شارك عدد من المواطنين الأمريكيين فى استفتاء طريف حول بابا نويل. لم تكن الأسئلة تقليدية بحال
شارك عدد من المواطنين الأمريكيين فى استفتاء طريف حول بابا نويل. لم تكن الأسئلة تقليدية بحال؛ لم يُجِب المواطنون مثلا عن مدى محبتهم للشخصية الشهيرة أو مدى ارتباطهم بها، ولا عن اقتناع أطفالهم بوجودها، أو جدوى انتظارهم الهدايا والمفاجآت التى يوعدون بتلقيها كل عام. كان على المشاركين فى الاستفتاء أن يُقيموا ما فعلوا خلال العام الفائت؛ هل يستحقون الوجود على قائمة «الطيبين» التى يحملها بابا نويل، أم على قائمة «الأشقياء»؟
إجابة على السؤال، رجح سبعة أشخاص بين كل مائة شخص أنهم على قائمة الأشقياء التى يحملها بابا نويل، وأنهم بالتالى لا يستحقون هداياه. فاجأتنى النسبة. رأيتها مرتفعة أيما ارتفاع، فأقل القليل من الناس يعترف بأخطائه، وأقل القليل يدين نفسه على الأقل فى مجتمعاتنا. أغلبنا يبتكر الأعذار، وينشط المسئولون لدينا فى إيجاد تبريرات لأفعالهم السيئة وإخفاقاتهم، بل وقد يبرعون بما يكفى لوضعهم على قائمة الطيبين الأنقياء. يستقبلون المباركة ويتلقون ملايين الهدايا ما بقوا فى أماكنهم.
نشرت بعض الجرائد ومن بينها الواشنطن بوست، إجابات شخصيات عامة عن سؤال أكثر طرافة، يتعلق بانتماء الشخصية الفولكلورية الشهيرة، والمقصود بالطبع هو الانتماء أو التوجه السياسى؛ هل بابا نويل ديمقراطى أم جمهورى؟
انقسم الناس وتفوقت نسبة من قالوا إنه ديمقراطى، وبغض النظر عن الإجابة الفائزة، فقد تشابهت المبررات التى أعلنها كل فريق ليؤكد رأيه، ويضم بابا نويل إلى صفه. من رأوا أن بابا نويل ديمقراطى تحدثوا عن كونه يصل إلى الجميع بلا استثناء: الأغنياء والفقراء وفاحشو الثراء والمعوزون. كما تحدثوا عن دعمه المساواة بين الرجال والنساء، أما هؤلاء الذين أكدوا أنه جمهورى فقد أشاروا إلى جديته الشديدة فى أداء مهماته وتفانيه فى إنجاز عمله، وهى سمات يرونها لصيقة بالجمهوريين وبعيدة عن الديمقراطيين، وقد أضاف قسم من المستفتين أنه متدين ويفضل ارتداء اللون الأحمر، وهى صفات تؤيد بدورها تبعيته للفريق الجمهورى.
ظهر بابا نويل فى إحدى قرى مصر المنسية بالقرب من الجبل الغربى بمحافظة المنيا. حيث قرر شبان أن يقوموا بمحاولة لإدخال البهجة على أطفال القرية، فاختاروا من بينهم واحدا ارتدى الزى التقليدى، وراح يوزع الحلوى والهدايا. لا أظن أن أحدا من الأطفال أو من عائلاتهم فكر أو حتى جال بخاطره سؤال حول هوية بابا نويل الذى حل عليهم ضيفا، ولا أظن أحدا تأمل فى مسألة انتمائه السياسى. بدت فكرة طرح السؤال عليهم مشوقة ومثيرة، فبعيدا عن طبائع وصفات الفريقين السياسيين المتصارعين أبدا على السلطة فى الولايات المتحدة، يمكن النفاذ إلى مضمون السؤال الخبيث الموجه إلى الجماهير؛ تُرى مَن هو صاحب الفضل الذى يتصورون فى مُخيلتهم، من القادر على العطاء وبذل الجهد دون انتظار مقابل، من الذى يظهر مِن عدم ليبهج الناس، ومَن الساعى ــ حقا لا زيفا ــ إلى تحقيق رغباتهم وأمانيهم للعام الجديد، وللمستقبل بوجه عام؟
مع إجراء تكييف بسيط وإدخال تعديلات طفيفة لا جوهرية، يمكن أن يُستَفتى المواطنون المصريون إن كان بابا نويل ينتمى إلى إئتلاف دعم الدولة، أم إلى التحالف الجمهورى؟ أمن حزب مستقبل وطن أم من الحزب الوطنى؟ أينتمى إلى النور، أم إلى المصرى الديمقراطى، أم التحالف الشعبى أو الاشتراكى، أو حتى إلى جماعة الإخوان المسلمين؟
من الذى يتوسم فيه المواطنون ــ من بين أولئك وهؤلاء ــ رغبة صادقة فى انتشالهم من قاع البؤس؛ بؤس اقتصادى واجتماعى مدقع، وبؤس سياسى غير خاف؟ من الذى يرونه الأصلح لتقديم هدايا عام بدأ مشحونا بمآس وكوارث؟. عشرات الفرق والأسماء التى قد تصنع قائمة طويلة، يتوه فيها الناس دون أن يعثروا على إجابة يطمئنون إليها.
أغلب الظن أن مثل هذا الاستفتاء لن يأتى بإجابات مُرضية للقائمين على أمور الدولة، خاصة إذا ما أُجرى فى القرى والنجوع المصرية المسحوقة إهمالا وتجاهلا. تضاعف عدد من هم غير أكيدين من انتماء بابا نويل على أرض الأحلام التى تواجه بعض العثرات، وأظن المصريين الغارقين فى الهموم والذين لا يفيقون من العثرات، سيجيبون بأن بابا نويل لا ينتمى لأى فريق من الفرق السياسية العابثة على الساحة. بابا نويل غير موجود. بابا نويل محض خيال.
يتكفل الناس بتحقيق الأمنيات السهلة أو التحايل عليها، أما الأمنيات التى يستقبلها بابا نويل، فعادة ما تقع فى بند المستحيل. الأمنية الوحيدة التى أتقدم بها لبابا نويل هذا العام، وقد يشاركنى إياها زملاء وصديقات وأصدقاء آخرون؛ هى أن يستعصى على النظام الحاكم تحويل مصر إلى سجن كبير، يلفظ الزائرين ولو كانوا أشقاء، ويضيق على الموجودين ولو كانوا أصحاب أرض، أما ما بقى مِن مُنغصات وأوجاع فنحن به كفيلون.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة