دراسات الجماعات المتطرفة كشفت عن ثلاثة أنماط من الإرهابيين هم «المحلي، الإقليمي، الدولي»
نشرت وسائل الإعلام منذ أيام إصدارا لـ «أبو مصعب المقدسي» بعنوان «رسالة إلى مجاهدي مصر»، تحدث فيها بصورة مباشرة إلى متبني الفكر المتطرف في الداخل المصري، مقدما مجموعة من النصائح وواضعا بعض الاستراتيجيات لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل المصري.
وبدون مقدمات طويلة كعادة الإصدارات، توجه «المقدسي» إلى البدء مباشرة في وضع الإستراتيجيات، حيث أوعز لمتلقي الرسالة بضرورة نقل العمليات إلى داخل القاهرة معللا ذلك بكون العمليات في سيناء لا تؤثر بصورة كبيرة وليس لها صدى على النظام المصري من ناحية ومن ناحية أخرى حتى ينشغل النظام عن سيناء ويترك للإرهابيين -المجاهدين من وجهة نظره- الأرض هناك لتتحول لقاعدة لمد باقي النقاط، ثم يعطي مثالا على الجماعات العاملة بالداخل ويتحدث حول جماعة «أجناد مصر».
بعيدا عن كون الرسالة وفقا لمضمونها تبدو قديمة ومكتوبة منذ فترة، إلا أنه بتشريحها يمكن ملاحظة أنها ترسخ للاستمرار في أتباع نمط الإرهابي المحلي، وبصورة عامة فإن دراسات الجماعات المتطرفة كشفت عن ثلاثة أنماط من الإرهابيين هم «المحلي، الإقليمي، الدولي»
بعد ذلك يتجه «المقدسي» إلى نصح أتباعه في مصر بضرورة استقبال المهاجرين من نقاط أخرى بدافع إحياء الجهاد إلى جانب أن المهاجرين -وفقا لوجهة نظره- يرغبون في تنفيذ عمليات استشهادية، وحول مدى إماكنية انتقال هؤلاء لمصر يشير «المقدسي» إلى أن السفر إلى مصر في تلك الأوقات سهل، وحول فضل المهاجرين يشير «المقدسي» إلى أن «أبو مصعب الزرقاوي» أسس «دولة العراق الإسلامية» بـ «17» مهاجر، وعودة للهدف من الإصدار دعى «المقدسي» العاملين بالداخل المصري إلى التوجه نحو استهداف «النصارى والرافضة» وكذلك استهداف القضاة، وكذلك العمل على ضرب الاقتصاد المصري.
إلى جانب هذا تعد النقطة الأكثر أهمية في الإصدار هي دعوته لـ«أنصار بيت المقدس» إلى اعتراض الشاحنات التي تحمل أسلحة من سيناء لغزة ومنع وصولها للفصائل الفلسطينية خاصة حركة حماس لرؤيته أنهم خانوا الشعب الفلسطيني والمسلمين، وتلك النقطة بعيدا عن الدافع المدرج في توضيحها من قبل المقدسي إلا أنها تعبر بصورة كبيرة عن وضع القضية الفلسطينية الآن في عرف الجماعات الإرهابية، وإنها لم تعد ترتقي لما كانت عليه من قبل بوصفها حجة من حجج استمرارهم ودعوتهم للجهاد العالمي، فلم تعد القضية الفلسطينية غطاء لأفعال تلك التنظيمات.
وبعيدا عن كون الرسالة وفقا لمضمونها تبدو قديمة ومكتوبة منذ فترة، إلا أنه بتشريحها يمكن ملاحظة أنها ترسخ للاستمرار في أتباع نمط الإرهابي المحلي، وبصورة عامة فإن دراسات الجماعات المتطرفة كشفت عن ثلاثة أنماط من الإرهابيين هم «المحلي، الإقليمي، الدولي»، وتختلف وظائف وتعريف كل منهم وفقا لخطط واستراتيجيات تلك الجماعات، ولكن بصورة عامة يمكن القول إن أكثرهم فائدة بالنسبة لتلك التنظيمات هو الإرهابي المحلي، وذلك لقوة ما يتم توجيهه له من رسالة من وراء استخدامه في التفجير، ولأنه يعمل على خلق أرضية مهيئة لاستقبال الأنماط الأخرى.
ونعرف ذلك النمط على أنه «شخص متطرف نشأ وترعرع في الدولة نفسها محل التفجير في إطار سياقات مختلفة، تخلق تلك السياسات داخلهم حالة من الكراهية تجاه هؤلاء المستهدفين من تفجيراتهم».
وقد عمل تنظيم داعش أكثر من مرة في إصداراته على محاولة الترويج لهذا النمط بالأساس، كما جاء في إصداره «وقاتلوا المشركين كافة» المتعلق بمصر والذي حاول فيه خلق إشكالية تفيد تمتع الأقباط في مصر بنفوذ عال يساعدهم على الإضرار بالمسلمين، وإصداره «فأبشروا بما يسوؤكم» المتعلق بالأردن محاولا تمرير صورة سلبية حول علاقة بعض القبائل بالقيادة الأردنية في إطار ما أسماه «خيانة حكام الأردن».
والمقدسي في رسالته تلك وبتوجيهها للمصريين الموالين له يتخذ نفس الاتجاه، والسؤال لماذا تتجه التنظيمات نحو ذلك النمط الآن؟
إلى جانب أهمية ذلك النمط الذي تحدثنا عنه، تأتي أسباب أخرى دافعة نحوه من أهمها تيقّن التنظيمات الإرهابية بقرب نهايتها وضعفها، ومن ثم يحاولون خلق بيئات جديدة بأفكار وقضايا مختلفة غير تلك التي عملوا على تسويقها من قبل لتكون محطة لإحياء نشاطهم مرة أخرى-وهذا ما دلّت عليه رسالة المقدسي بالدعوة لاستقبال المهاجرين- خاصة مع صعوبة نقل التنظيمات لمقراتها المركزية، إلى جانب هذا فإن الاهتمام بالقضايا الداخلية هي الدافع الأكبر نحو الإرهابي المحلي وتعد الخطوة الأولى لتحويله لإرهابي إقليمي أو دولي ومن ثم بتركيز التنظيم عليه يضمن نجاح وفاعلية أكثر من الشخص في البداية.
وهنا يأتي السؤال: كيف نواجه استراتيجيات التنظيمات في الاعتماد على ذلك النمط؟
يعد ذلك النمط هو الأصعب دائما في المواجهة فالأنماط الأخرى يمكن السيطرة عليها شيئا ما باتخاذ التدابير الأمنية، أما ذلك النمط فهو نمط يعشش بداخل الدولة المراد إحداث فوضى بها، ومواجهته بالأساس تعتمد على المنحى الفكري أكثر من التدابير الأمنية، حيث تركز الدولة ومؤسساتها وكذلك مختلف المؤسسات غير الرسمية المعنية بالقضية، بتفنيد حجج تلك التنظيمات في القضايا التي يحاولوا من خلالها تحويل المتطرف من مرحلة الكراهية الصامتة إلى مرحلة التنفيذ لعملية إرهابية، ولنا في محاولة تفجير كنسية السيدة العذراء منذ أيام في مصر مثالا على ذلك، فالمسؤول عن تلك المحاولة كان تابعا لجماعة «القطبيون» أو «دعوة أهل السنة والجماعة»، تلك الجماعة التي يعرف عنها حمل أفكار أكثر خطورة من غيرها من التنظيمات -مع أن تهديداتها على الأرض لم تكن بصورة كبيرة- ومع ذلك يقل الحديث عنها سواء في مرحلة التأسيس على يد «عبدالمجيد الشاذلي» أو إعادة إحياءها وإعلانها بعد يناير 2011، لنستيقظ بعد ذلك بأعوام باتجاه أحد أتباعها نحو تنفيذ الوصايا التي جاءت في إصدارات عدة مثل إصدار المقدسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة