كل جيل يأتي يطلق على ما أنتجه الجيل الذي سبقه أو الأجيال التي سبقته بقرون صفة الجيل الذهبي.
كل جيل يأتي يطلق على ما أنتجه الجيل الذي سبقه أو الأجيال التي سبقته بقرون صفة الجيل الذهبي وعندما تتعمّق في ما أنتجه ذلك الجيل من فكر تجد نفسك تتساءل هل مسمى الجيل الذهبي يطلق على الجيل بسبب كثرة الإنتاج أو بنوعيته وتأثيره على حياة البشرية بصور عامة، وفي هذا الصدد هل كتاب أنتجه كاتب في الأدب أو الفكر الديني في عصر ما في لغة لا يقرأ بها سوى قلة قليلة من سكان العالم أهم من كتاب علمي غيّر نظرة العالم بأسره لأمور تعتبر جوهرية في حياة الإنسان، فالعلاقة معكوسة بين اللغة والبيئة بالرغم من أن اللغة تابعة لعالم التجربة وليس العكس، ومرجع الالتباس الذي نحن بصدده هو المماراة تحت وطأة سلطان تقديس ما يمثلني وهو انعكاس لمجموعتي البشرية ضمن جغرافية الأرض أو الدين أو الأعراف.. إلخ هو الأفضل والأكثر تميزاً فتصورنا للعالم يخضع لمعادلة اللغة والمبادئ والقيم التي نؤمن بها، واللغة العربية هي من أجمل لغات الأرض بدون شك واللسان التي نزل بها الذكر الحكيم ولا نتحدث عن جمالها وقيمتها الروحية وأهمية الحفاظ عليها ولكن كفكر إذا ما تناولناها في إطار تعاطي العربي لها قديماً وحديثاً فسوف نرى أنها حددت بنية العقل العربي ونشاطه بدرجة أعلى من باقي اللغات في مدخلاتها المتنوعة.
فحصر الثقافة باللغة والإنتاج اللغوي هي فجوة حضارية فاللغة مثل القيم والمبادئ السائدة من الممكن أن تستخدم كمعول بناء وتقدم أو كمعول هدم وتراجع، كما أن اللغة العربية متهمة بتغييب منظومة العقل الواعي وخاصة في عدم استخدامها كلغة شاملة لكل ما يتعاطى معه الإنسان الحديث، مما أدى إلى ردة فعل عكسية هجر من خلالها العديد من الجيل الحالي هذه اللغة ومدلولاتها، وأزعم أنها ليست نظاما معرفيا كما تم تلقينه لنا منذ نعومة أصابعنا وما بين التعميم والتعويم لا أريد أن أفكر.
فالناس ترى ضوء الفكر الساطع عند المفكر ولكنهم لا يشعرون ولا يعلمون عن الحريق الداخلي الذي أنتجه وجعله يسطع في الخارج، وذلك لا ينحصر في لغة بعينها وفي الغالب الناس تستصعب فكرة أن تعيش كما تريد لأنها ستُغضب ناسا آخرين، ونعم عزيزي القارئ راحتك وحريتك تتنافى مع رضا الناس، والموضوعية تحتم علينا حتى ننهض الاعتراف بأسباب انحطاطنا وحق النقد دون التحريض، وحق المعارضة بدون عنف، وحق التفكير دون قمع لحرية الآخرين والخروج خارج إطار الدين أو الفكر الذي نؤمن به ونرى فيه الخلاص والصحة المطلقة والتحضر والرقي لنرى أبعد من حدود معرفتنا القائمة ونطور أدوات الكسب المعرفي لدينا وعدم اللجوء لاتهام السلطة بكل مظاهر التراجع لدينا فهم جزء من المجتمع ونتاجه ولم يهبطوا من السماء، فقبل أن تكون هناك سلطة حاكمة بصفتها التقليدية الحالية بغض النظر عن المجتمع والثقافة ومسمى النظام، وقبل أن يكون هناك دين كان هناك عنف وقتل واضطهاد وفساد واحتكار وظلم وعدم عدالة، وكل من يخرج عن المجموعة يرمى خارج رحمة الإقرار الجماعي للمجموعة، فلم تمر فترة تاريخية على الكائن البشري لم يكن فيها قمعي فهي تركيبه معقدة من أمور عديدة جعلتنا ما نحن عليه اليوم، وإصلاح الجذور أهم من سلطة تأتي وأخرى تذهب وفكر يأتي وآخر يذهب، فهتلر وموسوليني لما يكونا من أتباع داعش على سبيل المثال فالجينة الأنانية وصراع البقاء هو دين غير معلن يؤمن به الكثير من البشر وبدرجات متفاوتة تفوق أرقام من يؤمنون بالأديان السماوية، ويجب أن لا نضيق الرؤية ونحصر أسباب الانتكاسة في زاوية وإلا فعلنا تماماً ما يفعله المتطرفون.
وبالمقابل يجب أن يطلق العنان لفكر المفكرين والمثقفين طالماً أنه فكر مسؤول لا يدعو لسلب حريات الآخرين أو حقهم في العيش الآمن والاستقرار وكسب لقمة العيش والعبادة، وأعتقد أن كل معرفة يتحصل عليها إنسان ولم تؤدب وتهذب روحه وتحرره من عقده والعقد التي يعاني منها مجتمعه هي جهل إضافي، وفي ما يخص دور الفرد في نهضة المجتمع الذي يعيش فيه هو دور محوري وأهم من دور أي سلطة سياسية أو دينية إن صح التعبير؛ كون الإصلاح يبدأ من داخل كل شخص كعالم قائم بذاته، وأما بخصوص قيم الحداثة فهي مطاطة وما هو حداثي هذه السنة بعد سنة من اليوم سيعد شيئا من الماضي.
فنحن في مرحلة ما بعد الحداثة ولكن العقول لا تزال في مرحلة البناء الأولى لوضع أسس الحداثة، وهو في وجهة نظري ظلم للحداثة، فهذا الجزء من العالم يعاني كثيراً ولا أجد الكلمات لوصف الحال، ولكن دعنا نقول هناك حاجة ماسة لثورة خضراء لا دم ولا قتل فيها ولتكن ثورة الحوار وتقبل الآخر، ومهما اختلفنا نضحك ونشرب ونأكل مع بعض ونحن أصدقاء، فثقافة الإنسانية هي الغائبة وهذه الثقافة خارج حدود الفكر التقليدي حتى الذي يعتبر تقدميا بالضرورة.
وبالتالي محركات الدفع الحضاري يجب أن تكون ساحتها المواقع والعالم الافتراضي وصولاً لإنسان أكثر إنسانية بمعايير جديدة تصلح لهذه الحقبة الزمنية فقط وليس عولمة الفكر المعياري، فكل جيل سيأتي بمعاييره الخاصة ولا يوجد خطأ أو صحيح في ذلك، فالإنسان الصالح هو الشخص الذي لا يتوقف عن مواجهة صعاب الحياة بعزيمة لا تكسرها العثرات المتكررة، ويتأمل ويعمل ويدعو من قلبه من أجل إسعاد غيره قبل نفسه، وهو الذي يذهب ويبتسم بين أولئك الذين يعانون ويعرقون ويكافحون من أجل لقمة العيش ويمد لهم يد العون كل ما استطاع ذلك فطوبى للغرباء في هذا الزمان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة