بينما يتركز الاهتمام العالمي لمحاربة الإرهاب في أفريقيا على الصومال وموزمبيق ونيجيريا والساحل الأفريقي، تحاول التنظيمات الإرهابية ترسيخ وجودها في مناطق أخرى.
فلا يتوقف تنظيم "داعش" الإرهابي عن محاولات تثبيت وجوده في تونس وليبيا مثلا، ومع تزايد الضغط، الذي تفرضه الشرطة والجيش في تونس على التنظيم، يحاول اتخاذ ليبيا كملجأ وقاعدة خلفية له للاختباء.
يساعدنا ذلك على فهم سبب وجود التنظيم الإرهابي في غرب ليبيا.
سبب آخر لاهتمام "داعش" بالبقاء قرب الحدود التونسية، وهو أن طرق تهريب الأسلحة والمتفجرات تمتد من الشمال إلى الجنوب، من البحر الأبيض المتوسط إلى الحدود الليبية مع النيجر.
وقد تابعنا مؤخراً نجاح قوات الأمن الليبية في اعتقال الإرهابي التونسي بلال بن عبدالوهاب بن طراد، كما أشارت المعلومات الاستخباراتية المقدمة لقوات الأمن الليبية إلى أن الإرهابيَّيْن حمزة بن سالم العائب، والهادي بن ضو الغويل، المطلوبَين في تونس، كانا في بلدة "تكوت" قرب "نالوت" على بعد 20 كم من الحدود التونسية، وهي منطقة عسكرية.. ويعدّ ذلك دليلاً على اتخاذ الإرهابيين مناطق غرب ليبيا كملاذ لهم.
كانت هناك عمليات أخرى لمكافحة الإرهاب، آخرها اعتقال الإرهابي بتنظيم "داعش"، محمد التواتي، في صبراتة الليبية، "100 كلم من تونس"، والذي كان يُشرف على تسلل الإرهابيين إلى تونس لتنفيذ عمليات داخلها.
في غضون ذلك، لجأ قادة داعش إلى "جبل نفوسة"، على بعد 120 كيلومتراً من الساحل الليبي ونحو 70 كيلومتراً من الحدود التونسية.
ويدرك تنظيم "داعش" الإرهابي أن قوات الجيش الليبي منتشرة في شرق ليبيا ولن تسمح له بإيجاد موطئ قدم في المنطقة.. فمنذ فترة ليست بالبعيدة، داهم الجيش معاقل "داعش" في "سبها" و"مرزوق" و"أم الأرانب"، وقتل نحو 20 إرهابيا واعتقل ما يقارب 30 من عناصر "داعش".
الأمر الأكثر إثارة للفضول هنا هو أن بين المعتقلين إرهابيين أجانب أتوا من غانا وإريتريا وكينيا ومالي ونيجيريا والنيجر والسنغال والسودان، وهذا يعد جانبا إيجابيا، لأنه يعني أن الإرهابيين في ليبيا أضحوا غير قادرين على تجنيد أعضاء جدد محليين في صفوف التنظيم، لذلك أصبحوا يلجؤون إلى الأجانب لتغطية العجز في تجنيد عناصر جديدة.
ويسعى الإرهابيون بكل السبل إلى استغلال الأوضاع، التي تعيشها ليبيا قبيل الانتخابات، وتونس المنشغلة بعملية تصحيح ديمقراطي ومكافحة الفساد.. فهم يُدركون أنهم إذا فقدوا وجودهم في هذين البلدين تحديدا، فسيفقدون أيضاً وجودهم على مسار العبور وتهريب الأسلحة من البحر المتوسط إلى النيجر.
وبتحليل جميع البيانات المذكورة أعلاه، يتضح أنه لولا لجوء الإرهابيين إلى ليبيا، لتمكنت تونس من الانتصار في حربها على التهديد الإرهابي.
في الحالة الليبية، يتركز وجود "داعش" في غرب البلاد، وهو ما يرجع إلى عدم قدرة الحكومة على السيطرة التامة على مناطق نفوذها، ومن هنا تبرز أهمية إنهاء المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات في البلاد.. فإذا تم القضاء على هذه المشكلة، أو على الأقل السيطرة عليها، فلن يعود ذلك بالنفع فقط على البلدين المطليّن على البحر المتوسط، بل ستستفيد أيضاً دول الساحل الأفريقي، التي سيُقطع الدعم القادم من الشمال عن التنظيمات الإرهابية الناشطة في أراضيها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة