كانت الصدمة الأولى لهم، وهي المفاجأة التي أثلجت الصدور، تأسيس التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، من دون أن تتم دعوة إيران للانضمام إليه.
كانت الصدمة الأولى لهم، وهي المفاجأة التي أثلجت الصدور، تأسيس التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، من دون أن تتم دعوة إيران للانضمام إليه.
لن أسهب في ذلك وقد تناول أبعاد هذا القرار كثر من الكتاب والمحلّلين، لكنه كان بداية حال الارتباك التي أصابت حكومة الملالي.
خلال الأسبوع الجاري، بل وأقل ربما من عدد أيامه، فقدت إيران سياسياً وإعلامياً الكثير لا لشيء، إلا بسبب غباء قادتها وتعارض مصالحهم في الداخل. الورقة الخاسرة الأخيرة التي حملوها وقد لا تكون الأخيرة، كانت تحمل صورة المواطن السعودي نمر النمر المدان بالذنب والمحكوم عليه بالإعدام في قضايا خطرة ضد أمن المملكة.
في البدء، هددوا ولطموا وناحوا محذّرين المملكة من إعدام هذا المواطن، وهذا في حدّ ذاته غباء، لكن المملكة لم تعر ذلك أي اهتمام.
أقدمت المملكة على تنفيذ الأحكام القضائية بحق النمر ضمن مجموعة كبيرة من الإرهابيين. جنّ جنون الإيرانيين وعادوا الى ممارسة العصابات، فبعث «الباسيج» - ولا أقول حكومة روحاني - بمجموعة من المرتزقة وهجموا على «ضيوفهم» السعوديين في سفارتنا وقنصليتنا هناك، ونقلت الأخبار المقاطع والصور التي توضح وقوف رجال «الشرطة» متفرّجين أمام المبنى المحترق.
في مساء اليوم الذي تلا ذلك، عقد الوزير عادل الجبير، مؤتمراً صحافياً حاسماً في الرياض، أعلن فيه قطع جميع العلاقات الديبلوماسية والتجارية مع إيران، بعد أن أوضح للعالم ما حدث من اتصالات بينه وبين نظيره الإيراني في الليلة الماضية.
ما هي إلا دقائق وتبدأ الإدانات من كل دول العالم. بعد يومين، يجتمع مجلس الأمن ويدين بكلمات قوية ما حدث في طهران. روحاني بعد أن أفاق من الصدمة التي تلقاها من خامنئي وليست الأولى، فقد تعرّض خاتمي للكثير منها في ما سبق، يقدّم خطاب اعتذار باهت ومذلّ إلى الأمم المتحدة، ويتوعد من قاموا بأعمال الشغب بالعقوبات الصارمة.
وهكذا تحوّل حديث العالم بأسره من موضوع نمر النمر إلى العلاقات المتوترة بين المملكة وإيران، وتبرعت دول متعددة بالتوسّط، لم يعد هناك أحد يتحدث عن عميلهم الهالك، هل رأيتم فشلاً وتخبطاً سياسياً وإعلامياً أكثر فوضوية من هذا؟ هذا الوضع ليس غريباً، عوّدتنا إيران على التخبّط ثم الجعجعة منذ عودة الخميني من فرنسا. وتناولت قصة حكم الملالي في مواضيع سابقة وتنبأت بسقوط هذا الحكم، وإن الموضوع مجرد وقت لا أكثر.
كيف تستمر دولة تحكمها حكومتان في الداخل؟
كيف لدولة أن تستمر ومقدرات شعبها تذهب الى تغذية الميليشيات في الخارج خدمة للأيديولوجيا الفارسية، وليست الدينية كما يوهمون البعض، بينما تصل مستويات الفقر في الداخل إلى نسب مرعبة، هذا فضلاً عن تفشّي ظاهرة اللجوء الى المخدرات، والبغاء بين كثير من طبقات الشعب الوسطى خلف الأسوار.
من الذي دفع بالملايين من المثقفين والأرستقراطيين الى الهجرة إلى الغرب والشرق، مع الإدراك بنجاح هؤلاء في أي مكان اختاروا فيه الاستيطان؟
إيران اليوم خالية من أية قدرات بشرية مبدعة مهما تظاهر شيوخها بكذبة التصنيع العسكري والتكنولوجيا النووية.
في المقابل، خدمت هذه السياسة الهوجاء ومن دون قصد - بالطبع - المملكة والعرب جميعاً.
تهور «ساسة» إيران في اليمن ووعودهم الفارغة لدعم ميليشياتهم، دفعت المملكة إلى إنشاء وقيادة أول تحالف عسكري عربي من نوعه لدحر الحوثيين في اليمن، والوقوف بصلابة ضد من تسوّل له نفسه الاقتراب من الحدود. المملكة لم تشكّل التحالف فقط، بل قادت الهجمات والضربات الجوية بتعاون كبير ورائع من الدول الأعضاء في التحالف، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر والسودان.
الإمارات تدخل في العمليات الحربية للمرة الأولى بهذا الزخم وحجم المشاركة ونوعها.
إذاً، فهذه الدول ومع هذا العمل العسكري الضخم، إنما تتحوّل إلى دول ذات خبرات وباع في إدارة العمليات العسكرية، ذلك أن الحروب وليست المناورات هي التي تصنع المهارات والقدرات والجيوش وتصقلها. دول الخليج، وبخاصة التي شاركت في العمليات عموماً، تُعتبر أفضل حالاً اليوم مما لو لم تخض مثل هذه العمليات، سواء في النواحي العسكرية أم في تطور اللحمة الوطنية واصطفاف الشعوب خلف جيوشها.
هل هذا ما كانت إيران تخطط له؟ حتماً لا. لذا نقول لإيران شكراً على دفعنا إلى هذا الحدّ من البناء والاعتماد على النفس.
كل شيء، اليوم وحتى كتابة هذه المقالة، يسير على غير النحو الذي كانوا يتوقعونه في إيران، لكن يبقى على العرب كثير من المسؤوليات. اليوم وقد انكشفت كل النوايا، واتضحت القدرات واعتلت العزيمة وبان الحزم، على العرب، خصوصاً دول الخليج ومصر والسودان والأردن، المضي قدماً بإنشاء الحلف العسكري العربي المتفق عليه في القمة العربية. لم يعد يوجد أي مبرر لإبقاء هذا الملف حبيساً للمناقشات والتردد والبطء.
من الجهة الأخرى، يجب ألا تشغلنا فوضى الإيرانيين وزعيقهم عن المضي قدماً، وبالعزيمة والإصرار نفسيهما اللذين نفعلهما في مواجهة المد الفارسي، في برامج التحوّل وتنويع مصادر الدخل والانفتاح أمام العالم وجلب الاستثمارات.
هذا هو الخيار الأهم والأكثر إلحاحاً، وهو الضامن بعد الله لبناء دولة الغد القوية الصلبة. هذا هو مصدر قوة الدول الكبرى واستمراريتها وتحدّيها الظروف والتقلّبات الاقتصادية.
الدروس التي لا بد من استيعابها في مواضيع الفشل الإيراني، لا بد من أن تتم مراجعتها وتحليلها في دروس ومناقشات. خلط الأيديولوجيا، ولا يقتصر ذلك على الأيديولوجيا الدينية فقط، مع السياسة في هذا العصر لا يعني إلا الرسوب في أي اختبار.
المؤدلج بطبيعته شخص غبي وأحمق وجاهل لمتطلبات الزمان والمكان، ولا يجوز أن يصل إلى صناعة القرار.
السياسة تتطلب كثيراً من التنوع الفكري ودرجات عالية من الدهاء والحكمة والحزم عند الضرورة.
السياسي يذهب في الغالب أينما ذهبت المصلحة، بينما المؤدلج يلاحق متطلبات الأيديولوجيا ولتذهب المصالح إلى الجحيم. حاولت أن أبحث عن قيادة مؤدلجة في أية دولة نجحت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ولم أجد. وليت ضرر المؤدلج اقتصر على مكانه وجغرافيته، لكنه، وفي زخم الفراغات الكبيرة في مطلع الثمانينات الماضية مثلاً، تسبّب في دمار شامل. أشير هنا إلى عودة الخميني التي ساعدت في ميلاد ما يسمى بالصحوة الإسلامية، ظناً ممن طار معها بأنها بداية لنهضة إسلامية جديدة يقودها «شيوخ» قم.
النتيجة على الأرض في إيران ومنطقتنا، وبعيداً من الكتب والتسجيلات والمقاطع، ثلاثة عقود من الفشل والفوضى والتناحر والطائفية والاقتتال، وكل طرف يدّعي وصلاً بليلى.
اليوم، لا مناص من استيعاب الدروس وضرورة خروج الشعب الإيراني بكل ما يملكه من مقدرات وتاريخ وفن وأدب، للتخلّص من هذه الفترة المظلمة.
على إيران غسل هذه العقود الأربعة المليئة بالقبح، وتطهير تاريخها الحديث من شوائبه. كما يجب علينا في المنطقة العربية ممن تأثر بمحاولات إيران ورفع الصوت والرايات، الانطلاق نحو الغد بآفاق وأدوات مختلفة، تضع خلفها كل ما عانينا منه من ويلات وثبور وتقهقر دفع بالسلم الاجتماعي إلى الهاوية وأسال الدماء ودمّر الأخلاق، ووضعنا بصفتنا مسلمين محلّ الريبة والشك.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة