"الشرعية بالدم".. ما هي أسباب عودة داعش إلى سوريا؟
عودة أو استفاقة جديدة لتنظيم داعش الإرهابي بسوريا في الآونة الأخيرة، تطرح تساؤلات عن أسرار هذا التطور، وتوقيته وأسبابه.
عمليات متتالية
رغم خسارة معاقله في سوريا، فقد نفذ داعش ما يقرب من 40 هجومًا إرهابيًا، آخرها قبل أربعة أيام، عندما استهدف التنظيم الإرهابي بعض أبناء منطقة السخنة في أثناء جمعهم الكمأة في منطقة الضبيات بريف السخنة الجنوبي في بادية حمص، ما أسفر عن مقتل قرابة 53 شخصا.
ويلاحظ أن التنظيم يكثف نشاطه في البادية السورية، إذ نفذ هجومًا مماثلًا قبل في منطقة تابعة لريف حمص أيضًا، مما دفع الجيش الأمريكي إلى القيام بغارة في شرق سوريا مطلع الأسبوع الجاري بالاشتراك مع قوات سوريا الديمقراطية، أسفرت عن اعتقال مسؤول في تنظيم "داعش"، بحسب بيان للقيادة المركزية الأمريكية.
وقالت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" في البيان، إنه تم اعتقال القيادي المعروف باسم "بتار" في الغارة، وهو "مسؤول بولاية داعش سوريا، وضالع في التخطيط لهجمات على مراكز احتجاز خاضعة لحراسة قوات سوريا الديمقراطية، وتصنيع عبوات ناسفة".
وهكذا يثير شبح نشاط التنظيم الجديد مخاوف العديد من المراقبين من عودته؛ فالظهور الثاني قد يكون أخطر مما شهده العالم مطلع العام 2015.
هل عاد "داعش" أم هي صحوة مؤقتة؟
يرى هشام النجار، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أن هناك فارقا كبيرا بين التنظيم الذي أسس ما يسمى "دولة الخلافة" وداعش الآن، صحيح أنه استعاد بعض قدراته القتالية، بعد الضعف الشديد الذي عانى منه عقب تلقيه عدة ضربات مفصلية، وخسارته القادة الميدانيين، حيث لم يتبق من التنظيم إلا الفلول.
والآن هذه الفلول تحاول استعادة قدراتها التنظيمية والقتالية، لكن ليس لدرجة السيطرة على الأرض، فهي مجرد استعادة تسمح لهم بأن يكونوا تنظيمًا سريًا مسلحًا، ينفذ بعض العمليات الإرهابية.
يؤيد هذا الرأي عمرو فاروق، الكاتب والباحث المختص بالجماعات المتطرفة، ويؤكد أن الإفاقة الحالية لداعش لن تسمح له بالتمركز أو السيطرة على مساحات من الأراضي، ليقيموا عليها "دولتهم المزعومة بنفس الصورة التي شهدها العالم في 2014 بالرقة".
عودة خطرة
فيما يرى طارق البشبيشي الكاتب والباحث في الإرهاب والتطرف الدولي، أن استعادة داعش بعضا من قدراته تمثل خطرا كبيرًا، ولا يمكن اعتباره صحوة مؤقتة، فعقيدة "التنظيمات الإسلاموية" تدفعها إلى التمدد، والسعي لمرحلة التمكين، وبالتالي أي استعادة لأي من مكتسباتهم السابقة سواء القتالية أو الجغرافية، يعني أننا أمام ميلاد جديد لتنظيم دموي قاتل، والتهاون معه يعني أننا سنشهد مرحلة أكثر دموية مما عرفها العالم.
أسباب عودة الروح لداعش
إذا كنا أمام عودة الروح لداعش واستعادة قدراته القتالية والتنظيمية، لدرجة أنه نفذ عملية يوميًا خلال شهر يناير/كانون الثاني 2023، فإن السؤال الملحّ "ما هي الأسباب الحقيقية وراء عودته بهذه الصورة القوية؟".
يجيب "فاروق" أن هناك عدة أسباب إقليمية لعودة داعش في سوريا، منها تراجع الجهود الدولية لمكافحه الإرهاب، نظرًا للانشغال بصرعات دولية أخرى، وهجمات تركيا على شمال سوريا، التي علقت قوات "قسد" بسببها عملياتها ضد داعش الفترة الأخيرة.
ومن الأسباب كذلك المغادرة الروسية عقب الحرب في أوكرانيا، التي أدت إلى فراغ أمني سبّب عدم توازن القوى في المنطقة.
ويضيف عمرو فاروق، الكاتب والباحث المختص بالجماعات المتطرفة، سببًا جديدًا لعودة داعش، قائلا: "إن وجود عشرات الألوف من السجناء الدواعش سواء في السجون النظامية أو في المخيمات مثل مخيم الهول، من أهم العوامل التي ساعدت على تعويض النقص في عناصر التنظيم سواء بفرار بعض القادة أو بانضمام ما كان يُعرف بـ"أشبال الخلافة"، بعدما اشتد عودهم ودخلوا مرحلة الشباب".
"الشرعية" بالدم
يُرجع عمرو عبدالمنعم، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أن السبب الرئيسي في عودة "داعش" لارتكاب جرائمه في سوريا إلى وجود عوامل ذاتية تخص تنظيم داعش، منها حرص زعيمه الجديد على التمهيد لبيعة عناصره بأعمال تعطيه استحقاق القيادة والإمارة.
ويسوق على هذا التأكيد أمثلة من تاريخ داعش، منها أن أبوبكر البغدادي الزعيم الأشهر للتنظيم، استمد "شرعيته" للقيادة من موقعه في الصف الأول، ومن خلال سجنه في أبوغريب، وعندما قتل عام 2019 تم تعيين الزعيم الثاني أبوإبراهيم القرشي، الذي كان يستمد "شرعيته" كونه من القادة الميدانيين إلى أن قُتل في فبراير/شباط 2022، في غارة أمريكية على مدينة إدلب السورية؟
ثم تم تعيين أبوالحسن الهاشمي القرشي، الذي يستمد "شرعيته" في صفوف التنظيم من كونه من أمراء الصف الأول، وتولى عدة مناصب من بينها أمير "ديوان القضاء والمظالم" و"إمارة المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية" إلى أن قُتل في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقد خرج المتحدث باسم التنظيم "أبوعمر المهاجر" في تسجيل صوتي معلناً مقتله، وتعيين أبوالحسين الحسيني القرشي، قائدًا جديدًا للتنظيم.
ويخلص عبدالمنعم من هذا السرد التحليلي، إلى أن القائد الجديد للتنظيم يحتاج إلى أن يستمد "شرعية" من أعمال دموية، ليحظى بموافقة باقي أفرع التنظيم.
بزوغ "قادة خراسان"
أما النجار فيتحدث عن تفاصيل جديدة حول النزاعات الداخلية، قائلا إنه "لا يجب أن نغفل بزوغ نجم قادة داعش/فرع ولاية خراسان، والمتمركز في أفغانستان، والتي يطالب قادتها بضرورة انتقال القيادة كلها -وليس فقط منصب أمير التنظيم - من سوريا إلى أفغانستان".
ولهذا يرى النجار أن نشاط داعش في سوريا بدأ ضد الأهالي، لأنهم الحلقة الأضعف، وفي مناطق بعيدة عن القبضة الأمنية والسلطة المركزية، فقط لإثبات قدرتهم القتالية، وأن داعش باقٍ في سوريا وتتمدد.
يضيف عبدالمنعم للأسباب الذاتية لداعش توفر مصادر تمويل جديدة للتنظيم، بعيدا عن الوسائل التقليدية؛ فقد تمكنوا من استقبال شحنات من الأسلحة، إضافة لوجود خلايا نائمة للتنظيم ساعدت إلى حد كبير في تنفيذ عملياتهم والظهور وكأنهم ولدوا من جديد.
لماذا بادية سوريا؟
وحول سؤال لماذا تمركزت عمليات داعش في "بادية سوريا" أوضح النجار أن تلك المنطقة تمتاز بطبيعة جغرافية وعرة، فهي صحراء ممتدة ما بين حمص بالداخل ودير الزور في الشريط الحدودي على التماس بين سوريا والعراق، مما جعلها منطقة مناسبة للاختباء وإعادة ترتيب الصفوف.
وكونها بالقرب من الحدود العراقية -يضيف النجار- جعلها محطة التقاء للفارين الدواعش من العراق ومن سوريا، لهذا كان من السهل عليهم استهداف المدنيين العزل، وضرب عصفورين بحجر واحد: الانتقام من الأهالي، وتحقيق الرعب في نفوس المحيطين بهم، وإعلان وجود على الساحة السورية.