الحقيقة أن خطوات الإدارة الأمريكية الحالية هي ترجمة فعلية لتعهد الرئيس ترامب عقب الانسحاب من الاتفاق النووي
جاء حديث مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون عن سبب توجه حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس ابراهام لينكولن" إلى مياه الخليج العربي مباشراً، حيث أشار إلى أن هذا التحرك بمنزلة رسالة لإيران، مفادها بأن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها سيقابل "بقوة شديدة"، مشيراً إلى رصد أنشطة تصعيدية إيرانية، ومفسراً هذه الرسالة بقوله "في حال حصلت هذه الأنشطة وإن كان ذلك بالوكالة عبر طرف ثالث أو مجموعة مسلحة مثل حزب الله فسنحاسب القيادة الإيرانية مباشرة على ذلك".
كيف تمضي مسارات التفاعل الأمريكية-الإيرانية؟ هذا هو سؤال الساعة للباحثين والخبراء، والحقيقة أن من الصعب الرد عليه ولكن من الممكن الإشارة إلى وجود عوامل عدة تتحكم في هذه المسارات، أولها وأهمها على الإطلاق طبيعة السلوك الإيراني، فالولايات المتحدة لا تريد سوى انصياع النظام الإيراني لشروطها
هذا التصريح ينطوي على ما يخيف القيادة الإيرانية فعلياً لسبب بسيط، أنه يعني أن الولايات المتحدة لن ترد فقط على وكلاء إيران في حال استهدافهم مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، بل ستتم محاسبة القيادة الإيرانية مباشرة على أي سلوك متهور يصدر من وكلائها، وهذا الأمر غاب طيلة السنوات والعقود الماضية عن تعاطي المجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديداً مع إيران، التي باتت تخطط وتمول وينفذ وكلاؤها جرائمها وسياساتها التوسعية مع بقاء النظام الإيراني بمنأى عن تحمل أي توابع حقيقية لما خطط له، وهذه هي الإشكالية الحقيقية في التصدي للنفوذ الإيراني الإقليمي، حيث يفترض لجم مصدر القرار الإيراني الذي يوجه الوكلاء في اليمن وسوريا ولبنان لإثارة الفوضى ونشر الاضطرابات في مختلف أرجاء المنطقة.
لم تعد القيادة الإيرانية بمأمن الآن عن تحمل مسؤولية القرارات التي تصدر للوكلاء والأذرع الطائفية الإقليمية، فالحساب سيتم مع مصدر القرار الأساسي وليس فقط الأتباع والمنفذون، ومن هنا نتوقع أن يدرس النظام الإيراني خطواته المقبلة جيداً كي لا يصبح في صدام مباشر مع الولايات المتحدة، وهو من بقي طيلة السنوات الماضية متخفياً وراء أقنعة وشعارات لم تعد قادرة على إخفاء فضائح هذا النظام وما يرتكبه من كوارث بلغت حد التباهي باحتلال اربع عواصم عربية، وكأن الحقبة الاستعمارية لم تطوِ صفحتها ولم يعد للقانون الدولي وجود وبات أثراً بعد عين!
والحقيقة أن خطوات الإدارة الأمريكية الحالية هي ترجمة فعلية لتعهد الرئيس ترامب عقب الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع مجموعة "5+1" في عام 2015، حيث تعهد بممارسة أقصى درجات الضغط من أجل تقييد دور إيران الإقليمي، وهذه الخطوات بدأت بحزم متوالية من العقوبات الأمريكية التي أثبتت فاعليتها هذه المرة، لتصل إلى حد الحظر التام لتصدير النفط الإيراني، وتصنيف مليشيا الحرس الثوري الإيراني على قوائم الإرهاب الأمريكية.
الحقيقة أن إيران التي تعاملت مع إدارات أمريكية سابقة وفق سياسة "حافة الهاوية" لن تفلح هذه المرة في الإفلات من العقاب في حال أقدمت على أي سلوك متهور ضد المصالح الأمريكية، وهي تدرك تماما أن الرئيس ترامب ليس كسلفه الرئيس السابق باراك أوباما، ولا يسعى سوى إلى تحقيق ما وعد الناخبين به، وهو لجم طموحات إيران عقب الانسحاب من الاتفاق النووي، وها هو قد نفذ الشق الأول من وعده ويمضي بجدية في تنفيذ الشق الثاني، ولا مجال لأي تحليل أو تكهنات تخرج عن هذا الهدف؛ لأن الرئيس ترامب قد راكم إنجازا رئاسيا مهما وهو تحقيق كل الوعود الانتخابية التي رفعها في حملته للفوز بالولاية الرئاسية الأولى، ومن ثم فهو يراهن على استكمال حلقات المصداقية أمام ناخبيه بتأكيد نجاحه في التصدي للنفوذ الإيراني.
كيف تمضي مسارات التفاعل الأمريكية-الإيرانية؟ هذا هو سؤال الساعة للباحثين والخبراء، والحقيقة أن من الصعب الرد عليه ولكن من الممكن الإشارة إلى وجود عوامل عدة تتحكم في هذه المسارات، أولها وأهمها على الإطلاق طبيعة السلوك الإيراني، فالولايات المتحدة لا تريد سوى انصياع النظام الإيراني لشروطها ثم العودة للتفاوض على صفقة جديدة شاملة حول إيران، متضمنة برنامجها النووي والصاروخي ونفوذها ودورها الإقليمي، وهذه هذه الصفقة الوحيدة المنطقية التي يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط على المدى البعيد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة