لا يمكن للكرد التحالف مع المالكي وهم أقرب للعبادي، وإن كانوا منزعجين من اقتحامه كركوك وطرد البيشمركة منها.
من غير المستغرب الموقف شبه الضبابي لبعض القوى والشخصيات العراقية من المكون الشيعي والمراوحة بين تحالف "الصدر العبادي" ومغازلة تحالف "العامري المالكي" وإن بطريقة غير مباشرة، فكلُّ هذه الأطراف تبحث عمّن يضمن لها الاستمرار ضمن الطبقة السياسية القائدة للعراق والمتهمة من العراقيين أنفسهم بالفساد، فعلى سبيل المثال فالح الفياض مستشار الأمن القومي العراقي لاتزال الحيرة تلقي بظلالها على قراره فيما إذا كان عليه المضي مع السيد مقتدى الصدر رئيس تكتل سائرون، وحيدر العبادي رئيس تحالف النصر أو الالتحاق برجلي إيران رئيس الوزراء السابق نوري المالكي زعيم دولة القانون وقائد ميليشيا الحشد الشعبي هادي العامري زعيم ائتلاف الفتح، وهذا ما يفسر عدم حضوره الاجتماع الذي دعا إليه العبادي في فندق بابل منتصف أغسطس الحالي.
يبقى نجاح مساعي قطر وتركيا غير الحميدة في العراق متوقفا على محور التحالف الذي اختار نسب تسميته للعروبة "بيضة القبان"، وفيما إذا كان صادقا بذلك فسيكون لزاما عليه عدم الانخراط بمحور يوالي إيران وينفذ أجندته في منطقتنا ويمنحه صوت المحافظات الست المنكوبة
من الإنصاف تفهم موقف الرجل الذي يحاول الاحتفاظ على الأقل بمنصبه الحالي، وعدم التغريد خارج سرب البيت الشيعي المنقسم حاليا بين من هو تابع بشكل كامل لإيران، وبين من يحاول جاهدا تجنّب قوة تأثيرها وتدخلها المستمر في الشأن الداخلي العراقي.
ولكن المستغرب هو تهافت بعض سياسيّي المحافظات الست الغربية والمكون السّني والسعي الدؤوب منهم لنيل رضا المالكي والعامري والانخراط معهما بتحالف قديم جديد ضد العبادي والصدر؛ بحثا عن المناصب، وإلّا كيف يُفسر شكوى هؤلاء شبه الدائمة من الانتهاكات التي مارسها المالكي خلال فترتي ولايته بين 2006 -2014 ضد أبناء المحافظات الغربية ونعتهم إياهم بـ"أحفاد يزيد"، مقسّما العراقيين حينذاك بين من يقف مع الحسين بن عبدالله حفيد النبي صلى الله عليه وسلم، وبين من يساند يزيد بن معاوية في لحظة شحن طائفي لم يسبق لها مثيل سوى الاقتتال عقب دخول القوات الأمريكية العاصمة بغداد في التاسع من أبريل 2003.
طوال الفترة التي حكم فيها المالكي حكومة العراق إلى ما قبل احتلال الموصل من قبل داعش، كانت هذه الشخصيات "سنّة المالكي" السند الذي يتكئ عليه الأخير في إظهار عدم تفرقته بين العراقيين وإخفاء الوجه الحقيقي لأيديولوجيته التي لا يقبل بها العراقيون الشيعة قبل السنة، (راجع العلاقة ما بين نوري المالكي ومقتدى الصدر وشدة التوتر بينهما وعدم قبول الصدر بسياسة المالكي التي وصفها غير مرة بأنّها لا تخدم المصالح العراقية ولا العراقيين)، والوجه غير العربي الذي كان يحكم به العراق ورهن بلاد الرافدين للقرار الإيراني، وهذا ما أكدته تصرفاته عقب الاعتداء المزدوج الذي استهدف بغداد في 19 أغسطس 2009 وأوقع 95 قتيلا و600 جريحا واتهامه حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بالوقوف وراء هذا التفجير، حينها فنّد الناطق باسم الحكومة آنذاك الدكتور علي الدباغ الاتهامات التي تحدث عنها المالكي بأنّ دمشق هي من أرسلت السيارات المفخخة إلى بلاده، وما لبث أن تراجع "المالكي" حين قالت له إيران قف عند هذا الحد وهذا ما تم بالفعل.
بعد سيطرة داعش على الموصل باتت الأطراف تكيل لبعضها البعض الاتهامات؛ فنوري المالكي قالها صراحة بأنّ محافظ المدينة آنذاك أثيل النجيفي كان يستضيف عناصر القاعدة في مكتبه ويمدهم بالمال والغذاء، في حين كان رد أسامة النجيفي رئيس البرلمان السابق في مطالعته لأعضاء البرلمان بأنّ المسؤول عن تسليم الموصل لداعش هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة قاصدا المالكي.
وصلت الأمور إلى حد تخوين كلّ طرف لنظيره والسؤال: كيف يتم التحالف بين الأعداء وعلى أي قاعدة؟
في واقع الأمر الذي ثمة أمر واحد فقط يقود هؤلاء الساسة من نواب ووزراء وحتى رئاسة مجلس النواب السابقة للتحالف مع المالكي، وهي التنسيق الكامل ما بين إيران وتنظيم الإخوان المسلمين الذين تربطهم حتى هذه اللحظة علاقات مميزة بطهران، وعراب هذا الاتفاق هما دولتان اثنتان تدخلتا بشكل لافت لثني ائتلاف المحور العربي أو الوطني عن خطوة التحالف مع حيدر العبادي والصدر، وهما تركيا وقطر.
الدولتان دخلتا على خط تشكيل الكتلة الأكبر التي من خلالها يمكن تسمية رئيس الوزراء وبالفعل حتى هذه اللحظة نجحتا بفرملة عجلة المضي بحيدر العبادي نحو ولاية ثانية أو غيره من الأسماء التي من الممكن ترشيحها من قبل السيد مقتدى الصدر الفائز بالانتخابات البرلمانية الأخيرة .
هل ستنجح قطر وتركيا بزج العامري أو المالكي نحو تجميع الأصوات والحصول على الكتلة الكبرى؟
المراقب للنشاط الأمريكي الأخير في العراق يدرك مدى أهمية عدم وصول شخصية ثانية كالمالكي لتولي منصب رئاسة الحكومة، وهذا ما جعل الأمريكيين يضغطون بشدة على الحزبين الكرديين الديمقرطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، للانضمام على ائتلاف "العبادي-الصدر" وترجيح الكفة، وهذا ما تعمل عليه واشنطن بكثافة عبر الحصول على ضمانات للكرد من العبادي والصدر في آن واحد فيما يخصّ المناطق المتنازع عليها وتصدير النفط وميزانية الإقليم التي خفضها العبادي عقب سيطرة الجيش العراقي على كركوك ومناطق أخرى كانت تشكل ثقلا لأربيل.
لا يمكن للكرد التحالف مع المالكي وهم أقرب للعبادي، وإن كانوا منزعجين من اقتحامه لكركوك وطرد البيشمركة منها إلا أنّهم حذرون جدا من مناورة المالكي لهم واللعب على خيط الوعود التي بات زعيم دولة القانون يغدق بها عليهم ليقطع الطريق على العبادي نحو الولاية الثانية.
يبقى نجاح مساعي قطر وتركيا غير الحميدة في العراق متوقفا على محور التحالف الذي اختار نسب تسميته للعروبة "بيضة القبان"، وفيما إذا كان صادقا بذلك فسيكون لزاما عليه عدم الانخراط بمحور يوالي إيران وينفذ أجندته في منطقتنا ويمنحه صوت المحافظات الست المنكوبة (53 نائبا)، لتستعيد نفوذها من جديد، وعندها تصدق الرواية الإيرانية بأنّ رئيس حكومة العراق يعين بإشارة واحدة من جنرال إيراني ذاع صيته وهو قاسم سليماني، وهذا كفيل بسلب إرادة العراقيين بالاستقلال عن أي قرار خارجي وما هتف به أبناء البصرة منذ عدة أشهر يثبت ذلك حين نادى البصريون بأنه لا للتدخل الإيراني في بلدنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة