السعودية ستتجاوز مرحلة الاعتماد على النفط، وستنتصر مع تطبيق خططها المستقبلية. دولة الإمارات تنتصر وتتقدم في مبادرات عدة
ما المشكلة لو أن إيران، وهي دولة تمتلك الكثير من مقومات الدولة الحديثة قد انتصرت فعلاً على ذاتها وتحولت إلى دولة رائدة في منطقتنا، لو حاولت ولو مرة واحدة قراءة التاريخ بدلاً من الكتب الصفراء والأطماع الوهمية واستوعبت ظروف الزمان والمكان؟
لا مشكلة على الإطلاق لو أنها تحالفت مع دول المنطقة الغنية اقتصادياً على الأقل، ومضت في طريق النمو والتقدم، وتجنبت العمل وراء كل هذه المصائب التي تعصف بمنطقتنا. لنتخيل مشكلات الدول العربية في السنوات الأخيرة لو لم توجد لإيران يد تتدخل هنا وهناك.
دولة الإمارات تنتصر وتتقدم في مبادرات عدة تنافس أعرق دول العالم في تقديمها.هناك العديد من الأمثلة على النجاح، أما القول إن إيران تتقدم فهو كمن يقول إن كوريا الشمالية تتقدم لمجرد وجود حكومة متهوّرة صنعت صواريخ عدة يمكن تدميرها في ليلة ظلماء
انتفاضة الشعب السوري تطيح نظام بشار، ومن المؤكد بعد ست سنوات على انطلاقها أن سورية كانت ستصل إلى نوع من الاستقرار. بلا إيران ودعمها الأعمى للنظام وسماحها للميليشيات المتنوعة لم نكن لنرى مئات الآلاف من القتلى وملايين المشردين من الشعب السوري الشقيق. لبنان القطعة الأوروبية في عالمنا العربي التي أنجبت الرحباني وفيلمون وهبي و «ميس الريم» ومسرح بيت الدين وشاطئ الروشة ومصايف برمّانا وفقرا وجبل صنين ونبع الصفا وكل ما يميزها عن غيرها، كانت ستصل إلى مصاف دول العالم في الوجهة الاستثمارية والسياحية. كنا سنرى المجمعات المتطورة في المتن وإقبال العالم على امتلاك الشقق والتمتع ربما بأكبر منظومة أمنية في بلد متعدد الأعراق والطوائف والألوان والديانات، لولا ذراع إيران في لبنان لكان لبنان نموذجاً يُحتذى به في التنمية وجذب رؤوس الأموال.
العراق كان حتماً سيعود إلى مقوماته وما يميزه تنافسياً ويستقر. أليس مذهلاً أن نرى دول ما يسمى الربيع العربي قد انقسمت إلى قسمين، دول لم تتدخل فيها إيران وهذه عادت نسبياً الى الاستقرار وأمامها الكثير من إعادة البناء، ودول تدخلت فيها إيران وتحولت إلى حمامات من الدم تسيل إلى يومنا هذا.
لو كانت إيران قد انتصرت حقاً لتحولت نفسها إلى قبلة استثمار لتجار السعودية ودول الخليج بل والعالم، لما يتمتع به شعبها من قوة استهلاكية وإرث حضاري هائل، ولما يمكّنها الموقع والتضاريس من تفعيل كل فصول السنة وانفتاح البلاد على العالم.
ماذا عن الصناعات والتبادل التجاري ونقل المعرفة بينها وبين العالم العربي والعالم بعيداً عن التشكيك والأطماع؟ لو لم يحمل الخميني ذلك الملف الأسود لما اضطرت ملايين العقول الإيرانية للهجرة إلى الغرب. أكتب هذه المقالة من منطقة تقع شمال لوس أنجليس وتغص بهؤلاء الإيرانيين ممن أسسوا أعمالهم هنا وبادروا في العمل والنجاح.
لا توجد خدمة في هذه المنطقة (سان فرناندو فالي) إلا وتشاهد إيرانياً يشترك في تقديمها، بدءاً من الخدمات المصرفية والتطوير العقاري، وانتهاء بالمتاجر الصغيرة ومغاسل السيارات.
مذهل حقيقةً عندما تشاهد مجموعة من كبار السن الغارقة عقولهم الماضوية في التخلف العلمي والتنموي، يسيطرون على شعب خلّاق متعدد المواهب والإنتاج ولمدة تقترب اليوم من أربعة عقود من دون وجود أي مؤشرات إلى زوال هؤلاء وابتعادهم عن الحكم.
لتفسير بقائهم في السلطة، هناك أسباب تعتمد على الطرق القمعية والوحشية، يكفي أن تعلم أن مؤسسة «الحرس الثوري» هناك، وهي تختلف عن الجيش النظامي وعن الشرطة، تعتبر المؤسسة الحكومية الأضخم في إيران. مساهمة هذا الفصيل الحكومي القامع لأي حراك شعبي تساهم في ما يزيد على ٣٠ في المئة من الناتج القومي الإيراني، ومكوّناتها عبارة عن محافظ استثمارية ومؤسسات خيرية ومؤسسة تقاعد خاصة بمنسوبيها وتأمين اجتماعي خاص، إضافة بالطبع إلى النشاط العسكري والكرم الحاتمي في توزيع السلاح على كل أنواع العصابات في الخارج. خلل هائل في توزيع الثروة وفي تنويع مصادر الدخل في دولة تعتمد على الغاز والنفط بنسبة غالبة، وإسراف لا تستفيد منه غير الأقليات الحاكمة بقبضتها الحديدية. ربما أن الأجدر هو تسمية الدولة «جمهورية الحرس الثوري» واستبعاد إيران من الاسم. لا شيء يقدمه هذا «الحرس» ويعود بالنفع على إيران وشعبها.
لم تنتصر إيران على الإطلاق خلافاً لما قد يظنه البعض، ربما نجاحها الوحيد حتى الآن بعد محاصرة عدد من الأماكن الأخرى، هو تودّد دولة قطر، لكن ذلك ليس قياساً مستقيماً. حكومة قطر نفسها أصبحت في مهب الرياح، والسياسة التي كانت قائمة في الدوحة انكشفت والوضع هناك مقبل على ما يشبه العزلة التامة وفرض العقوبات الدولية عليها كما هي حال حكومة طهران بالضبط. الذي جمع بين «القلبين» موقتاً هو الخروج على القانون ودعم الإرهاب تحت عشرات المسميات والطرق الملتوية، لذلك فالتحالف مع قطر ليس علامة للنصر ولا للتفوّق. كيف نقول إن طهران تنجح في سياساتها وهي تحتفل بانفراج بسيط لرفع العقوبات الدولية، ونعلم اليوم أن الولايات المتحدة والدول الست عموماً تعيد النظر في تلك الاتفاقية الأوبامية الغامضة.
إطلاق مفردة الانتصار في هذا الزمن يخضع لمعايير عدة لا تتوافر لدى إيران، الهند مثلاً والصين تنتصران وتنهضان وتنافسان دول العالم في كل شيء، على رغم التعداد الهائل للسكان وارتفاع نسب البطالة. السبب في حال الهند ببساطة أن غاندي ونهرو يختلفان تماماً عن الخميني وخامنئي في الفكر وسلامة العقل. بعض دول أوروبا الشرقية نهضت وارتفعت مؤشراتها.
المملكة العربية السعودية ستتجاوز مرحلة الاعتماد على النفط، وستنتصر مع تطبيق خططها المستقبلية. دولة الإمارات تنتصر وتتقدم في مبادرات عدة تنافس أعرق دول العالم في تقديمها. هناك العديد من الأمثلة على النجاح، أما القول إن إيران تتقدم فهو كمن يقول إن كوريا الشمالية تتقدم لمجرد وجود حكومة متهوّرة صنعت صواريخ عدة يمكن تدميرها في ليلة ظلماء.
انتصار إيران سيعتمد فقط على تحوّلها من دولة مارقة خارجة عن القانون، يعيش عدد كبير من شعبها دون خط الفقر، إلى واحة للصناعة والعلم وتصدير العقول والمنتجات. ما لم ترتفع مؤشرات النمو سنة بعد أخرى وترتفع مستويات الأجور وينتقل نصف من هم تحت خط الفقر إلى الغنى، ويعود نصف عدد المهاجرين وهم بالملايين إلى بلادهم فلا نجاح يذكر. لذلك علينا التنبه من إطلاق بعض المقولات أو التصريحات. مواقف حكوماتنا من بعض القضايا والجماعات والأحزاب هنا أو هناك في بلداننا العربية لا يجب أن تدفعنا إلى تشجيع سياسة إيران من دون قصد بالطبع، وإيهام العامة أن طهران تتقدم وغيرها متورّط في سياساته وخططه ولا يدرك مصالحه.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة