"داعش" في صدارة المشهد الأفغاني.. لماذا مطار كابول؟
عاد تنظيم "داعش" الإرهابي في أفغانستان إلى صدارة المشهد من جديد، إثر تفجيري مطار كابول، ما يضفي مزيدا من التعقيد على المشهد الأفغاني.
وفي وقت سابق اليوم، أفاد مسؤول بالصحة الأفغانية بارتفاع عدد ضحايا التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا، أمس الخميس، قرب مطار العاصمة الأفغانية كابول إلى 79 قتيلا، و120 جريحا.
وحرك الانفجاران استنكارا دوليا واسعا خاصة أنهما جاءا في توقيت بالغ الحساسية وفي بلد تطوقه الفوضى منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم، وانهيار الحكومة السابقة، ما يشكل إحراجا سواء للحركة التي تحاول بعث رسائل طمأنة للغرب بشأن الأوضاع الأمنية والتهديدات، أو الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يواجه اتهامات بأن قرار سحب قواته سهل سقوط أفغانستان.
كما طرحت الانفجارات تساؤلات عديدة حول مغزى التوقيت، والأهداف، والتداعيات على المدى القريب.
وفي محاولة لملء هذه الفراغات، والبحث عن إجابات، قال خبراء ومحللون سياسيون وأمنيون مصريون في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" إن تفجيرات مطار كابول تحمل رسائل عديدة سعى داعش إلى توجيهها لجميع الأطرف المرتبطة بالترتيبات السياسية والأمنية في المرحلة الجديدة بأفغانستان.
وعلى المستوى التكتيكي يسعى "داعش" إلى بسط النفوذ والسيطرة في أفغانستان، تمهيدا لتأسيس قاعدة ارتكاز محتملة لقيادة التنظيم بعد تراجعه في العراق وسوريا، وفق هؤلاء الخبراء.
وأعلن تنظيم داعش بعد نحو عشرة أيام من سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول، استمراره في استهداف المصالح الأمريكية والغربية، وتوعد حركة "طالبان" بمزيد من العمليات الإرهابية خلال المرحلة المقبلة.
بسط النفوذ والسيطرة
وفي قراءتها لمغزى توقيت تفجيرات مطار كابول، تقول دلال محمود، الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في حديث لـ"العين الإخبارية" إن تنظيم داعش المعروف بـ"ولاية خراسان" يسعى لبسط نفوذه وسيطرته، ويريد أن يؤكد حضوره القوي، وأنه لن يضعف أو يتراجع أمام طالبان.
وتماشيا مع هذا الطرح، تشير إلى أن "داعش" يسعى إلى اتخاذ "ولاية خراسان" مركزا إقليميا له في آسيا، بعد تراجع نفوذ التنظيم في العراق وسوريا.
وتؤكد أن "التوقيت وضخامة العملية الإرهابية في صالح داعش الذي يريد أن ينضم إليه العناصر الأكثر تطرفا والتي يمكن أن تذهب إلى أفغانستان من كافة البؤر الإرهابية في المنطقة".
ذريعة للانسحاب
وترى "محمود" أن وقوع التفجيرات الإرهابية خاصة بعد تحذيرات للرئيس الأمريكي جو بايدن من هجوم إرهابي يخطط داعش له، قدم للأخير ما يريده لاستكمال الانسحاب نهاية أغسطس/آب الجاري، بعد أن أصبح لديه ذريعة لعدم التجاوب مع من يدعونه لإبقاء بعض القوات الأمريكية في أفغانستان.
وقبل يومين من الهجوم، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن كل يوم إضافي في أفغانستان هو مساحة زمنية يخطط فيها "داعش" لشن هجوم إرهابي على المطار لضرب القوات الأمريكية والقوات الحليفة والمدنيين الأبرياء وهذا بالفعل ما حدث.
وحول تنظيم القاعدة، قالت محمود إن التنظيم يمر بمرحلة إعادة ترتيب لأولوياته خاصة بعد إفراج طالبان عن عناصره الذين كانوا في السجون الأفغانية.
ولم تستبعد الخبيرة المصرية أن تشهد المرحلة القادمة دورا أكبر للقاعدة بالاتفاق مع طالبان وذلك لمواجهة تنظيم داعش.
قاعدة ارتكاز لـ"داعش"
بدوره، يتفق أحمد كامل البحيري، الباحث المصري المتخصص بشؤون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مع ما ذهبت إليه أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة.
ويقول لـ"العين الإخبارية": "داعش يسعى لتعزيز نفوذه وقوة فرعه "خراسان-أفغانستان" من أجل تأسيس قاعدة ارتكاز محتملة لقيادة التنظيم بعد تكثيف الضربات الأمنية ضده في كل من سوريا والعراق، وهو ما يجعل من أفغانستان ساحة مرشحة لانتقال قيادته وعناصره".
ويضيف: "يسعى التنظيم الإرهابي إلى استغلال حالة الارتباك في الداخل الأفغاني بهدف توسيع نطاق العمليات الإرهابية، في محاولة لإثبات النفوذ والسيطرة، في ظل تراجع، بل توقف نشاط تنظيم القاعدة".
استقطاب وتجنيد
كما يستهدف التنظيم استقطاب مزيد من العناصر المتطرفة والتي ترى أن وصول حركة "طالبان" إلى الحكم جاء بناءً على اتفاق مع الولايات المتحدة، لضمان وقف نشاط التنظيمات المتطرفة في الداخل الأفغاني، وفقا للبحيري.
ودلل بتصريح وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، في 28 يوليو تموز الماضي، الذي قال فيه إن هناك "إمكانية لتوافد مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من سوريا وليبيا وعدد من الدول الأخرى إلى أفغانستان".
كما حذر البحيري من احتمال تنامي عمليات تنظيم داعش خلال الفترة المقبلة، وبشكل خاص بالأفرع الرئيسية: خراسان (أفغانستان) والعراق وسوريا وغرب أفريقيا ووسط أفريقيا.
ويعرف تنظيم "ولاية خراسان" بأنه العدو اللدود لحركة طالبان، حيث خاض الطرفان معارك عنيفة في الماضي.
ملء الفراغ الأمريكي
من جهته، يحذر طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في حديث لـ"العين الإخبارية" من أن هناك خطورة لتمدد تنظيم داعش خرسان، حيث إنه تنظيم قوي ومركزي.
ولفت إلى أن توقيت استهداف مطار كابول يعد رسالة للإدارة الأمريكية بضرورة مراجعة سياساتها، وهو ما دفعها أمس لبحث دراسه البدائل والخيارات لوجودها في أفغانستان.
كما أبرز أن هناك سيناريو أمريكيا لإعادة الانتشار والتمركز بمناطق قريبة من أفغانستان للرد على أي احتمالات لتجدد العنف بصورة أو بأخرى، لأنه سيكون هناك فراغ لا بد أن يملأ.
ونبه إلى أن هناك بعض السيناريوهات الأخرى التي تم تداولها خلال الساعات الأخيرة وتتمثل في بقاء قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أو تدخل روسيا بقوات نوعية كلها أمور مقترحة.
وفي السياق، اعتبرت دراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مؤخرا أن التفجيرات التي استهدفت مطار كابول، بمثابة رسالة سعى تنظيم "داعش" إلى توجيهها إلى كل الأطراف المعنية بالترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في مرحلة ما بعد وصول "طالبان" إلى حكم أفغانستان.
وأكدت الدراسة أن الساحة الأفغانية تشهد تنامياً ملحوظاً في عدد عمليات تنظيم "داعش"، الذي بدأ في توسيع نطاق تحركه وسيطرته الجغرافية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وفي تحليلها لمسار عمليات التنظيم خلال العام الجاري، قالت دراسة مركز الأهرام إن هناك تصاعداً في تلك العمليات، خاصة مع سيطرة حركة "طالبان" على كابول، وهو ما حاول "داعش" إظهاره.
ونشر التنظيم في 12 أغسطس الجاري، قبيل دخول حركة "طالبان" كابول بأيام قليلة، إحصاء حول عدد العمليات الإرهابية التي نفذها خلال الفترة من أغسطس 2020 وحتى أغسطس 2021 في "خراسان" والتي بلغت 269 عملية إرهابية، وهو ما ينذر بتصاعد كبير في نشاط "داعش" خلال المرحلة الجارية، على نحو قد يؤثر بشكل كبير على باقي أفرع التنظيم المنتشرة بدول الإقليم.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDkuMTQ0IA== جزيرة ام اند امز