لماذا إيرلندا الأكثر تأييدا للفلسطينيين بأوروبا؟ فتش في التاريخ
مع تفاقم حرب غزة، وتواصل الضربات الإسرائيلية، وجهت دول أوروبية وغربية سهام انتقاداتها لإسرائيل، في مواقف تغيرت بفعل استمرار الأزمة، والدمار في القطاع المحاصر.
وبينما تباينت الدول الأوروبية في مواقفها من حكومة إسرائيل كانت إيرلندا الدولة الأكثر تأييدا للفلسطينيين في أوروبا، فأعلنت يوم الأربعاء أنها تعتزم التدخل في قضية الإبادة الجماعية التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، في انعكاس لموقف البلاد الطويل الأمد من التضامن مع القضية الفلسطينية.
وقد رفعت جنوب أفريقيا القضية إلى محكمة العدل الدولية، وفي حكم أولي في يناير/كانون الثاني أمرت المحكمة إسرائيل بـ«اتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة»، لكنها لم تصل إلى حد اتهامها بارتكاب إبادة جماعية.
ووفقا للتقارير، من المتوقع أن تدرج إيرلندا في مداخلتها الحجة القائلة بأن منع إسرائيل المساعدات الغذائية لغزة يمكن اعتباره عملا من أعمال الإبادة الجماعية.
فلماذا إيرلندا الأكثر تأييدا للفلسطينيين بأوروبا؟
تقول شبكة «سي إن إن» الأمريكية، في تقرير لها، إن موقف إيرلندا من الصراع بين إسرائيل وحماس جعلها حالة استثنائية بين الحكومات الأوروبية.
وقالت زوي لولور، التي تقود حملة التضامن الإيرلندية مع فلسطين (IPSC)، إن هناك «تعاطفا عميقا في إيرلندا مع الشعب الفلسطيني».
وينشأ هذا التضامن إلى حد كبير من تجربة القهر المشتركة من قبل دولة محتلة، فالدولة الأوروبية خضعت للحكم الإنجليزي ثم البريطاني لأكثر من 800 عام، بعد أن استولى الغزاة الأنجلو نورمان على مساحات شاسعة من الأراضي من الإيرلنديين الأصليين في القرن الثاني عشر.
وقالت جين أولماير، أستاذة التاريخ في كلية ترينيتي في دبلن: «كانت إيرلندا أقدم مستعمرة بريطانية»، مشيرة إلى أن دبلن كانت على عكس دول أوروبا الغربية الأخرى، التي كان العديد منها في حد ذاتها قوى إمبريالية.
وأضافت: «لكن، مثل فلسطين، كانت لدى (إيرلندا) تجربة مباشرة ومستمرة مع الإمبريالية. إن التجربة الاستعمارية المشتركة بين الإيرلنديين والفلسطينيين شكلت بلا شك كيفية تعامل الناس من إيرلندا مع صراعات ما بعد الاستعمار».
وأثناء وجودها تحت السيطرة البريطانية تعرضت إيرلندا في كثير من الأحيان لحكم عنيف وتمييزي من لندن، بحسب «سي إن إن»، التي أشارت إلى «مجاعة البطاطس الكبرى» في أربعينيات القرن التاسع عشر، والتي توفي خلالها ما يقرب من مليون شخص، إضافة إلى إجبار أكثر من مليون شخص على الهجرة، بسبب الجوع، بعد فشل محصول البطاطس بشكل متكرر.
وقد ألمح ليو فارادكار، الذي استقال مؤخراً من منصب رئيس وزراء إيرلندا، إلى ذلك خلال احتفالات عيد القديس باتريك في البيت الأبيض هذا الشهر، عندما عقد مقارنة بين التجربتين الإيرلندية والفلسطينية، قائلا: «كثيراً ما يسألني القادة عن سبب تعاطف الإيرلنديين مع الشعب الفلسطيني. الجواب بسيط: نحن نرى تاريخنا في عيونهم. قصة نزوح، وسلب، وتساؤل حول الهوية الوطنية أو إنكارها، والهجرة القسرية، والتمييز، والآن الجوع».
تجارب مشتركة
وتقول جيلان وهبة عبدالمجيد، السفيرة الفلسطينية في إيرلندا، إن الدعم الإيرلندي يأتي من تاريخ من التجارب المشتركة، مضيفة: «هذه الخلفية التاريخية التي تحمّلها الشعب الإيرلندي نفسه.. إنهم يعرفون بالضبط ما معنى الاحتلال، والاستعمار، والقمع، والسلب. الإيرلنديون يعرفون ما يشعر به الفلسطينيون عندما نصل الآن إلى هذه الدرجة من الجوع».
وقد حذرت المنظمات غير الحكومية وكبار المسؤولين الدوليين في مجال حقوق الإنسان من أن القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات الغذائية ستدفع غزة إلى المجاعة، وفي هذا الشهر قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إن هذه الممارسة قد تصل إلى حد استخدام المجاعة كسلاح في الحرب.
وبعد العديد من المحاولات الفاشلة لاستعادة سيادتها، سواء العنيفة أو السلمية، تم تقسيم إيرلندا من قبل البريطانيين في عام 1921. وظل جزء من مقاطعة أولستر في شمال الجزيرة في المملكة المتحدة تحت اسم إيرلندا الشمالية، وغادرت الأراضي المتبقية بعد عام، وأصبحت تعرف باسم الدولة الإيرلندية الحرة ولاحقا جمهورية إيرلندا.
ويؤكد أولماير أن إيرلندا «قدمت نموذجا للتقسيم» في فلسطين التاريخية عام 1948، مشيرًا إلى أن التقسيم في البلدين جرى إلى حد كبير على أسس دينية.
سيناريو متكرر
واشتهرت مدينة أولستر بعد إنشائها في عام 1921 بأنها «دولة بروتستانتية للشعب البروتستانتي». وفي عام 1917 أعلنت الحكومة البريطانية أنه يجب أن يكون هناك «وطن قومي للشعب اليهودي داخل فلسطين». وقدمت الأمم المتحدة خطة عام 1947 لتقسيم الأرض بين العرب واليهود، وهو ما رفضه الفلسطينيون.
ووصف رونالد ستورز، أول حاكم بريطاني للقدس، خطة إقامة وطن لليهود في فلسطين بأنها «أولستر يهودي مخلص صغير في بحر من العروبة».
وأثناء وبعد 30 عاماً من العنف الطائفي في إيرلندا الشمالية، المعروف باسم «الاضطرابات»، كان سكان إيرلندا ينظرون إلى نضال الفلسطينيين من أجل التحرير من خلال منظور صراعهم الخاص. وكان القوميون الإيرلنديون الجمهوريون، الذين يشنون حملة للانفصال عن المملكة المتحدة، يتعاطفون بشكل عام مع الفلسطينيين.
وفي عام 1980، أصبحت جمهورية إيرلندا أول عضو في الاتحاد الأوروبي يعلن الحاجة إلى دولة فلسطينية مستقلة، ومنذ ذلك الحين دفعت من أجل حل الدولتين. وتصف الحكومة الإيرلندية السلام في الشرق الأوسط بأنه «أولوية رئيسية في السياسة الخارجية، وتلقي باللوم على السياسات الإسرائيلية في جعل تحقيق السلام أكثر صعوبة».
«قضية داخلية»
وكانت إيرلندا تنتقد بشكل مستمر السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومنذ ذلك الحين أعرب الساسة وعامة الناس عن قلقهم إزاء ما كان يُنظر إليه إلى حد كبير باعتباره رد فعل إسرائيلي قاسياً.
ومن غير المرجح أن يتخذ سيمون هاريس، رئيس الوزراء الجديد للبلاد، موقفا أكثر ليونة، فأصغر زعيم على الإطلاق في إيرلندا سلط الضوء على تأثير الحرب على الأطفال في خطاب ألقاه أمام البرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني، قائلاً: «لا يمكنك بناء السلام على المقابر الجماعية للأطفال».
ولم تتراجع إسرائيل عن توجيه الاتهامات لإيرلندا، فوزير التراث، عميحاي إلياهو، قال في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، إن الفلسطينيين في غزة «يمكنهم الذهاب إلى إيرلندا أو الصحاري».
وفي فبراير/شباط الماضي، قالت سفيرة إسرائيل لدى إيرلندا، دانا إرليخ، في مقابلة مع محطة الإذاعة نيوزتوك إنها لم تسمع سوى «وجهة نظر أحادية الجانب، تصور إسرائيل على أنها الشرير الوحيد».
وقد اتخذت أحزاب المعارضة في إيرلندا موقفا أقوى من موقف الحكومة، وخاصة الشين فين، وهو الحزب الذي يدعم إعادة توحيد إيرلندا وينشط على جانبي الحدود. وقالت زعيمتها ماري لو ماكدونالد إن «غزة لا يمكن أن تصبح مقبرة للقانون الدولي»، ودعت في بعض الأحيان إلى طرد السفير الإسرائيلي.
ضغط شعبي وسياسي
وقال مات كارثي، المتحدث باسم حزب الشين فين للشؤون الخارجية والدفاع، لشبكة «سي إن إن»، إن إيرلندا واحدة من الدول القليلة التي تعتبر فيها القضايا الفلسطينية سياسة داخلية إلى حد كبير. لقد كان هناك قدر من الضغط على الحكومة الإيرلندية لتكون في المقام الأول.
وقد ظهر الدعم الشعبي للفلسطينيين خلال المظاهرات التي جرت على مستوى البلاد في المدن والبلدات في جميع أنحاء إيرلندا منذ بدء حرب غزة.
وقال السفير عبدالمجيد: في بعض الأحيان، في جميع الطرق في جميع المدن، أرى العلم الفلسطيني". "إنه شيء يخبر الفلسطينيين أنكم لستم وحدكم في هذا العالم، هناك أشخاص آخرون في هذا العالم يعرفون (كيف) تعاني".
وأظهر استطلاع أجرته منظمة العفو الدولية في يناير/كانون الثاني الماضي أن 71% من الإيرلنديين يعتقدون أن الفلسطينيين يعيشون في ظل نظام فصل عنصري، في حين أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «آيريش تايمز» في فبراير/شباط أن 62% يعتقدون أن الهجمات الإسرائيلية على غزة غير مبررة.
aXA6IDMuMTQ1Ljg5Ljg5IA== جزيرة ام اند امز