تركيا في أفغانستان.. هل تقبر التحديات أطماع أردوغان؟
انقلبت إحداثيات المشهد الأفغاني بشكل سريع ومفاجئ، ولم يترك لتركيا هامشا من الوقت للمناورة للتوسع في بلد تعتبره بوابة نفوذ إقليمي جديد.
فأنقرة التي أجهض التقدم السريع لطالبان في أفغانستان مساعيها لاستخدام مطار العاصمة الأفغانية ورقة ضغط لإعادة تحريك العلاقات مع واشنطن، تحاول الرجوع من ذات الباب، لكن في عباءة مختلفة محاولة قلب الأدوار.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن، الجمعة، عرضا قدمته حركة طالبان للحكومة التركية يتمثل بتشغيل مطار حامد كرزاي الدولي بكابول، في تصريح يأتي غداة تفجير انتحاري مزدوج ضرب محيط المطار وأسفر عن مقتل العشرات من المدنيين إضافة إلى جنود أمريكيين.
فما الذي حدث حتى يقفز أردوغان إلى الواجهة من جديد بتصريحات لم يغفل أن يضمنها إعلان الدخول بـ"أول" مفاوضات مع طالبان، وإن استبعد محللون أن تكون الأولى بالفعل.
أردوغان أضاف أيضا أن حكومته لم "تتخذ بعد قرارا بهذا الصدد"، في مسعى لخلق نوع من المسافة التي تمنح المتقبل قناعة بأن أنقرة التي عرضت ضمان الأمن في مطار كابول قبل أسابيع هي من "تفكر" اليوم قبل الرد على الحركة.
وبخصوص الهجوم الانتحاري المزدوج الذي استهدف محيط مطار كابول، الخميس، اعتبر أردوغان أن "قيام داعش بخطوة مماثلة في هذه المرحلة يكشف مدى خطورة التنظيم بالمنطقة والعالم"، في تحذير مبطن يؤكد على ضرورة الدور التركي في أفغانستان.
ما وراء السطور
يرجح مراقبون أن يكون هجوم كابول هو ما دفع طالبان لتقديم عرضها لتركيا، دون استبعاد أن يكون شبح أنقرة نفسه وراء التفجير المزدوج، فعلاقات الأخيرة بالتنظيمات الإرهابية، خصوصا داعش"، يعزز الفرضية، خصوصا أن التسلسل الأخير للأحداث في أفغانستان مضى عكس تيار تركيا التي كانت تعدّ لتنفيذ خطة تأمين المطار قبل دخول طالبان.
نفوذ تأمل أنقرة الحصول عليه في بلد يتهيأ للدخول في "لعبة كبرى" جراء تداعيات الانسحاب الأمريكي وما خلفه من فراغ منح طالبان المجال للعودة إلى السلطة، من منطلق إدراكها أن لا وقت أنسب من بدء مسارها أكثر من الارتباك الذي خلفه هجوم أحرج طالبان أمام العالم، وأسقطها بأولى اختبارات السلطة و"الشرعية".
حدث سلط الضوء على أهمية العامل الأمني في خضم المتغيرات، وأجبر طالبان على التعامل بجدية أكبر مع عرض أنقرة حول تأمين المطار، وهو ما دفعها لتقديم العرض لتركيا.
طرح آخر يفرض نفسه في ظل المعادلة بالغة التعقيد في أفغانستان، وهي أن تكون أنقرة ضغطت على أزرار الإرهاب في كابول، واستثمرت علاقاتها بتنظيم داعش في سوريا والعراق، لتنفيذ الهجوم عبر فرعه الأفغاني "داعش خراسان"، فتضرب الحكومة التركية بذلك أكثر من عصفور: تحرج طالبان وواشنطن، وتصفع الحركة على إجهاضها لمخططاتها بالسيطرة على السلطة، وتحصل على مطار كابول.
روسيا والصين وإيران
بتلقيها العرض، تدخل أنقرة على خط المفاوضات مع طالبان، وهي التي ربطت سابقا موقفها من التطورات في أفغانستان بـ"ما ستؤول إليه الأمور"، فيما بدا موقف الصين وروسيا اللتان كثفتا اتصالاتهما مع طالبان عقب قرار الانسحاب الأمريكي، أكثر وضوحا.
فقد أبقت روسيا سفارتها مفتوحة في كابول استعدادا لإجراء محادثات مع الحركة، واعتبرت خارجيتها حينها أن الوضع في كابول "يتّجه نحو الاستقرار"، قبل أن تبدي انشغالا خاصا بالبعد الأمني واهتماما بطمأنة حلفائها في طاجيكستان وتركمانستان.
أما الصين التي تتشارك حدودا مع أفغانستان تمتد بطول 76 كيلومترا، فأعربت عن استعدادها لإقامة "علاقات ودية" مع طالبان، وهي التي تخشى أن تتحول تلك الحدود المحاذية لمنطقة مسلمي الإويجور (شينجيانغ) إلى منصة لـ"الانفصاليين" تستخدمها جارتها.
فالصين تبدي أيضا اهتماما لسبب آخر بهذا البلد الواقع على "طريق الحرير" الجديد، ولهذا أعربت عن استعدادها للاستثمار في تطوير بنيته التحتية، رغم أن التوازنات الإقليمية المبنية أساسا على تحالفها مع باكستان، وحساسية العلاقة بين إسلام آباد وكابول، علاوة على إمكانية دخول الهند على الخط، يمكن أن يقيد دورها.
وبالتوازي مع ذلك، عملت إيران، بالفترة الأولى من بدء تحرك طالبان، على استضافة قياديين من الحركة والحكومة الأفغانية، لكن جهودها في التقرب تبددت مع استيلاء طالبان على المعابر الحدودية.
مشهد متداخل ومعقد تدرك أنقرة أن التسلل عبره يبدأ من المطار، والاستفادة من سجل وجودها في أفغانستان ضمن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث اقتصر دورها على تدريب قوات الأمن الأفغانية وحماية مطار كابول وتقديم المساعدات الإنسانية.
لكن حتى هذا "السجل" قد لا يفتح أمامها أبواب أفغانستان على مصراعيها، بل قد تكون كابول التائهة بين الجبال والحروب "مقبرة" لأطماع تركيا في بلد يتميز بموقع جيواستراتيجي، وتطوقه النزاعات من كل جانب، ما يجعل التورط فيه بأي شكل من الأشكال، بمثابة انتحار بطيء.
aXA6IDE4LjExOC4wLjQ4IA==
جزيرة ام اند امز