جبهة النصرة حصلت على تمويل من قطر عبر صفقات الرهائن المتكررة التي شكلت الغطاء لهذا التمويل.
علمنا الإرهاب – وبئس المعلم أينما حل وكان – أنه لا يعرف الصدف، وأن هجماته الدامية أو ظهور قياداته البائسة إعلامياً لا يكون عن عبث، إنما ضمن خطة عمل يضعها المحرك أو الممول للتنظيم الدموي. وعليه فإن ظهور ثلاثة من أكبر عتاولة الإرهابيين في العالم على الإعلام دفعة واحدة وفي أسبوع واحد لابد أن يكون وراءه هدف، خصوصاً عندما يكون لهؤلاء الإرهابيين صلات مباشرة أو غير مباشرة مع نفس الجهة.
موقع روسيا اليوم رصد ظهور كل من أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، أبوبكر البغدادي زعيم داعش، ومحمد الجولاني زعيم جبهة النصرة، في أسبوع واحد في تسجيلات صوتية أو مصورة الأسبوع الماضي. فالجولاني ظهر في فيديو يتفقد أحوال المقاتلين التابعين له في إدلب، استعداداً لصد أي هجوم منتظر يقوم به الجيش السوري ومرتزقة إيران على إدلب، أما الظواهري فظهر في تسجيل مصور يحث أتباع التنظيم الدموي على ما يسميه "بالجهاد" في أنحاء العالم، فيما ظهر البغدادي بعد غياب طويل وأخبار عن إصابته قبل عام، في تسجيل صوتي مدته 54 دقيقة ممل، لكنه يحمل عدة رسائل لأتباع التنظيم الذي خسر دولته المزعومة في سوريا والعراق.
مع زيادة الضغط على طهران والدوحة حالياً، فإن كثيرين تنبأوا بأن تلجأ إيران لتحريك أذرعها الإرهابية في المنطقة، وقد يكون هذا الظهور الإعلامي المفاجئ لعتاولة الإرهاب في المنطقة الإعلان عن بدء هذه المرحلة بإخراج قطري إخواني رأيناه سابقاً في عدة مواقع وعدة ظروف.
جبهة النصرة حصلت على تمويل من قطر عبر صفقات الرهائن المتكررة التي شكلت الغطاء لهذا التمويل، ووزير الخارجية القطري السابق قال في تصريح تلفزيوني إن بلاده "ربما كان لها علاقة مع الجبهة في وقت ما" مؤكداً هذه العلاقة.
أما داعش فحصل على دعم إعلامي قطري واضح خلال حرب التحالف الدولي ضده، ودعم مالي غير مباشر، عبر تنظيم الإخوان الذي تولى جمع المقاتلين الأجانب من جميع أصقاع الأرض ونقلهم إلى سوريا الذين شكلوا فيما بعد العصب القوي الذي بُني عليه داعش.
أما علاقة تنظيم القاعدة مع قطر فتعود إلى الدعم الإعلامي القوي للتنظيم أيام هجماته على السعودية وزعامة أسامة بن لادن له، وأكدت عدة وثائق ارتباط التنظيم بإيران – ومنها رسائل بن لادن الشخصية التي كشفها الأمريكيون- والتنسيق القطري الإيراني، من أجل إشعال حرب السنة والشيعة في العراق لحساب طهران تؤكده الأحداث التي وقعت في ذلك البلد لعدة سنوات.
ما يهمنا في هذا المقال هو تحليل الرسائل التي جاءت في كلمة البغدادي الصوتية، وجاءت في إطار واضح، وبلغة جديدة. قد يقول البعض إن الكلمة جاءت من أجل رفع معنويات المقاتلين قبل المعركة التي يتم التجهيز لها في شرق سوريا للقضاء على آخر موقع للتنظيم فرّ إليه عناصره بعد دحرهم وطردهم من الموصل والرقة ودير الزور، وهو أمر صحيح، لكن رسالته حملت عدة جمل جديدة خارج هذا السياق هي أقرب في صياغتها إلى الأسلوب الذي يستخدمه تنظيم الإخوان والإعلام القطري ودعايته الرسمية.
البغدادي طلب في رسالته الصوتية من مقاتلي الجيش السوري الحر الانضمام إلى صفوف داعش، لكنه ضمّن خطابه رسائل للمقاتلين الذين أعلنوا ولاءهم للتنظيم خارج العراق وسوريا، وهنا تقع هذه الجمل وهذه الرسائل.
البغدادي الذي حرّض أتباعه على شن عمليات في عدد من الدول والمناطق في العالم استثنى في رسالته ذكر إيران وقطر، فهو ركز على السعودية والإمارات واليمن والأردن ومصر وليبيا والقوقاز ووسط آسيا وكندا وأوروبا. وبرر هجومه على السعودية والإمارات بأنهما شاركتا في هجمات التحالف الدولي على تنظيمه، متناسياً - وهو يعرف ولا يجهل- أن طائرات التحالف الدولي الأكثر تأثيراً في هذه الحرب وهي الطائرات الأمريكية، انطلقت من أكبر قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في المنطقة، من العيديد في الدوحة، وإنجرلك في تركيا. وهي مفارقة لا يجب أن تمر مرور الكرام.
وهنا تحديداً يأتي التشابه في خطابه مع خطاب تنظيم الإخوان والإعلام القطري، الذي دأب دائماً على لفت الأنظار عن الحقائق من خلال إقحام جهات أخرى في ملفات الخلاف، مثل التركيز على اختلاق علاقات بين السعودية وإسرائيل للتغطية على التواصل القائم والفعال بين الدوحة وتل أبيب. كما أن البغدادي الذي فقد العديد من قيادات تنظيمه في قتالهم مع جبهة النصرة في سوريا، لم يأتِ على ذكر هذه الجبهة من قريب أو بعيد. كما أنه في تحريضه على قتال الحشد الشعبي في العراق الذين سماهم "بالروافض" والنظام السوري الذي وصفه "بالنصيري" -وفق مصطلحات وأدبيات التنظيم المستخدمة- استثنى الحوثيين الذين يتبعون نفس الطائفة - من اهتمامه، عند حديثه عن اليمن الذي ركز فيه على قتال التحالف العربي هناك. وعليه فإن البغدادي في تحريضه في هذا التسجيل على شن هجمات على "الأعداء" استثنى من قائمته جميع حلفاء قطر.
وحتى في حديثه التحريضي على الحشد الشعبي في العراق الذي كان له دور في قتال داعش، فإن البغدادي اعترف بسر لم يعد خافياً، حين قال إن سيطرة داعش على الموصل دفعت أمريكا إلى الاستعانة بإيران من أجل مقاتلة التنظيم، وإن هذا الأمر زاد من سيطرة طهران على العراق. وهو إن ذكر ذلك من باب التهكم والقول إن داعش اضطر أقوى دولة في العالم – أمريكا – إلى التعاون مع ألد أعدائها – إيران – بسبب قوة التنظيم، إلا أنه يكشف صراحة نتيجة ظهور داعش والهدف الذي سُخر من أجله، ألا وهو تشكيل الحشد الشعبي وانتقال السيطرة الإيرانية على العراق من السياسية إلى العسكرية.
تعودنا في العقد الأخير أن طهران تدير التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وفق مصلحتها السياسية، وأن هذه التحركات يتم تغطيتها إعلامياً من قبل الإعلام القطري والإخواني في انسجام مريب وخبيث، ومع زيادة الضغط على طهران والدوحة حالياً، فإن كثيرين تنبأوا بأن تلجأ إيران لتحريك أذرعتها الإرهابية في المنطقة، وقد يكون هذا الظهور الإعلامي المفاجئ لعتاولة الإرهاب في المنطقة الإعلان عن بدء هذه المرحلة بإخراج قطري إخواني رأيناه سابقاً في عدة مواقع وعدة ظروف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة