الهجمات الأمريكية ضد داعش.. هل ستمنع التنظيم من استغلال الفراغ بسوريا؟
في محاولة لمنع «داعش» من استغلال فراغ السلطة في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، صعدت الولايات المتحدة من معركتها ضد التنظيم الإرهابي، عبر شنها بعضا من أعنف الضربات الجوية منذ سنوات.
وخلال الأسبوعين الماضيين، ضربت القوات الأمريكية أكثر من 75 هدفاً لتنظيم «داعش»، خلال موجتين من الهجمات استهدفتا قادة ومعسكرات إرهابية في سوريا، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 مسلحاً وقصف مناطق كانت خاضعة في السابق لسيطرة الجيش السوري.
كما زار الجنرال مايكل كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، شمال شرقي سوريا للقاء القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية، الحليف المحلي الرئيسي لواشنطن في القتال ضد تنظيم داعش.
وتقول صحيفة «فايننشال تايمز»، إن النشاط العسكري المكثف، الذي بدأ بعد ساعات من فرار الأسد إلى موسكو مع سيطرة المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، يؤكد المخاوف الأمريكية من أن تنظيم داعش سيستغل الفراغ الناجم عن انهيار نظام الأسد لإعادة بناء صفوفه.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يوم الأربعاء إن «الخطر الأكبر الذي أراه هو عودة تنظيم داعش، لأنه يريد الاستفادة من أي فراغ أو عدم استقرار في سوريا».
تهديد حقيقي
وأضاف: «لن أبالغ في وصف الأمر. هذا تهديد حقيقي ــ تهديد عودة الإرهاب إلى سوريا، بسبب ما حدث. ويتعين علينا وعلى الجميع في المنطقة أن نتصدى لهذا التهديد بقوة».
وكانت سوريا في يوم من الأيام جزءًا من «الخلافة» التي أعلنها تنظيم داعش، وهي موطن لعدة آلاف من المقاتلين الإرهابيين، وسجون للمسلحين الأسرى ومعسكرات تضم أكثر من 40 ألفا من أفراد داعش وعائلاتهم.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن التحالفات الدولية أضعفت تنظيم داعش بشكل كبير منذ شن الإرهابيون هجوما خاطفا عبر العراق وسوريا قبل عقد من الزمان واستولوا على مساحة من الأرض بحجم بريطانيا تقريبًا، مشيرة إلى أنه تم طرد التنظيم من معاقله الإقليمية المتبقية في عام 2019، إلا أنه يعمل الآن عبر شبكة من الخلايا، وكذلك من خلال فروع في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا.
وقد قدرت القيادة المركزية الأمريكية في يوليو/تموز الماضي، أن عدد مقاتلي داعش في سوريا والعراق يبلغ 2500 مقاتل. وفي سوريا، اقتصر وجودهم إلى حد كبير على جيوب في الصحراء الوسطى والشرقية بين الأراضي التي كانت تحت سيطرة الجيش السوري، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي يهيمن عليها المسلحون الأكراد.
لكن التنظيم كان أكثر نشاطا هذا العام، بحسب القيادة المركزية الأمريكية التي قالت إن «داعش» أعلن عن 153 هجوما في النصف الأول من العام وأنه «في طريقه إلى أكثر من ضعف» العدد الإجمالي لعام 2023، مما يشير إلى أن «داعش يحاول إعادة تشكيل نفسه».
الواقع أسوأ
وقال تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط لصحيفة «فايننشال تايمز»، إن «الواقع أسوأ بكثير، مما يشير إليه بيان القيادة المركزية الأمريكية، حيث إن تنظيم داعش لا يعلن مسؤوليته إلا عن جزء بسيط من هجماته في سوريا والعراق».
وأضاف أن تنظيم داعش نفذ هجمات أكثر تعقيدا هذا العام، بما في ذلك الكمائن المنسقة والاغتيالات المستهدفة والاعتداءات على منشآت النفط والغاز، فضلا عن نقاط التفتيش.
أكثر تعقيدا
وتواجه المعركة ضد تنظيم داعش، الآن خطر أن تصبح أكثر تعقيدا وخطورة بعد أن قادت هيئة تحرير الشام الهجوم الذي أطاح بالأسد، حيث ترى مجموعة كبيرة من الفصائل المحلية والقوى الأجنبية فرصة لمتابعة مصالحها الخاصة.
وقالت تركيا، إن «هدفها الاستراتيجي» هو القضاء على الحركة الكردية المسلحة التي تهيمن على قوات سوريا الديمقراطية، والتي تعتبرها امتداداً للانفصاليين الأكراد الذين قاتلوا الدولة التركية لعقود من الزمن.
وتنشر أنقرة آلاف الجنود في شمال سوريا لصد المسلحين الأكراد، ما يترك الولايات المتحدة، التي لديها نحو 900 جندي في سوريا، تحاول الحفاظ على السلام بين حليفتها في حلف شمال الأطلسي والقوة السورية التي سلحتها ودربتها لمحاربة الإرهابيين.
ويقول الخبراء إن هناك خطرا كبيرا قد يحدث إذا هوجمت قوات سوريا الديمقراطية في الحسكة في شمال شرق سوريا، حيث تدير المجموعة التي يقودها الأكراد مرافق احتجاز لنحو 9000 سجين من داعش، بما في ذلك الإرهابيون الأجانب.
جيش داعش الحقيقي
وفي سبتمبر/أيلول، وصف كوريللا السجون بأنها «جيش داعش الحقيقي والمجازي قيد الاحتجاز»، محذرا من أنه إذا هرب عدد كبير من المسلحين «فسيشكل ذلك خطرا شديدا على المنطقة وخارجها».
وقال آرون زيلين، الخبير في شؤون الجهادية في معهد واشنطن للأبحاث، إن منع هروب مقاتلي داعش من السجون «ربما يكون أحد أهم الأمور التي يجب القيام بها في المستقبل لضمان استقرار كل شيء».
لكنه أضاف أنه «إذا حرصت الولايات المتحدة على عدم حدوث أي شيء من هذا القبيل»، فإن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش يمكن التعامل معه من خلال الضربات الجوية الأمريكية والعمليات البرية.
وقال الخبراء إنه سيكون من مصلحة هيئة تحرير الشام، دعم الحملة ضد تنظيم «داعش».
وقال زيلين إن «هيئة تحرير الشام وتنظيم داعش يتقاتلان منذ 11 عاما ونصف العام، إنهما يكرهان بعضهما البعض».
فيما قال جيروم دريفون، الخبير في مركز الأزمات الدولية، إن منع عودة تنظيم داعش سيكون أمرا حيويا لجهود هيئة تحرير الشام الرامية إلى تحقيق الاستقرار واكتساب الشرعية لدى القوى الدولية.
وقد صنفت الولايات المتحدة والأمم المتحدة وجهات أخرى الجماعة والجولاني، الذي بدأ يستخدم اسم ميلاده أحمد الشرع، كإرهابيين. لكن واشنطن والقوى الغربية الأخرى بدأت في التواصل مع هيئة تحرير الشام على أمل دعم الانتقال السلمي في سوريا مع إعطاء مكافحة الإرهاب الأولوية.
ماذا ستفعل تحرير الشام؟
ويقول الخبراء إن جهود هيئة تحرير الشام للحصول على الدعم الغربي تعني أنها من المرجح أن ترغب في التوصل إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، بدلاً من خوض معركة.
وقال دريفون إن «هيئة تحرير الشام تريد الشرعية، وأسهل طريقة للحصول عليها هي القول إننا نستطيع محاربة الإرهاب معًا. إنهم لا يبحثون عن قتال مع قوات سوريا الديمقراطية.. ولن يعارضوا حليفًا للولايات المتحدة».
وسيكون هناك متغير آخر يتعلق بكيفية تعامل دونالد ترامب مع سوريا ونشر الجنود الأمريكيين في البلاد بعد توليه منصبه في يناير/كانون الثاني.
وفي ولايته الأولى، هدد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، مما أثار ردود فعل عنيفة في الداخل والخارج، ثم بدا وكأنه أعطى الضوء الأخضر لهجوم تركي ضد قوات سوريا الديمقراطية. وكرر هذا الشهر أن الولايات المتحدة «لا ينبغي أن يكون لها أي علاقة» بسوريا.
لكن دانييل بايمان، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قال إن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب تجعل توقع خطواته التالية أمرا صعبا.
وقال إن «الرئيس كان مترددا بشأن هذه القضية. فقد بدا وكأنه يدعم دوراً تركياً أكبر، لكنه قال إنه كان عليه قبل أربع سنوات سحب الولايات المتحدة من سوريا، لكنه لم يفعل».
aXA6IDE4LjExOC4zMS4wIA== جزيرة ام اند امز