الهم الأساسي للأمم العربية حاليا هو الوعي الشعبي، وثبت جليا أنه غائب تماما.
غياب الوعي الجماهيري في أوطان بعضها أوجعها الجوع، وأخرى أثقلها الجهل وغياب الحريات، هو المساحة التي نجح داعمو الإرهاب في استهدافها، وحققوا أهدافهم كما أرادوا.
فراغات ذهنية أفرزت قابلية للاستغلال وجد فيها الإرهابيون وأسيادهم "الشرعية" لـ"استثمار" هذه الملاعب التي غاب أصحابها وتحويل مسار الحضارة الإنسانية نحو طريق مجهول.
العدالة والحرية وضمان حقوق الإنسان، بما في ذلك العيش الكريم وحرية التعبير، كانت المقاييس الأساسية لتقييم نجاح الدول وتقدمها.
غاب الوعي حين تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى مساحات نقاشات بيزنطية، وتجاوزات أخلاقية وتفاهات اجتماعية، وخلقت قابلية لامحدودة لتقبل الشائعات بكل أنواعها دون التثبت من المصادر الوهمية المروجة والصور المفبركة
وخلص حكماء البشر إلى اعتبار قطاع القضاء مقياسا لتحضر الأمم، لكن اليوم لم يعد القضاء المقياس الوحيد أو الأمثل.
تغيرت الشعوب وحاجياتها، ولم يعد القضاء أو السياسة، أو الدولة هي مقياس نجاح الأمة بقدر ما تعتمد الموازين الجديدة على مدى تقدم الشعوب ووعيها، وشجاعتها الأدبية واستيعابها لحقوقها.
مظاهر المعمار ودرجة تطوره، ووسائل التنقل المستعملة ومدى التزامها بالتوقيت ومظهرها، والبرامج التعليمية وثقلها واستراتيجياتها بأهدافها الواضحة، والتسلسل المنطقي في مسيرة الشعب منذ ولادته حتى نهاية رحلة حياته، كل مظاهر السلوك الجمعي الشعبي هذه هي مقاييس التحضر الحقيقية وليست أجهزة الدولة وحدها، تم تجاوز هذا الأمر بمراحل.
الهم الأساسي للأمم العربية حاليا هو الوعي الشعبي، وثبت جليا أنه غائب تماما، وبالتالي وفي هذه الحالة هل يمكن تطبيق الأنظمة السياسية للدول الغربية على شعوبنا؟ وهل من حق الجماهير المطالبة بتطبيق الديمقراطيات الحديثة؟ وهل هم مستعدون لتقبلها؟ أو حتى لفهمها؟
لم نخلص لهذه النتيجة من فراغ، وخير دليل على ذلك هو "الربيع العربي" الذي سرعان ما تحول إلى شتاء سيبيري حيث يفرح الناس بانتهاء تساقط الثلوج ويبذلون جهدا ووقتا في إزاحتها من أمام منازلهم ومن الشوارع، لتحصل انتكاسة وتثلج أكثر.
قامت "الثورات العربية" وسقطت الأنظمة "الديكتاتورية"، حركت الشوارع عقول ظلامية كانت مختبئة في جحور حالكة الظلام، حركوا شعوبا قادتْها عواطفها، خرجوا وصرخوا مطالبين بإسقاط الأنظمة، وكان هذا مؤشر غياب الوعي الأول لبلداننا.
غاب الوعي لأن هذه الشعوب لم تفكر بالبدائل، ولم تكن تعلم أو غاب عنها وقتها أن الثورات الناجحة وعبر التاريخ، لا تنطلق من فراغ وإنما تنطلق لتصل إلى بدائل جاهزة.
وغاب عن جماهير الشوارع، أنه لا بدائل إلا هؤلاء المتخفّين تحت الأرض بعقولهم التي انطلقت منها مساحات رطبة برائحتها القاتلة وسوادها الذي غمر عقول شعبنا، وخاصة شبابنا الذين تحول جزء منهم من محبين للحياة مقبلين عليها خاصة بعد آمالهم التي علت مؤشراتها في زمن "الثورات"، إلى شباب نافرين من الحياة هاربين من ديارهم نحو سوريا والعراق؛ طمعا في حياة أفضل وعدوهم بها، سواء على هذه الأرض أو بعد أن يواريهم الثرى.
وغاب الوعي حين تسلم "الثوار" السلاح، وأجهزة التواصل والاتصال، من جهات غريبة عنهم "أجنبية" لم يسألوهم حتى: من أنتم؟ أو ما هي مصلحتكم؟
ليظهر اليوم بالمكشوف أنهم هم الذين خلقوا الإرهاب، ودعموه ومازالوا يفعلون من أجل مصالحهم السياسية وأيديولوجيات حلفائهم.
وغاب الوعي حين توهم الإعلاميون ومتابعو الإعلام، أنهم "تحرروا"، فانطلقت الفوضى الخلاقة، وكثرت حلقات الحوار الذي تحول يوما بعد يوم إلى ثرثرة تعتمد الإثارة الانفعالية، والمشكل أن شعوبنا "الواعية" صدقت ونقلت ما تراه وتسمه عبر تبنيه إلى المجتمع، وحصل التأثير المنشود. وهنا أيضا غياب الوعي هو في غياب علم الشعوب والجماهير المتلقية أن وراء كل وسيلة إعلامية أموالا طائلة، وأن وراء هذه الأموال تجارا وأصحاب مصالح، ولا مشكلة إذا علمنا من هم أو عرفناهم لكن أكثر هذه الوسائل تعمل تحت مالكين بالوكالة، من أجل تعميم التأثير الذي يريده أصحاب المصالح.
غاب الوعي حين تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى مساحات نقاشات بيزنطية، وتجاوزات أخلاقية وتفاهات اجتماعية، وخلقت قابلية لامحدودة لتقبل الشائعات بكل أنواعها، دون التثبت من المصادر الوهمية المروجة والصور المفبركة.
وغاب الوعي حين غاب الاهتمام بمجال التربية والتعليم وأهميته، على اعتبار أنه الأساس الأول والأهم لبناء الأمم حاضرا ومستقبلا، وحماية شبابنا ووقايتهم من الوقوع في التطرف بكل أنواعه وصوره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة