"العين الإخبارية" تشارك بعثة الأزهر بأفغانستان "رحلة النجاة"
"رحلة نجاة" حملت البعثة المصرية في أفغانستان من "أرض الخوف" إلى الوطن، وفي ثناياها تفاصيل لحظات عصيبة طغى عليها الرعب.
رحلة من كابول إلى القاهرة كان رئيس البعثة الدكتور شوقي أبوزيد لا يزال ينفض عن كاهله غبارها بعد إحكام حركة طالبان سيطرتها على العاصمة الأفغانية، ففي منزله بحي السلام شرق القاهرة، التقته "العين الإخبارية "عقب عودته رفقة 42 شخصا من رجال الأزهر وأعضاء السفارة المصرية على متن طائرة عسكرية، بعد "أيام قاسية" مرت عليهم.
يقول مسترجعا أحداثا قريبة: "ما إن وطأت أقدامنا أرض مصر، حتى خفقت قلوبنا جميعا، وشعرنا بمعنى وقيمة الوطن الآمن والمستقر".
ويروي أبوزيد رحلة العودة لمصر بعد دخول حركة طالبان إلى كابول في حدث وصفه بـ"المفاجئ والسريع"، مضيفا أنه "بعد سقوط العاصمة وضبابية المشهد شعرنا بالقلق؛ لكن كان لدينا يقين بأن بلادنا لن تتركنا وهو ما حدث بالفعل، حيث عاد جميع أفراد البعثة والسفارة سالمين بفضل جهود الدولة وأجهزتها المعنية التي سخرت كل إمكاناتها لعودتنا".
وتابع: "وقت دخول طالبان إلى العاصمة الأفغانية كنا فى مكان إقامتنا، وجاءتنا التعليمات بسرعة التوجه لمقر السفارة المصرية، ومنها اتجهنا على الفور إلى المطار لمغادرة البلاد، لكن الحافلة التي أقلتنا لم تستطع الانتظار نظرا للوضع الأمني المضطرب جدا فى المطار".
ويتذكر رئيس بعثة الأزهر تلك اللحظات التي وصفها بـ"المؤلمة والعصيبة جدا"، قائلا: "حين ذهبنا للمطار الأحد 15 أغسطس/ آب الجاري، وجدنا أمامنا عشرات الآلاف من الأفغان الذي يريدون اقتحام بواباته والفرار من البلاد، وسط إطلاق نار عشوائي وكثيف بهدف تفريق المحتشدين أمام البوابات، وحالة من الفوضى والارتباك الشديد".
ويستطرد: "جاءت التعليمات للبعثة بسرعة العودة لمقر السفارة المصرية لحين ترتيب أمر المغادرة من جديد، لكن طريق العودة كان محفوفا أيضا بمخاطر عديدة، حيث وجدنا في طريق العودة مجموعات من قطاع الطرق واللصوص الذين حاولوا اقتحام الحافلة التي كانت تقلنا، في محاولة لسرقة الأمتعة، لكن الأمور مرت بسلام وعدنا سريعا لمقر السفارة المصرية".
مكثت البعثة فى مقر السفارة المصرية لمدة 10 أيام، وكانت هناك اتصالات مستمرة لم تنقطع من الأجهزة المعنية وقيادات الأزهر الشريف ممثلة في فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ومجمع البحوث الإسلامية.
ويشير أبوزيد: "بعد أيام من التواجد في مقر السفارة المصرية، جاءت التعليمات من جديد بالتوجه لمطار كابول حيث كانت الأمور مستقرة نسبيا هذه المرة، بعد تأمينه من قبل قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية وتركية، وكان هناك احتشاد للمئات لكن خارج المطار بعكس المرة الأولى".
ويوضح: "حين دلفنا إلى المطار بسرعة، ورأينا الطائرة المصرية تبدل القلق والحزن إلى راحة واطمئنان، وجلسنا في مقاعدنا لإلقاء النظرة الأخيرة على أفغانستان".
ورغم مخاطر رحلة العودة من كابول إلى القاهرة، وتنفسه الصعداء حين وطأت قدمه أرض مصر، فإن رئيس بعثة الأزهر يتذكر الفترة التي قضاها في أفغانستان بمزيد من الحنين.
ويقول بعد أن تبدلت ملامح وجهه: "تعلقت قلوب أعضاء البعثة الأزهرية بكابول، وطيلة السنوات الـ 3 الماضية التي قضيتها كنت أردد دائما في المؤتمرات أو المناسبات الاجتماعية المختلفة التي يتم دعوتي لها بأن أفغانستان هي جنة الرحمن ومهد التقى والعفو والغفران، وهذه حقيقة لمسناها جميعا، فهي بلاد الخيرات".
بعثة الأزهر في كابول
ولبعثة الأزهر حضور وتواجد قوي فى أفغانستان منذ عام 2009، حيث "تواجدت من خلال بروتوكول ثقافي جرى توقيعه بين وزارة المعارف الأفغانية، ومؤسسة الأزهر الشريف، ومنذ ذلك الحين والبعثات تتوالى إلى أفغانستان".
وتنوعت مهام البعثة الأزهرية في كابول -التي تتجدد كل 3 سنوات- بين المهام التعليمية والدعوية والمجتمعية.
ويشرح رئيس البعثة أن "المحور التعليمي كان يتمثل فى المعهد الأزهري بكابول بمراحله الثلاث الابتدائي والإعدادي والثانوي، حيث يتم تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية، ومن يحصل على الثانوية الأزهرية تكون له فرصة فى استكمال الدراسة فى جامعة الأزهر من خلال منحة دراسية تكلف مصر 50 ألف دولار لكل دارس بالجامعة".
أما المحور الثاني، يتابع، فهو المجتمعي الذي يتمثل في مشاركة الأفغان بكافة مناسباتهم الاجتماعية، علاوة على المحور الثالث "الدعوي" الذي تضمن حلقات تلفزيونية عبر القنوات الفضائية بأفغانستان، إضافة لخطب الجمعة بالمساجد، والندوات والمحاضرات فى المدارس.
وتدرس بالمعهد مناهج الأزهر التي تدرس في مصر، ويقوم بالتدريس نخبة مختارة من معلمي الأزهر الذين انتقاهم مجمع البحوث الإسلامية وفقا لمعايير ومقاييس محددة وامتحانات ومقابلات، من أجل إيصال رسالة الأزهر تحت أي ظرف من الظروف.
ونظرا لهذا الدور، يحظى الأزهر بمكانة متميزة بين فئات المجتمع الأفغاني، يقول أبو زيد، قبل أن يضيف: "رأينا احتراما كبيرا من الطلاب الأفغان لشيوخ الأزهر، إضافة إلى أن الأفغان كانوا يتنافسون على إكرامنا، ويوجهون لنا الدعوات لحضور أفراحهم، وكانوا على قدر كبير من الاهتمام بنا، وشعرنا بالمحبة والأخوة بينهم".
وبالمقابلة نفسها، كشف أن وزيرة التربية والتعليم الأفغانية حرصت على تهنئة أفراد بعثة الأزهر بعيد الفطر في مقر إقامة البعثة، وخلال الزيارة جرت مناقشة إنشاء معهد أزهري للفتيات في العاصمة كابول، مؤكدا أنهم "كانوا يريدون ذلك، إلا أن الأمر لم يكتمل بعد تطورات الأحداث، لكننا نأمل أن يتم إنشاء المعهد قريبا".
ومنذ سيطرت طالبان على كابول، لم يقف الأمر عند حد توقف مشروع إنشاء معهد أزهري للفتيات في العاصمة، بل أيضا إلى "إغلاق مؤقت لمعهد كابول الأزهري"، بحسب أبوزيد.
وبسؤاله عن مصير معهد كابول الأزهري، أجاب أن "المعهد مغلق حاليا، ولا نعلم مصيره، لكننا جاهزون لتأدية واجبنا من جديد وفى أي مكان وقت أن تطلب دولتنا وقيادات الأزهر منا ذلك".
وبعيدا عن التواصل بين البعثة والحكومة الأفغانية خلال الـ3 سنوات الماضية، شدد أبوزيد على أنه "لم يكن هناك أي اتصال أو تواصل مع حركة طالبان، أو غيرها من التنظيمات المتواجدة في كابول".
وأكد أنه "لم يكن للبعثة أي دور سياسي على الإطلاق، ورسالتنا كانت فقط الدعوة إلى وسطية الإسلام، وعدم الغلو فى الدين، واحترام وتقبل الآخر ونبذ الغضب، والدعوة لعدم الإفراط أو التفريط".
وعاد الشيخ الأزهري لتوجيه الشكر والتقدير للرئيس عبدالفتاح السيسي ولجيش مصر والأجهزة المعنية التي قامت "بدور رائع فى حفظ أمن البعثة الأزهرية فى كابول، وإجراء عملية الإجلاء بطريقة حرفية وبدقة عالية للغاية، حتى وصلنا أخيرا لبلادنا بسلام".
وهبطت طائرة عسكرية مصرية، مساء الإثنين، على متنها الجالية المصرية والبعثة الأزهرية ومسؤولو السفارة المصرية، في إطار توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعودة الجالية المصرية من أفغانستان.