أفغانستان.. بين سيطرة طالبان وانتهازية الإخوان
أظهرت سيطرة حركة طالبان على الحكم بأفغانستان انتهازية جماعة الإخوان وسلوكها الدائم في استغلال أي موقف دولي للقفز عليه، في محاولة للعودة إلى الصورة مرة أخرى بعد أن لفظها الجميع.
وقبل نحو 10 أيام، سيطرت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، مختتمة عملية عسكرية خاطفة استمرت 10 أيام ومنحتها السيطرة على الأغلبية العظمى من مدن البلاد.
وبعد عودة طالبان للحكم، تشابهت ردود فعل التنظيمات الإرهابية، وتراوحت ما بين تهنئة تنظيم القاعدة في سوريا، وترحيب الحرس الثوري في إيران، وابتهاج إخواني غير مسبوق.
كيف مولت طالبان حربها في أفغانستان؟
وبالنسبة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان على وجه الخصوص، توالت خلال الأيام الماضية مواقف أذرع التنظيم في المنطقة من سيطرة حركة طالبان.
وفي هذا الإطار، يقول سامح إسماعيل الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، في حديث لـ"العين الإخبارية": "سارع الذراع السياسية للإخوان في فلسطين المتمثل في حركة حماس بتهنئة حركة طالبان بدعوى دحر الإرهاب الأمريكي ونظرت لطالبان باعتبارها حركة تحرر وطني قامت بإزاحة الاحتلال الأمريكي".
وعقب عودة طالبان للحكم هنأت حماس، في بيان، طالبان وقيادتها على ما وصفته بـ"الشجاعة" و"الانتصار الذي جاء تتويجًا لجهادها الطويل على مدار عشرين عامًا مضت".
ويرى إسماعيل أن رؤية حماس "اختزالية وقاصرة لأنه طالبان لم تدخل معركة مع الولايات المتحدة وتنتصر، وإنما سيطرت على أفغانستان في أعقاب الانسحاب الأمريكي وتغير التكتيك الأمريكي في المنطقة بشكل عام".
وعن دلالة تهنئة حماس، يوضح الباحث: "هذه التهنئة أعطت مؤشرا ما أن هناك ميلا داخل التنظيم الدولي للإخوان بشكل عام لتهنئة طالبان، حتى وإن أعلنت الحركة في أكثر من مرة انفصالها عنه إلا أن تصريحات رئيس للمكتب السياسي للحركة بالخارج خالد مشعل الأخيرة بأن حماس تسير على نهج الإخوان، يعني أن الذراع الإخوانية في غزة سارع بتهنئة طالبان".
وتابع: "ربما تكون التهنئة مفهومة في ضوء النزاع والصراع السياسي بين حماس والولايات المتحدة، حيث تحملها مسؤولية الدفاع عن إسرائيل، حسب تصورها".
ذراع ثانية للإخوان، سارعت بتهنئة طالبان، وهو إخوان سوريا، وهو الأمر الذي يعد ملفتا وأكثر إشكالية من تهنئة بقية الأذرع، بحسب إسماعيل.
وتقيم معظم قيادات إخوان سوريا في تركيا في الفترة الراهنة، وعلى رأسهم المراقب العام للجماعة محمد حكمت وليد، وتمارس أنشطتها انطلاقا من الأراضي التركية.
وأرجع إسماعيل تهنئة إخوان سوريا لطالبان إلى أن "تركيا ربما دخلت على خط المفاوضات مع طالبان للبحث عن موطئ قدم في أفغانستان".
وعلى الرغم من أن إخوان مصر لم يصدر عنهم تعليقا رسميا يبلور موقف الجماعة، لكن حالة من الاحتفاء والاحتفال سادت القاعدة الشعبية للتنظيم بوصول طالبان للحكم، وتكرر نفس الأمر في أروقة أذرعه في تونس والمغرب وليبيا، وفق مراقبين.
ملاذ آمن
هل يبحث الإخوان عن ملاذ آمن في أفغانستان؟.. سؤال تثيره تهنئة أذرع الجماعة المختلفة لحركة طالبان واحتفاء قواعدها بالمنطقة بسيطرتها على أفغانستان.
يجيب إسماعيل عن هذا السؤال بقوله: "جماعة الإخوان منذ التضييق التركي عليها، وهي تبحث عن ملاذ آمن وكانت أفغانستان من ضمن المناطق التي وضعت الجماعة أعينها عليها بالإضافة إلى ماليزيا ودول أخرى مثل كندا وبريطانيا".
واستطرد: "لكن أفغانستان تظل أحد الملاذات الآمنة للإخوان ولهم تاريخ طويل فيها منذ أيام الصراع مع الاتحاد السوفيتي السابق، حيث كانت الجماعة حاضرة بقوة ولها علاقات قوية مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان".
وأوضح إسماعيل أن "الجماعة تستطيع أن تجد لنفسها ملاذا آمنا في أفغانستان نتيجة تقاطع بعض المصالح والأفكار، حتى وإن كان هناك اختلاف أيديولوجي بين الفريقين، لذلك يرى الإخوان أن طالبان التي احتضنت من قبل تنظيم القاعدة لن تمانع في احتضانهم".
ورغم تأكيد طالبان أنها تعلمت من أخطائها سابقا وأنها لن تسمح بتحويل البلاد لبؤرة إرهابية إلا أن ذلك لن يحول دون التخوفات من ظهور دوافع لدي بعض الأطراف داخل طلبان، بحسب إسماعيل من أن تعتبر"الإخوان جماعة دينية سياسية وظيفية يمكن أن تؤدي جملة من الأدوار تستطيع الحركة من خلالها أن تنتزع اعترافا بها من هنا أو هناك".
لكن وجود الإخوان المحتمل في أفغانستان يثير سؤالا آخر، يتعلق بمدى قدرة الجماعة على منافسة طالبان في أفغانستان، لكنه احتمال مستعبد بحسب مراقبين.
ويقول إسماعيل "لن تستطيع الجماعة بأي حال من الأحوال أن تنافس طالبان في أفغانستان، فحركة طالبان متجذرة نتيجة للبعد القبلي والعقائد، وكل ما تستطيع جماعة الإخوان فعله هو أن تجد لها مأوى بين ذراعي طالبان".
قبلة الحياة
وتأتي سيطرة طالبان على أفغانستان، في وقت تمر به جماعات الإسلام السياسي خاصة جماعة الإخوان الإرهابية بواحدة من أسوأ أيامها منذ تأسيسها عام ١٩٢٨.
الجماعة الإرهابية التي تتغدى على الأحداث وتحاول استغلال المتغيرات والتحولات في المنطقة لصالحها، تعتبر عودة طالبان إلى السلطة، بمثابة "قبلة حياة" لها.
ويقول الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية عمرو فاروق لـ"العين الإخبارية": "صعود طالبان في هذه الفترة الحرجة بمثابة قبلة الحياة لمختلف الجماعات الإسلامية لأنه منح هذه الجماعات نوعا من الأمل للعودة للحياة وإعادة نشاطه مجددا".
ولا يجد فاروق عودة الحياة لعدد من التنظيمات الإرهابية غريبا، إذ قال "ما حدث في السابق هو عرقلة وتحجيم لمشاريع الإسلام السياسي، وليس سقوطا كليا لهذه التنظيمات لأنه من السهل إعادة استنساخ أفكارها وإنتاج عشرات من التنظيمات تحت مظلات مختلفة".
حضانة للإرهاب
ويردد فاروق المخاوف المتصاعدة من أن تعود أفغانستان إلى سيرتها الأولى، كمصنع لإنتاج العناصر المتطرفة وتتحول إلى سوريا جديدة، كما كانت في تسعينيات القرن الماضي".
ويتوافق أحمد بان، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية والإرهاب مع هذه المخاوف، إذ يرى أنه إذا ما عادت أفغانستان إلى سيرة التسعينيات من القرن الماضي فإن ذلك سيتوافق مع ما ترنو إليه الجماعات المتطرفة والإرهابية وجماعات الإسلام السياسي، وبالتالي تقترب من أفكار الإخوان وتتبنى نفس مقولات الجماعة وأفكارها وربما سلوكها".
وربما لا يوجد تفسير منطقي لموقف الإخوان من حركة طالبان، عدا أنه "أحد أشكال الانتهازية التي تسود سلوك الجماعة الإرهابية عبر تاريخها ومحاولتها الدائمة الالتحاق بأي سفينة قد تعوم مشروعها التخريبي في المنطقة من جديد"، وفق بان.
هل تعلمت طالبان الدرس؟
ورغم أن صبرة القاسمي الخبير في الحركات الجهادية يوافق "فاروق" و"بان" الرأي في مسألة استغلال التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لعودة طالبان، إلا أنه يتبنى رأيا مغايرا حول مستقبل العلاقة بين الإخوان وطالبان.
ويقول القاسمي لـ"العين الإخبارية": "صحيح أن أي عمل إرهابي يفتح شهية الإرهابيين على العودة، وهذا ما يفسر رسائل التهنئة المختلفة لطالبان، لكن أتوقع أن تلفظ الحركة جميع تيارات الإسلام السياسي ولن تكون ملاذا آمنا لأي من عناصرها وأبواقها الإعلامية".
ويستند القاسمي في رأيه إلى مقارنة طالبان ١٩٩٤ بطالبان ٢٠٢١، قائلا: "طالبان ١٩٩٤ كان لديها بعض التعاطف مع حركات الإسلام السياسي حول العالم وعلى رأسها تنظيم القاعدة، أما الآن فالوضع مختلف تماما من حيث الأيديولوجية والاستراتيجية".
ويضيف: "لن يقبلوا بجهاديين أو إخوان أو غيرهم، وعبروا عن ذلك في بعض رسائلهم، على الرغم من أن هناك حملة تأييد واسعة من بعض الجماعات التكفيرية والجهادية".
ويتابع: "طالبان بعد أن تعلمت الدرس في ١٩٩٤ لن تسمح لأي من هذه التنظيمات بما في ذلك الإخوان، بركوب موجة انتصارها.. وفي رأيي سنشهد قريبا حالة من السخط بين الإخوان والتيارات الأخرى على طالبان لأن سقف توقعاتهم لم يتحقق".
وقبل يومين، نفى المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد أي وجود لتنظيم القاعدة في أفغانستان، كمحاولة من الحركة لطمأنة المجتمع الدولي بشأن مستقبل البلاد.
انتهازية إخوانية
ولن تمنع حالة السخط، وفق صبرة، الإخوان من الاستمرار في استغلال سيطرة طالبان دعائيا لتجنيد عناصر جدد، وتحسين صورتها أمام قواعدها، بعد جملة الإخفاقات والانشقاقات التي شهدتها الجماعة طوال السنوات الأخيرة.
الرسالة الخادعة، بحسب صبرة، ستكون "النهج.. هو نهج أفغانستان ولا بد من نصرته.. طالبان حاربت وانتصرت ونحن سننتصر"، في محاولة لخداع العقول البيضاء من القواعد الشبابية بأن المستحيل ممكن.