هذا التوتر الإقليمي أسهم في نشر نوع من القلق في المنطقة ويطرح تساؤلات حرجة
لقد وصل تبادل الخطابات بين أمريكا وإيران إلى حدود قصوى من التبشير بحرب، هكذا تبدأ الحروب بالخطابات لكي تنتهي في ساحات القتال؛ إذ يسبق دخان الحرب وضجيج القنابل والصواريخ الكلمات النارية التي يطلقها الجانبان، ونتيجة ضغوطات الولايات المتحدة والبلدان المتحالفة معها، من خلال فرض العقوبات والعقوبات الإضافية، أخذت إيران تتصرف كالثور الهائج من خلال التهديدات بغلق مضيق هرمز بوجه الملاحة العالمية، وتقليص التزاماتها في الاتفاق النووي، والتلويح بضرب القوات الأمريكية من خلال أذرعها.
على أية حال، تدرك أمريكا أن إيران لن تشن الحرب المباشرة معها، بل من خلال أذرعها الممتدة في العراق ولبنان واليمن وأفغانستان وغيرها، ولكن هل يصل التوتر بين أمريكا وإيران إلى "مواجهة عسكرية" في الخليج؟هذا التوتر الإقليمي أسهم في نشر نوع من القلق في المنطقة، ويطرح تساؤلات حرجة، أهمها هل يصل التوتر بين أمريكا وإيران إلى "مواجهة عسكرية" في الخليج؟
الاقتصاد الإيراني على حافة الهاوية، والبلدان التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران، كبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، تبادر الآن إلى التفكير جدياً بالانسحاب من هذه الاتفاقية بعد تهديدات طهران بزيادة تخصيب اليورانيوم، ما يخيف تلك البلدان التي كانت حليفة إلى الأمس القريب معها، وذلك يعني أن طبول الحرب بدأت تقرع أجراسها من جديد في المنطقة.
وأمام تعنت إيران واستمرار سياستها العدوانية إزاء بلدان الخليج بدأت الخيارات الاستراتيجية لأمريكا تتغير، فهل تتعظ إيران وتعود إلى مسار البلدان الطبيعية دون تصدير الإرهاب والتوتر في المنطقة والعالم، وبذلك تعود إلى أحضان المجتمع الدولي؟
من الواضح أن نذر المواجهة بين أمريكا وإيران أصبحت وشيكة، إلا أن إيران يمكنها أن تتدارك الأمر بدلاً من أن تلعب دور الضحية، لكن الهروب إلى الأمام هو الذي سيجعلها في فوهة المدفع، وما يعزز من إمكانية نشوب الحرب هو دور القوات الأمريكية التي تكدس ترسانتها في المنطقة، من حاملة الطائرات "يو.أس.أس.أبراهام لينكولن" إلى سرب من طائرات B 52 العملاقة المتخصصة في الهجوم الجوي البعيد، كما أن تعنت إيران على مواقفها الأيديولوجية والعنصرية والعدوانية جعلت الضغوطات الأمريكية عليها تثمر وأدت إلى تضخم اقتصادها.
من المعلوم بأن كل حرب تبدأ بخلخلة الاقتصاد كما حصل مع أفغانستان والعراق، ولا يزال التضخم سائداً فيهما لسنوات طويلة، وهنا في هذا الموقف تدرك إيران بأنها الخاسر الوحيد في هذه الحرب، ولكنها تسعى إلى جر العراق في مواجهة مع أمريكا من خلال مليشياتها المناصرة لها، لذلك إن خوض الحرب إلى جانب صفوف الإيرانيين ما صرحت به بعض المليشيات الموالية لها سينتج عنه وضع العراق في قلب المعركة، التي سوف لن تجلب له سوى الخراب، إنها -أي الحرب- لو وقعت ستكون "تسونامي خطير" -كما يصفه البعض- يضرب المنطقة.
أما بالنسبة للموقف العراقي فلا يزال غير مستقر تجاه إيران، وسيبقى هكذا ما دامت الأحزاب الدينية تسيطر على مقاليد أمور هذا البلد، إن الانطلاق من ولاءات طائفية ضيقة وليس من منطق الدولة المستقلة هو الخوف الأكبر على العراق، إذ لا تزال إيران تعتبر العراق مجرد محافظة إيرانية، وتمادي العراق في التقرب لإيران، بل حتى في الخضوع لها، لا يجعل من العراق أرضاً محايدة، بل جزء من ميدان الحرب؛ لأن اقتصاده مرتبط بالاقتصاد الإيراني.
هل ستقوم الولايات المتحدة بضرب المنشآت النووية الإيرانية مثلما حدث للعراق ما بين أعوام 1991 و2003؟ وهل تنهي هذه الحرب المفترضة أحلام إيران النووية؟
التاريخ يعيد نفسه من جديد، وكأن شبح حرب الخليج الأولى يعود إلى الأذهان، بل إن إيران تشكل أكثر خطرا من نظام صدام حسين؛ لأن موضوع السلاح النووي يدخل في الحسبان.
هل سينأى العراق بنفسه عن هذه الحرب المفترضة التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحاشيها بإعلان الحرب النفسية والاقتصادية والإعلامية؟
يبدو أن الولايات المتحدة تدرك جيداً مدى العلاقات بين إيران والعراق، لذلك سارع وزير خارجيتها مايك بومبيو إلى زيارة مفاجئة إلى بغداد قبل أيام، بهدف رسم خطوط حمر أمام طهران والتلويح بردود قاسية لو استخدمت أذرعها المتعددة في المنطقة، بل وضعت الولايات المتحدة القادة العراقيين أمام حقائق الواقع الملتهب، ولا يمكن أن تهمل الولايات المتحدة جنودها بلا حماية في العراق لو نشبت الحرب؛ لأن هناك أدلة استخبارية تفيد بأن هناك جماعات عراقية على صلة بإيران تستعد لتنفيذ عمليات عسكرية ضد مجمع قوات أمريكية موجود في شمال بغداد وغربها، وتهدف هذه العمليات إلى مهاجمة مبنى السفارة الأمريكية في بغداد عبر صواريخ قصيرة المدى، وتدرك الولايات المتحدة أن هذه المليشيات الطائفية المنتشرة في بغداد قد لا تتردد بالقيام بأعمال متهورة ليست في الحسبان؛ لأن ما يحركها ليس المنطق والسياسة والتوازن بل الانفعال والروح الطائفية والولاء الأعمى لإيران، هل سيتمكن العراقيون من حماية القوات الأمريكية في هذه الحالة، في الوقت الذي يؤمن قادتهم بولاية الفقيه والطائفية والعقد المقدس بينهم وبين إيران؟
إن تنامي نفوذ الحشد الشعبي على حساب الحكومة العراقية هو الذي يثير القلق الكبير في واشنطن، لأنها قد تشارك في العمل الميداني ضد المصالح الأمريكية باستخدام وسائلها الحربية المعروفة في التفجيرات والعمليات الانتحارية، الوزير الأمريكي أوصل رسالة التحذير إلى إيران من خلال العراق لانقطاع القنوات الدبلوماسية مع إيران، والموضوع جاد للغاية؛ لأن الأمريكيين متوغلون في الجماعات المسلحة العراقية الموالية لإيران، ولهم أجهزتهم التي تزودهم بالمعلومات وإلا لما زار بومبيو العراق بهذه العجالة.
على أية حال، تدرك أمريكا أن إيران لن تشن الحرب المباشرة معها، بل من خلال أذرعها الممتدة في العراق ولبنان واليمن وأفغانستان وغيرها، ولكن هل يصل التوتر بين أمريكا وإيران إلى "مواجهة عسكرية" في الخليج؟
هذا ما تجيبنا عليه الأيام القليلة المقبلة!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة