قد يعتقد البعض أن هناك أمماً متحدة وشرائع دولية ومواثيق وعهوداً بين الدول، لكن كل ذلك يسقط على أعتاب القوى العظمى التي تفعل ما يحلو لها من دون أن يكون ثمة معقب على أفعالها.
قد يعتقد البعض أن هناك أمماً متحدة وشرائع دولية ومواثيق وعهوداً بين الدول، لكن كل ذلك يسقط على أعتاب القوى العظمى التي تفعل ما يحلو لها من دون أن يكون ثمة معقب على أفعالها. وكانت الولايات المتحدة ولاتزال مثالاً على القوة العظمى المتمردة على الشرائع والقوانين الدولية، بل إنها تعتبر نفسها هي المجتمع الدولي. فما تريده ينبغي أن يكون، وخلال فترة الحرب الباردة جندت دولاً كثيرة لمصلحة صراعها ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وتجلى ذلك خلال اجتياح الجيش الأحمر السوفييتي لأفغانستان، حيث قابلت ذلك من خلال إنتاج «حركة جهاد» نجحت في كسر الجيش الأحمر وإجباره على الخروج من الأرض الأفغانية، لكن سرعان ما ارتد المجاهدون «الإرهابيون»عليها ونفذوا على أرضها هجمات إرهابية كبيرة عام 2001.
لم تعترف الولايات المتحدة بخطئها في إنتاج أولئك الإرهابيين، بل استغلت تلك الأحداث في العدوان على العراق وتدميره وقتل نحو مليون نسمة من شعبه وتشريد ملايين آخرين وتوسيع دائرة التطرف والإرهاب لتطال دولاً عربية هذه المرة. ومن ثم أعلنت ما يسمى «مشروع الشرق الأوسط الكبير» الذي يؤكد على ضرورة التغيير في المنطقة عوضاً عن استراتيجية الحفاظ على الوضع القائم، وتدمير الدول وإقامة دول جديدة مكانها على أسس طائفية وعرقية وقبلية.
ورغم أن المملكة العربية السعودية كانت من أبرز الدول المتعاونة في مكافحة الإرهاب، ورغم أنها مستهدفة من الإرهابيين، ولديها علاقات قوية وتحالف قديم مع الولايات المتحدة يعود تاريخه إلى عام 1931 عندما منحت السعودية شركات النفط الأمريكية حق التنقيب عن النفط وانتقلت العلاقات بين الدولتين إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي في مختلف المجالات لتعمل السعودية على تسخير هذه العلاقات في تلبية مصالحها الوطنية مع أمريكا نتيجة مكانتها الإسلامية والسياسية والاقتصادية. وعلى خلفية ذلك عدّت السعودية من مرتكزات الأمن الاستراتيجي في المنطقة العربية، كما أن ثروتها النفطية زادت من دورها الدولي في إحداث التوازن الاقتصادي العالمي، لكن يجري مخطط أمريكي كبير لاستهدافها كحلقة جديدة من حلقات استهداف الدول العربية، فقد أقر الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب ما يسمى «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» وسيتم إحالته إلى الرئيس لإعطاء موافقته عليه كي يصبح نافذاً، وهذا القانون المريب يرفع الحصانة السيادية - التي تمنع إقامة دعاوى قضائية ضد الحكومات- عن الدول التي يثبت أنها متورطة في هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية. وسيسمح القانون للناجين من الهجمات وأقارب القتلى بالمطالبة بتعويضات من الدول الأخرى. وفي هذه الحالة سيتيح إقامة دعاوى بمحكمة اتحادية في نيويورك يسعى من خلالها المحامون إلى إثبات أن السعوديين كانوا ضالعين في الهجمات على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية.
الواقع أن هناك أكثر من 740 مليار دولار من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية، من بينها 119 مليار دولار على شكل سندات للخزينة الأمريكية، وأن الاستيلاء على هذه المليارات هو الهدف الأساسي لهذا القانون والذين يقفون خلف إصداره، وذلك حسب تصريحات المحللين وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي ومنهم كبير النواب الديمقراطيين هاري ريد الذي قال إنه يؤيد مشروع القانون، ومن بينهم أطراف يمثلون الشركات المالكة للطائرات المستخدمة بالهجمات والشركات المالكة للبرجين اللذين تعرضا للتدمير، وأيضاً البنتاغون، وجميع المتضررين الذين توقفت أعمالهم ومشاريعهم بسبب الهجمات.
وكانت الإدارة الأمريكية قد أفرجت عن الصفحات ال 28 التي كانت محفوظة من تقرير الكونغرس حول أحداث 11 سبتمبر وقد خلت تلك الصفحات من أية إشارة على ضلوع الحكومة السعودية أو أي من المسؤولين السعوديين في تلك الهجمات، ويدرك الكونغرس الأمريكي جيداً أن المملكة بريئة تماماً وأنها ضحية للإرهاب، لكنه يمارس الابتزاز تحت مسمى إقامة العدالة. ولا شك أن أي إنسان عاقل يدين هجمات سبتمبر ويطالب بمعاقبة الجناة، وقد انتقمت الولايات المتحدة من المنفذين والمخططين فقتلت معظمهم وعلى رأسهم بن لادن. ولاتزال تلاحق فلولهم في كل مكان.
لكن أن يتم اتهام دولة بريئة وإلباسها جريمة لم تقترفها فهذا هو الظلم بعينه. إن مقاومة هذا الظلم هي أمر مشروع وينبغي على مختلف الدول العربية والإسلامية أن تساند المملكة العربية السعودية في هذه الأزمة، لأنه لو تم تمرير هذا المخطط الرهيب عليها، فإن دولاً أخرى ستلقى نفس المصير وبطرق ووسائل مختلفة. حفظ الله المملكة العربية السعودية من كل شر، فهي مهبط الوحي ومكان مولد أشرف الخلق رسول الله وهي قبلة المسلمين ومنها انتشر نور الدين القويم ليضيء كل أنحاء الدنيا ويهدي بوحيه العالمين.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة