دفعت عملية احتلال وحرق السفارة السعودية في طهران الأمور الي حوافها الخطرة بين السعودية ودول الخليج من جهة،والجمهورية الاسلامية من جهة
دفعت عملية احتلال وحرق السفارة السعودية في طهران الاسبوع الماضي الأمور الي حوافها الخطرة بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من جهة، وبين الجمهورية الاسلامية من جهة، الصراع كان ممتدا علي المستوي السياسي لفترة طويلة قبل ذلك,وفي ساحات متعددة ،ولكنه كان صراعا منخفض الوتيرة، وفى بعض اوقاته في سنين سابقة اتخذ شكل الصراع بالوكالة.
بؤرة الصراع التصور الذي تملكة الجمهورية الاسلامية، انها تستطيع ان تدفع بافكارها الثورية وربما بشكل نظام حكمها تجاه المنطقة العربية، وبالتالي تتحكم في منطقة الشرق الاوسط، وتخضعها لمصالحها القومية ،واستطاعت النجاح الي حد ما في أماكن معينة ،إما بجهد ومساعد من انظمة بعض الدول ، كما في سوريا، او بجهد قوي عالمية كما في العراق ( حيث سهل الاحتلال الامريكي للعراق التمكن نسبيا من التأثير علي السلطة هناك ) واستطاعت طهران ان تبسط نفوذها بشكل واضح او خفي علي منطقة كبيرة من الوطن العربي.
معظم المناطق التي توافرت للجمهورية الاسلامية الايرانية الابحار في خضمها السياسي كانت دولا هشة، خاصة بعد ما سمي ( الربيع العربي) او يظهر صراع واضح وجلي بين مكوناتها الاجتماعية ،كما حدث في لبنان.
الا ان النفوذ الايراني اراد ان يندفع الي الجزيرة العربية من خلال بعض مؤيديه او من يتبع افكاره السياسية، وجري ذلك تحت شعارات مختلفة، بعضها ( حرب الشيطان الاكبر والاصغر ) الولايات المتحدة واسرائيل، و بعضها تحت شعار مناصرة ( المستضعفين) وهي شعارات قد تكون انطلت علي البعض في الجانب العربي،ولكن هذا الخداع لم ينطل علي البعض الآخر . الا ان الفضاء العام بين دول الخليج بشكل عام وبين الجمهورية الايرانية كان ممتلئا بالشكوك ومشوبا بالحذر ،ولم تكن طهران بعيدة عن التدخلات المختلفة في الشئون المحلية التي تكاثرت بعد انشغال عرب الكثافة السكانية بامورهم الداخلية.
الاسئلة التي يطرحها التوتر الاخير في الاقليم الخليجي كثيرة، سوف أحاول الاجابة عن بعضها .
السؤال الاول هو لماذا ترغب الجمهورية الايرانية الانتفاع السياسي او استقطابي لـ(الشيعة العرب) وحدهم دون غيرهم من شيعة العالم ؟ وهم موجودون منذ قرون في بيئتهم العربية يعيشون بانسجام كبير مع جيرانهم ومواطنيهم أهل السنة؟ السبب اقتصادي واستراتيجي ، لان دول الخليج في معظمها منتجة للنفط، وإيران بامتداد نفوذها الي هذه المناطق يصبح بيدها اوراق مؤثرة للتفاوض الاقتصادي و الاستراتيجي مع الغرب ! والدليل ان هناك اقليات شيعية في مناطق مختلفة من العالم وفي دول عديدة ، و الناظر الي خريطة التوزيع الجغرافي سوف يجدهم في اذربيجان وقرغيزستان وباكستان ونيجيريا والعديد من دول آسيا، في بعضها يشكل المنتمون الي المذهب الشيعي اقلية كبيرة!
لماذ لم تتدخل ايران هناك؟ سؤال واضح الاجابة عنه، حيث التدخل هناك ليس لها فوائد استراتيجية ، اما التدخل هنا فهو تحت غطاء مذهبي يحقق التطلعات الايرانية الاستراتيجية و القومية لتوسيع النفوذ.
من السؤال الاول يبرز السؤال الثاني وهو لماذا الاصرار علي التدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج والدول العربية، ويأتي الجواب من اجل تفريخ أو استنساخ تجربة (حزب الله) في اكثر من منطقة ودولة عربية ، بل ان الاسم يتكرر باشكال مختلفة، كما تكرر في اليمن بتسمية (انصار الله) التي تبناها الحوثيون؟ إذن هناك استراتيجية موضوعة ان يفرخ حزب الله من الداخل في هذه البلدان من اجل اضعافها اولا ، ثم القفز علي مقدرتها بشكل واضح كما في لبنان و العراق وسوريا، او بشكل غير مباشر كما في اليمن!
الهدف بناء جيوب تابعة لطهران ،السكوت عن هذه الاستراتيجية او عدم مواجهتها فترة طويلة من الزمن فسر لدي طهران ان هناك تراجعا او خوفا في الجانب العربي من هذا الاندفاع الايراني الي درجة التصريح الرسمي بأن نفوذ ايران اليوم يظهر في اربع عواصم عربية ! فاستمرار التدخل والتطاول ليس له من رادع .
اما السؤال الثالث فهو هل تقبل الشعوب العربية فرض نظام ولاية الفقيه في الحكم علي شعوبها، ذلك امر لا ترغب طهران في التفكير فيه. ولاية الفقيه هي حكم ديني مذهبي ليس له علاقة بالعصر او بناء الدولة الحديثة ، انه اكثر اشكال الحكم استبدادا لان المواطن المعارض هنا يعارض (وكيل الرب ) الولي الفقيه ولا يعارض سياسات بشر ،وهو من اشكال الحكم التي انتشرت في اكثر عصور اوروبا قتامة في القرون الوسطى !.
لم يكن بالامكان الانتظار حتي يتمدد النفوذ الايراني ، فالصبر علي كل الموبقات السياسية التي يقترفها نظام طهران قد وصل حده عندما جندت ايران بعض اتباعها تحت غطاء المذهب للعب في الامن الوطني لدول الخليج، بدأت في البحرين ثم الكويت واخيرا طالت المملكة العربية السعودية .
عاصفة الحزم التي بدأت في مارس العام الماضي اخذت الاستراتيجية الايرانية علي حين غرة ، فقد ارادت ايران ان تطوق الخليج من الشمال والجنوب ليصبح في فم كماشة لا فكاك منها ،فجاءت عاصفة الحزم كما لم يتوقعها المخطط الايراني ، وربما هي التي دفعت جزئيا ايران للتوافق مع الدول الغربية والولايات المتحدة للوصول الي اتفاق في 14 يوليو من العام الماضي حول ملفها النووي.
هذا الاتفاق مرة اخري قرئ خطأ في طهران، فقد ظن البعض هناك انه يقدم لهم بطاقة حرية للتصرف في المنطقة كما تقرر مصالحهم، فارتفعت شوكة مناصريهم اولا في ادخال حزب الله اللبناني لمقاتليه الي سوريا و حصار الآلاف من السوريين في قراهم ومدنهم حتي الموت جوعا، ثم احياء شبكة من المناصرين في دول الخليج لإحداث توتر شديد في بعض دوله كما حدث في البحرين والمنطقة الشرقية من الممكلة العربية السعودية وفي الكويت لتحقيق مصالح ايران في دفع عناصرها لتعطيل المؤسسات الحاكمة في هذه الدول تمهيدا لإضعافها و التحكم فيها .
لهذا جاء الحزم السعودي الثاني الذي قرر انه لم يعد احد يحتمل مغامرات المتشددين في طهران، و قد آن لكل تلك المغامرات أن تتوقف .
المؤسف ان الصراع في المنطقة اوقع ضحايا ، بل خلف عددا ضخما من الضحايا سواء في العراق او لبنان او سوريا ، كل هؤلاء الضحايا من العرب ،كما هدمت مدن وقري كانت آمنة ،ولو ترك الحبل علي الغارب لما توقف حمام الدم وهدمت المدن علي طول الارض العربية. وقد جاء الوقت لتفهم ايران ان لا مستقبل لطريقتها في الحكم في البلاد العربية، وان ولاية الفقيه تنتمي الي الماضي السحيق لا الي المستقبل، وان بلاد العرب هي للعرب دون غيرهم.
من هذا المنطلق فان لم يعد ساسة ايران الي رشدهم وحل الصراع فيما بينهم بين طموحات ( الثورة) وضرورات ( الدولة) فان التوتر مرشح ان يتصاعد،وقد تم ارسال الرسالة الاولي بوضوح تام و علي من يتخذ القرار في طهران ان يدرسها بعناية!.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة