزدهر التجارة معه. أما نظام إيران فيريد أن يبقي على العراق بقرة حلوبا لتحدي الحصار الاقتصادي الغربي، وتمويل نشاطات «فيلق القدس» و«حزب الله» وغيرهما في سوريا ولبنان.
الرئاسة العراقية تبدأ عهدها، والوقت يدعو للتفاؤل لإكمال رحلة عبور الجسر فوق الهاوية، التي نجحت الرئاسة السابقة في تفادي السقوط فيها، حيث ألغام إيران وسوريا والإرهاب، والرئيس برهم صالح ينشد تضامن دول الجوار مع بلاده، واحترام الجميع لسيادتها وسلامة أراضيها، وألا تكون ممرا للجيوش، ولا ساحة للاحتراب الإقليمي.
وأزمات الصيف المنصرم بينت تنوع التحديات التي تواجه حكومة بغداد الجديدة، عدا عن مليشيات إيران العابرة للحدود، والعراقية الممولة من إيران، وبقايا تنظيم داعش المنكسر، وفلوله الهاربة من حرب سوريا... عدا عن كل هذه القضايا الخطيرة فقد عصفت بالحكومة السابقة أزمات لا تقل خطورة، انفجر الغضب الشعبي بسبب تلوث المياه وانقطاع الكهرباء، والحكومة الجديدة تواجه الأزمات نفسها، فالعلاقات الملوثة مع طهران مع المياه الملوثة، وستحتاج إلى جهد سياسي كبير لتأمين الأمن والاستقرار والخدمات المعيشية، والبدء في التنمية.
السعودية، بين الدول الست المجاورة، أقدر على مساعدة السلطات العراقية في أن تتحول نحو التنمية الاقتصادية، وقد سمى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في كلمته في مؤتمر الاستثمار الأخير، العراق بين الدول التي تنبأ لها بالنجاح الاقتصادي الإقليمي.
على الأرض وعلى الخريطة، العراق بين جارين متنافسين؛ السعودية وإيران. والعلاقة الثلاثية بين الرياض وبغداد وطهران متشابكة ومعقدة. ويبقى الخيار للمسؤولين في العراق، في أن يقرروا كيف يريدون ترتيبها والتعامل مع الحكومتين فالسعودية وإيران كلتاهما تعتبر العراق امتدادها الجغرافي السياسي، وخطها الدفاعي الأول، ويمكن أن يكون مصدر الاستقرار مثلما يمكن أن يكون مصدر الاضطراب، ورغم التشابه في الرؤى تبقى الفوارق واضحة في تناقض الممارسات، فالسعودية تريد العراق ممرا إلى سوريا وتركيا ووسط آسيا، تعبر منه حافلات الحجاج والمعتمرين والشاحنات الغذائية والمنتجات الصناعية، أما إيران فتريد استخدام العراق طريقا سريعا لنقل المقاتلين والسلاح وتمويل حروبها في المنطقة. الرياض تريد العراق بلدا مستقرا وناجحا مثلما ترى مصر، وتستطيع أن تتكئ عليه لتأمين حدودها، وتزدهر التجارة معه، أما نظام إيران فيريد أن يبقي على العراق بقرة حلوبا لتحدي الحصار الاقتصادي الغربي، وتمويل نشاطات «فيلق القدس» و«حزب الله» وغيرهما في سوريا ولبنان، وهذه ممارسات نظام المرشد الأعلى في أفغانستان وباكستان، يُصدّر إليهما الفوضى والمقاتلين والسلاح.
تستطيع السعودية أن تكون شريكا اقتصاديا كبيرا، وتساهم في نهضته وتعزز استقرار سلطته المركزية، حتى لا تكون تحت إدارة جنرالات الحرب في إيران. والعراق لاحقا ربما يستطيع أن يلعب دورا في مرحلة ما بعد العقوبات الاقتصادية الأمريكية، بدفع طهران نحو الاعتدال وليس فتح الحدود لها للتخريب وشن الحروب.
الرئيس برهم صاحب تجربة سياسية وحكومية مميزة، عرفناه رمز العراق الموحد، والعراق الحديث. عاش حياته السياسية نظيفا بعيدا عن الصراعات الطائفية والعرقية، معظم أفكاره تحولت إلى مشروعات على الأرض في التنمية والتعليم والتعايش. فقد تشرفت بالعمل معه عن قرب، في مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في كردستان التي فتحت أبوابها لكل العراقيين، والتي أُسِّسَت ومارست نشاطاتها في أوج مراحل الإرهاب والتنازع المحلي.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة