حرب غزة.. هل تغذّي عودة داعش إلى الشرق الأوسط؟
تهديدات لـ«داعش» تزايدت وتيرتها في الآونة الأخيرة، ما أثار تساؤلات حول علاقتها بحرب غزة، وما إذا كان الوضع في القطاع المحاصر، سيغذي عودة التنظيم الإرهابي.
فبحسب تقرير أصدرته وكالات حكومية أمريكية في بداية العام، فإنه بينما كانت هجمات التنظيم الإرهابي عند أدنى مستوياتها القياسية في الربع الأخير من عام 2023 عندما كانت الحرب في مراحلها المبكرة، تغيرت الأوضاع بشكل كبير مع استمرار حرب غزة على مدى الأشهر التالية.
هل يعود داعش؟
تغير دفع، القيادة المركزية الأمريكية إلى التحذير في يوليو/تموز الماضي من أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية في سوريا والعراق، فمن المرجح أن يضاعف داعش هجماته في 2024، وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستيت كرافت".
وفي تقرير صادر في يوليو/تموز، لاحظت الأمم المتحدة ارتفاعًا في الأعمال العدائية للتنظيم الذي كثف هجماته في سوريا منذ أوائل 2024 حيث شهد شهر مارس/آذار بعض أسوأ أعمال العنف منذ سقوط التنظيم.
ويرجع هذا الارتفاع الحاد في نشاط داعش جزئيا إلى رد الفعل الإقليمي على حرب غزة. ووفقا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، فإن الهجمات التي شنتها الجماعات المدعومة من إيران على القوات الأمريكية المتمركزة في سوريا والعراق بعد بدء الحرب عاقت العمليات ضد داعش.
واستفاد داعش أيضا من تحويل موارد إيران وحلفائها الشيعة في العراق وسوريا التي كانت مفيدة في هزيمة التنظيم، فأعادت طهران والجماعات المتحالفة معها مثل حزب الله نشر بعض قواتها من عمق سوريا حيث كانت أكثر تركيزا على مواجهة داعش وغيره من الجماعات المتطرفة إلى جنوب لبنان والمناطق الأقرب للجولان؛ لزيادة الضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة، وفقا لما ذكره معهد دراسة الحرب.
وفي تقرير صادر بعد أيام قليلة من الحرب، رجح المعهد أن يستفيد داعش من عمليات إعادة الانتشار لإيران وحلفائها، لأنها قللت من الضغوط على التنظيم داخل سوريا.
من جهة أخرى، فإن الدعم الأمريكي "القوي" والمستمر لإسرائيل قد يقوض جهودها لمكافحة الإرهاب في سوريا والعراق.
كيف ردت أمريكا؟
خلال أقل من أسبوع، نفذت القوات الأمريكية عمليتين رئيسيتين استهدفت من خلالهما عناصر تنظيم داعش في سوريا والعراق.
وانطلقت عملية مشتركة أمريكية عراقية واسعة النطاق في محافظة الأنبار، وأشارت التقارير إلى مقتل 14 مسلحًا على الأقل من التنظيم، وجرى اعتقال زعيم داعش المتهم بمساعدة أعضاء التنظيم الإرهابي الذين فروا من الاحتجاز في سوريا، وذلك وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستيت كرافت".
وتكشف العمليتان عن تبني الجيش الأمريكي نهجا أكثر «عدوانية» تجاه «داعش»، مقارنة بالسنوات الأخيرة. ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" عملية الأنبار، بأنها واحدة من أكبر الهجمات ضد داعش في العراق منذ سقوط ما يسمى الخلافة في 2019.
ووفقا للمعلومات، فإن العملية شارك فيها أكثر من 100 من عناصر العمليات الخاصة الأمريكية، أصيب 7 منهم خلال العملية، ما يشير إلى مدى جدية صناع القرار في الولايات المتحدة للتعامل مع تهديدات داعش.
يأتي ذلك بعدما توصلت واشنطن إلى اتفاق مع بغداد لسحب قواتها البالغ عددها 2500 جندي تدريجيا من العراق على مدار العام المقبل، وصولا إلى انسحاب كامل بحلول نهاية 2026 والإبقاء على قوة صغيرة بالمنطقة الكردية في أربيل.
وقال ستيفن سيمون، الباحث البارز في معهد كوينسي والمدير السابق للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، فإن "إدارة الرئيس جو بايدن تعتقد أن الولايات المتحدة لديها مصلحة استراتيجية في استقرار العراق، وأن داعش يهدد هذا الاستقرار".
وأضاف "من الجدير بالملاحظة أن عملية الأنبار أطلقت بعد الاتفاق الأمريكي العراقي على الخفض الإجمالي في مستويات القوات الأمريكية وعلى مهمة تدريب للقوات المتبقية".
ولم يكن الحفاظ على استقرار العراق هو الهدف الوحيد لعملية الأنبار حيث ذكرت "نيويورك تايمز" أن الهدف الأساسي كان قائدا رفيع المستوى في داعش مسؤولا عن توجيه عمليات المجموعة في الشرق الأوسط وأوروبا حيث ارتفع مؤخرا النشاط المرتبط بالتنظيم الذي يستهدف حلفاء واشنطن المقربين.
ارتفاع الهجمات
في يوليو/تموز الماضي، أعلن داعش مسؤوليته عن هجوم على مسجد شيعي في عمان، أسفر عن مقتل ستة أشخاص، وهذه هي المرة الأولى التي تقع فيها السلطنة ضحية للإرهاب المرتبط بداعش.
والشهر الماضي، أسفر هجوم بالسكين عن مقتل 3 أشخاص، وزعم التنظيم أن الهجوم كان مدفوعا بحرب إسرائيل على غزة.
وفي الشهر نفسه، أحبطت السلطات النمساوية مؤامرة مرتبطة بداعش لشن هجوم خلال حفل موسيقي لتايلور سويفت في فيينا.
ويؤكد القبض على زعيم داعش خالد أحمد الدندا، المتهم بمساعدة المعتقلين الهاربين من داعش في سوريا، الانطباع بأن واشنطن تأخذ طموحات التنظيم على محمل الجد.
ماذا يعني ذلك؟
حذر قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا بشكل صارخ من التهديد المحتمل الذي يشكله سجناء داعش المحتجزون في سوريا، مشيرا في بيان إلى أن "أكثر من 9000 معتقل من داعش لا يزالون في أكثر من 20 منشأة احتجاز تابعة لقوات سوريا الديمقراطية في سوريا".
ووصف كوريلا هؤلاء بأنهم يمثلون "جيش داعش حرفيا ومجازيا"، وحذر من أن "فرار عدد كبير من مقاتلي داعش من شأنه أن يشكل خطرا شديدا على المنطقة وخارجها".
ويسلط البيان الضوء على القلق بشأن احتمال أن يخطط التنظيم لمحاولة الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي مرة أخرى، وهو ما يتطلب قوة بشرية إضافية كبيرة.
وقال بول بيلار، المحلل السابق لمكافحة الإرهاب والشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات المركزية، إن القيادة الأمريكية تفكر في أنه في حال إطلاق سراح عدة مئات من معتقلي التنظيم يعني أن يكون هؤلاء جزءا من قوة ستستولي على الأراضي، مشيرا إلى أن تاريخ خلافة داعش التي ضمت أجزاء كبيرة من العراق وسوريا ليس بعيدًا.