بعد مقتل السوداني.. قصة داعش في الصومال وحرب احتواء التنظيم
رحبت الحكومة الصومالية، الجمعة، بالإعلان عن مقتل القيادي في تنظيم داعش الإرهابي بلال السوداني، مشيرة إلى أنها "لا تملك تفاصيل عن العملية الهجومية التي أدت إلى مقتله".
وكان طبيعيا أن تغيب تفاصيل العملية العسكرية عن قيادة الصومال على الأقل حتى ذلك الوقت، إذ إن قوة أمريكية هي من شنت تلك العملية ضمن حربها على التنظيم الإرهابي.
وكان الجيش الأمريكي نفذ، أمس الخميس، عملية إنزال في شمال الصومال، أدت إلى مقتل 11 إرهابيا بينهم بلال السوداني، القيادي في تنظيم داعش.
وفي ساعة متأخرة من يوم الخميس أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أنّ العملية العسكرية التي تمّ التحضير لها على مدى "أشهر عديدة" لم تسفر عن أي ضحايا مدنيين، كما لم تتكبّد القوات الأمريكية فيها أيّ خسائر في الأرواح، وأنّ عملية الإنزال جرت في منطقة جبلية في شمال الصومال، وكان هدفها إلقاء القبض على القيادي الإرهابي، لكنّ معركة بالأسلحة النارية دارت بين العسكريين الأمريكيين وعناصر داعش مما أسفر عن مقتل السوداني ورفاقه.
وأوضح مستشار الأمن القومي الصومالي حسين الشيخ علي في تصريح له، اليوم، أن بلاده تؤيد "نهج تصفية القيادات الكبرى في التنظيمات المتشددة"، من دون أن ينسى الإشارة إلى أن "تنظيم داعش في الصومال لا يملك وجودا قويا"، فما حكاية داعش في الصومال؟
القاعدة أولا
ظهر تنظيم "حركة الشباب" في الصومال عام 2004 كذراع عسكرية مسلحة "لاتحاد المحاكم الإسلامية" التابع فكريا لتنظيم القاعدة، غير أن "الحركة" انشقت عن المحاكم بعد انضمام الأخير إلى ما يُعرف بــ"تحالف المعارضة الصومالية" واستمرت تعمل بشكل منفصل ومعاد للمحاكم الإسلامية، وللحكومة الصومالية في مقديشيو.
وبعد فترة شهدت حركة الشباب نفسها انشقاقات بين صفوفها، رغم سياسة زعيم الحركة أحمد عبدي جوداني، الذي تولى قيادة التنظيم عام 2008، واتسمت سياسته في إدارة الحركة بالشدة والحزم تجاه أي تحول فكري أو تنظيمي لعناصر حركته، قبل مقتله في غارة جوية أمريكية استهدفته في سبتمبر/أيلول 2014.
مولد داعش
ومع تنصيب أبوبكر البغدادي (قتل في عملية نوعية أمريكية في سوريا لاحقا) نفسه خليفة لدولته المزعومة، وجدت فلول القاعدة في الصومال فرصة للعودة إلى المشهد بعد أن أطاح بهم جوداني.
وكان عبدالقادر مؤمن على رأس "مطاريد" القاعدة الذين بايعوا البغدادي، لينضم إليه لاحقا عشرات المنشقين من حركة الشباب، ليؤسس فرع داعش في الصومال.
تمركز تنظيم داعش في "ولاية بونتلاند"، وتحديدا في (جبال عيل مدو) وهي منطقة وعرة يصعب الوصول إليها، ساعدهم على ذلك الطبيعة الجبلية وعدم وجود طرق ممهدة من البقاء واستمرار نشاطهم الإرهابي وتهديد المجتمع الصومالي، رغم الضربات العسكرية التي تعرضوا لها من الإدارة المحلية والشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم واشنطن.
وفي بداية نشأته لم يستقدم التنظيم عناصر من الخارج مكتفيا بضم المنفصلين عن حركة الشباب، وكان هدفهم الرئيسي الانتقام من الحركة نفسها، ما جعل تأثيره محدودا وألقى بظلاله على قدرته على الانتشار.
سقوط الخلافة المزعومة
لكن مع نهاية داعش في سوريا والعراق تدفق المئات من عناصر التنظيم من المركز إلى فروع التنظيم حول العالم خاصة أفريقيا، واستقبل الصومال عناصر إرهابية سودانية وإثيوبية إلى جانب جنسيات أفريقية أخرى في التنظيم.
ومع تنامي موجهة الهجرة إلى الصومال وفتح خط اتصال بين عناصر التنظيم في اليمن بات داعش يمثل خطرا حقيقيا على أفريقيا، وتزايدت عملياته النوعية ضد الحكومة الصومالية، وقوات حفظ السلام.
وبينما تشير بعض التقديرات إلى وجود نحو 280 داعشيا في الصومال، يقدر البعض عدد التنظيم بـ2000 مسلح.
وانعكس هذا التدفق على أداء التنظيم خلال السنوات القليلة الماضية، حيث نقل نشاطه من شمال البلاد إلى العاصمة مقديشو، الأمر الذي استدعى استجابة من السلطات التي بدأت منذ أواخر العام الماضي في الاستعداد إلى مواجهة داعش للسيطرة على انتشاره داخل البلاد.
لكن التنظيم أدرك تلك التحركات، فقام بخطوة استباقية وشن هجوما على بلدة "بلي طيطين"ن فتصدت له القوات الأمنية التابعة لشرطة الإقليم، وأسفرت المواجهات التي وقعت في ساعة متأخرة من ليل الخميس 13 يناير/كانون الثاني عن مقتل 50 داعشيا على رأسهم القيادي أبوالبراء الأماني، قائد عمليات تنظيم "داعش" فرع الصومال الذي يحمل الجنسية الإثيوبية.
وعين أبوالبراء في هذا المنصب في يوليو/تموز 2021، كما لعب دورا كبيرا في ضم عدد من الإثيوبيين إلى داعش.
ورغم خسائر التنظيم إلا أن الهجوم كشف عن تطور قدرات داعش القتالية ونوعية أسلحته المستخدمة.
ويبدو أن التحرك الأخير جاء ضمن خطة أمريكية لاحتواء خطر داعش في الصومال، حيث نقلت إذاعة "صوت أمريكا" تفاصيل العملية عن مصادر أمنية وسكان محليين، أكدوا وقوع غارة جوية منتصف ليل (الأربعاء) على جبال كالميكاد في ناحية إسكوشوبان التابعة لمنطقة باري في بونتلاند.
وأشارت الشبكة الأمريكية إلى أن معسكرات تدريب ومخابئ مليشيات تنظيم "داعش" تعرضت لقصف استمر حتى صباح الخميس، مع إنزال جوي كان يستهدف إلقاء القبض على بلال السوداني، لكن مواجهة مسلحة تمت بين الفريقين، أسفرت عن مقتل قرابة 11 عنصرا من التنظيم، من بينهم السوداني مسؤول التمويل والدعم اللوجستي لداعش في الصومال.
ويقود داعش في الصومال حاليا مؤسسه عبدالقادر مؤمن، ويعاونه القيادي ماهد معلّم، والقيادي محمد ذو اليدين، ويحرصون على إظهار ارتباطهم بالتنظيم المركزي بسوريا، فبعد تسمية أبوالحسن الهاشمي القرشي (قتل في وقت لاحق) أميرا سارعوا بإعلان بيعتهم للزعيم الجديد.