ينتظر العراقيون تشكيل الحكومة العراقية الجديدة على أحر من الجمر، بعد مرور أشهر على انتهاء الانتخابات.
ينتظر العراقيون تشكيل الحكومة العراقية الجديدة على أحر من الجمر، بعد مرور أشهر طويلة على انتهاء الانتخابات التي شابها الكثير من التزوير والحرق والتقلّب بين الفرز اليدوي والإلكتروني، ولكنهم بعد طول الانتظار لا يعلقون آمالاً كبيرة عليها، لأن الأوضاع القديمة لم تتغير والآليات التي شهدوها في السابق تتكرر. بل تفاقمت هذه الأوضاع أكثر وسط تظاهرات مدن الجنوب واحتجاجات العراقيين على غياب الخدمات الأساسية العامة وارتفاع نسب البطالة، وانتشار الفساد في مفاصل الدولة.
ولا يزال العراقيون ينظرون بشك وريبة إلى لعبة الانتخابات التي يهيمن عليها شبح "الكتلة البرلمانية الأكبر" التي سوف تشكل الحكومة المقبلة، والتي تجعل من الانتخابات مجرد حبر على ورق، لأن نتائجها لا تفضي إلى أي تغيير ما دامت الكتلة الأكبر يُشكلها اللاعبون الكبار والتنظيمات والأحزاب المهيمنة على المشهد السياسي منذ الاحتلال الأمريكي في عام 2003.
وهناك أسئلة عديدة تطرحها عملية تشكيل الحكومة المقبلة، منها: هل سترسم نهاية التدخل الإيراني في الشأن العراقي أم أنها تعود إليه بقوة خاصة بعد إعلان العقوبات الأمريكية على إيران والتزام العراق بهذه العقوبات وتصريحات بعض المسؤولين العراقيين بعدم الالتزام بها؟
يبدو مما لا يقبل الشك، أن سيناريو 2010 سوف يتكرر عندما فاز تحالف أياد علاوي آنذاك في الانتخابات وأزيح عن تشكيل الحكومة بعدما استطاع غريمه نوري المالكي أن يتحالف مع قوى أخرى لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان. التاريخ يكرر نفسه.
مما لا شك فيه، إن العراقيين سئموا من التدخل الإيراني في شؤونهم، وهذا ما يظهر في الشعارات التي رفعوها أثناء التظاهرات المناهضة، ولا يزال العراق يعاني من أزمة تشكيل الحكومة، حيث أصبح من شبه المؤكد أن أي اصلاح مرتقب من رجال السياسة الحاليين لا يمكن أن يتحقق بعد فشلهم الذريع في تحقيق ما يصبو إليه الشعب العراقي من آمال، ومن ناحية أخرى، أن تأخر تشكيل الحكومة العراقية جعل العراقيين يدورون في حلقة مفرغة، وليس لديهم أي جهة يتوجهون إليها لتقديم شكواهم حتى إن تصريحات المرجعية الشيعية لم يكن لها أي تأثير في نفوس الحكّام، وظلت خطواتها نحو الإصلاح مجرد حبر على ورق، ونوعٍ من ذّر الرماد في العيون لأنها شريكة للحكّام ليس إلا وظل الفساد ذاته لا يتغير. لذلك أبقت علاقة بين الدين بالدولة غامضة، وذات طابع ثيوقراطي بحت.
في خضم هذه الأوضاع، تبرز نحو خمس شخصيات قديمة الأكثر ترشيحاً لتسلم رئاسة الحكومة المقبلة، رئيس الوزراء حيدر العبادي، يتصدر قائمة الشخصيات، وهادي العامري، بعد أن حقق تحالف "الفتح"، ونوري المالكي، في محاولته قيادة حكومة ذات أغلبية سياسية، وجعفر الصدر، ابن عم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بثقله الديني. بالاضافة إلى أياد علاوي الذي يحظى بدعم أمريكي. ويمكن طرح اسم جديد وهو طارق نجم ليكون مرشحاً منافساً لحيدر العبادي على منصب رئيس الوزراء، باعتباره أحد أبرز قيادات الظل في حزب الدعوة الحاكم، وسبق له أن شغل منصب مدير مكتب المالكي في حكومته الأولى.
مما لا شك فيه أن المشاورات بين مختلف القوى السياسية العراقية دخلت مراحلها النهائية، استعداداً لتكوين الكتلة الأكبر التي ستعيد البلاد إلى المربع الأول، وهي بالضرورة غير قادرة على تلبية احتياجات ومطالب العراقيين، وسوف تنتهج الأسلوب ذاته، من خلال توزيع الثروات على الأحزاب الدينية المتحكمة وعدم صرفها على تقديم الخدمات العامة.
وفي ظل الأوضاع المُحرجة، يحرص الجميع على تشكيل الحكومة الجديدة، لأن الشارع العراقي لا يمكن أن ينتظر إلى ما لا نهاية، ولكن خيبة أمله تتجلى في ترسيخ المحاصصة الطائفية التي أصبحت أهم سمات الحكم في العراق، ويسعى هؤلاء الحكّام إلى تشكيل "نواة" الكتلة البرلمانية الأكبر، التي ستشكل الحكومة العراقية المقبلة، وهي ليست بعيدة عن الصراعات الدولية والإقليمية، كما أنها تخضع إلى الخلافات الداخلية كما هو الحال بين "قائمة "سائرون" و"قائمة النصر"، وما بينهما من مفاوضات، وتصب الائتلافات الكبيرة في مصالح الكتلة الأكبر التي تتحكم منذ أكثر من عقد بقرار الحكم.
إن العراقيين يتطلعون إلى ظهور وجوه سياسية جديدة ولكن ذلك لم يحصل بل سيطرت الوجوه القديمة على العملية السياسية، وأحكمت قبضتها على شؤون البلاد.
وهنا يبرز سؤال جوهري يرتبط بالتساؤل الأول: هل يمكن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعيداً عن التوتر الإيراني – الأمريكي في الفترة الحالية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي؟
مما لا شك فيه أن الحكومة الجديدة ستكون أول المتأثرين بهذا التوتر شاء اللاعبون السياسيون أم أبوا، وهذا واضح من خلال التحالفات والائتلافات الجديدة القائمة على المصالح المشتركة بينها، ويأتي الأكراد في صدارة القرار السياسي، لأنهم يشكلون ثقلاً كبيراً في تشكيل الحكومة الجديدة، بعد أن حصل كل من حزب مسعود البرزاني على 25 مقعداً وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني على 18 مقعداً في الانتخابات الأخيرة على الرغم من تزعزع الكتل الكردية بعد إعلان الاستفتاء ودخول مليشيات الحشد الشعبي إلى كركوك وتغيير الخريطة السياسية فيها، لذلك تتحرك القوى الكردية على أسس الشراكة والمصالح والتوافق والتوازن السياسي والالتزام بالدستور بعد أن نكثت بنوده باعلان الاستقلال الفاشل.
وفي المعادلة السياسية، حصل تحالف "سائرون" على 54 مقعداً، وأعلن في وقت سابق عن تحالفه مع كل من قائمة "النصر" برئاسة حيدر العبادي، وتحالف "فتح" برئاسة هادي العامري، وبذلك سيحتاج الصدر إلى 21 مقعداً فقط ليكون الكتلة الأكبر بالبرلمان بشكل رسمي. يذكر أن "تحالف الفتح" قد حصل على 48 مقعداً، وهو ثاني أكبر الفائزين، بينما حصلت قائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي على 42 مقعداً.
لا يمكن لأحد أن ينكر تدخل قوى دولية وإقليمية في تنفيذ أجندة تقسيم العراق وتفتيته إلى كيانات عرقية وطائفية، لغرض إفساح المجال أمام القوى الإقليمية الأخرى للهيمنة، وفرض أجندة خارجية، وهذه الكيانات من شأنها أن تعمّق الطائفية في العراق، وهي استيلاء الكتلة الأكبر على نظام الحكم.
هناك سباق سياسي بين رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي يسعى لأن تكون حصة رئاسة الوزراء من حزب الدعوة الإسلامية، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يسعى لأن يكون رئيس الوزراء الجديد من خارج الحزب. يبدو مما لا يقبل الشك، أن سيناريو 2010 سوف يتكرر عندما فاز تحالف أياد علاوي آنذاك في الانتخابات وأزيح عن تشكيل الحكومة، بعدما استطاع غريمه نوري المالكي أن يتحالف مع قوى أخرى لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان. التاريخ يكرر نفسه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة