سر سيطرة طالبان المفاجئة.. خيوط مؤامرة أم أذيال هزيمة؟
لا تزال محاولات فك لغز سيطرة طالبان السريعة على أفغانستان، على أشدها، خاصة بعد تهاوي تقديرات الأمد، الذي حددته المخابرات الأمريكية.
مشهد حشد طالبان نحو العاصمة الأفغانية كابول بهذه السرعة، وقرار الرئيس أشرف غني الخروج من البلاد، وسيطرة الحركة بعد 20 عاما من إطاحة الولايات المتحدة بحكمها، أثار تساؤلات حول كواليس الأحداث، وهل تعرضت الولايات المتحدة فعليا إلى هزيمة ساحقة أم أن ثمة مؤامرة أمريكية كبرى، يعززها الانسحاب الخاطئ؟
ويرى خبراء أن تقديرات المخابرات الأمريكية، طوال الأشهر الماضية كانت تتوقع صمود الجيش الأفغاني ومقاومة طالبان، بعد تنفيذ انسحاب القوات، ثم انتهاء الأمر بمناوشات بين الطرفين، يعقبه تدخل دولي لجلب الجميع على الطاولة، والدخول في المفاوضات لتشكيل حكومة انتقالية تشمل الجميع، لكن هذا السيناريو، لم يبرح أدراج الاستخبارات.
ولم يكن متوقعا أبدا -بحسب خبراء وسياسيّين أمريكيّين- ألا تكون هناك مقاومة أفغانية إطلاقا، وأن يهرب الرئيس من الساحة، ويسلم البلاد لطالبان دون عناء، مستبعدين بذلك سيناريو المؤامرة.
لكن الخبراء، وحتى الساسة باختلاف توجهاتهم، أقروا بخطأ الولايات المتحدة في الانسحاب، معتبرين أن عملية تحديث أفغانستان التي استمرت طيلة ٢٠ عاما فشلت، وأن أمريكا بصدد مواجهة تبعات فشلها في أفغانستان، سواء داخليا أو على صعيد سياساتها الخارجية.
تواطؤ وفساد
ولعل أبرز تساؤلات المرحلة، هو كيف حشدت طالبان بهذه السرعة ونجحت في الاستيلاء على المدن والولايات الأفغانية في أقل من ٤ أشهر وحتى قبل ١١ ديسمبر/كانون الأول، على أسوأ الفروض.
يقول مهدي عفيفي العضو في الحزب الديمقراطي الأمريكي والكاتب والمحلل السياسي والاقتصادي، لـ"العين الإخبارية": "ما رأيناه من سيطرة طالبان على مقاليد الأمور في أفغانستان حدث بسبب الفساد الشديد في المجتمع الأفغاني والحكومة الأفغانية".
فعلى مدى عامين -يضيف عفيفي- تواطأت قيادات داخل الجيش الأفغاني وداخل الحكومة مع طالبان، سواء تحت وطأة التهديد أو الضعف أمام الرشوة، لتعتمد لاحقا على علاقتها بالمجتمع الأفغاني والقبائل، للوصول لتحالفات وراء الكواليس، استطاعت من خلالها السيطرة دون دخول في صراع مع مؤسسات الدولة.
ويدعم تصور "عفيفي" وغيره من الخبراء الدوليين ما أعلنته طالبان الثلاثاء الماضي من "عفو عام" عن كل موظفي الدولة، ودعوتها الذين عملوا في الحكومة السابقة، إلى معاودة العمل.
رغم ذلك يعتقد فريق آخر أن هذا العفو ما هو إلا محاولة من طالبان لإظهار صورة مغايرة عنها للعالم، كرسالة طمأنة، لا سيما مع إعلانها جنبا إلى جنب حث النساء للانضمام إلى الحكومة المرتقبة.
ويرى نعمان أبو عيسى عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي أن "سقوط الجيش الأفغاني كان متوقعا وواقعا لا مفر منه، لكنه حدث بشكل أسرع مما كان متوقعا".
ويقول أبو عيسى، في حديث لـ"العين الإخبارية": "نعم أمريكا غيّرت سياساتها واستراتيجتها من السيطرة العسكرية إلى الحفاظ علي القوة العسكرية بالتعامل بالطريقة الدبلوماسية والاقتصادية، وذلك من خلال التعاون مع حلفائها في العالم".
ويعتبر أن "خطر التطرف أصبح عالميا، وواشنطن تريد أن تتعاون مع كل القوى بما فيها الصين وروسيا لمواجهة التطرف والتعاون مع الدول العربية والمسلمة من أجل إسلام معتدل يتعامل معه العالم".
بين المؤامرة وسوء التقدير
ويرفض عضو الحزب ذاته؛ مهدي عفيفي نظرية المؤامرة، ويعلق: "نعم كان هناك توقع بأن يكون هناك نوع من التنسيق والتحالف ما بين الحكومة والجيش الأفغاني من ناحية وطالبان من ناحية أخرى، وكان هناك نداء دائما عندما تخرج الولايات المتحدة أن تكون هناك حكومة تضم جميع الأطراف".
ويستطرد: "لذا كان لابد أن يحدث تنسيق واتفاق بين الجيش الأمريكي وطالبان.. لكن هذا ليس معناه أننا أمام مؤامرة أمريكية ضد روسيا أو الصين، فالأخيرة لا تتدخل بشكل عسكري في أي دولة بل على العكس هي تريد أن تستفيد من العلاقة مع أي حكومة أو بلد اقتصاديا، لذا لا يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم مثل طالبان ضد بكين".
أما موسكو، وفق عفيفي، "فهي مستعدة للتعامل مع الشكل الجديد للحكم في أفغانستان ولا يمكن أن يتكرر الصراع، لأنها علمت جيدا أنها لن تستطيع أن تدخل تلك البلد".
بدوره، يرفض إحسان الخطيب عضو الحزب الجمهوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة موري ستايت الأمريكية نظرية المؤامرة، متبنيا تصور فشل الولايات المتحدة.
ويقول الخطيب لـ"العين الإخبارية": "لا أعتقد أن هنالك مؤامرة ربما النتيجة تعقيد أمور للصين وروسيا، ولكن لا دليل أن هذا هدف الولايات المتحدة، لأنها بقيت هناك ٢٠ عاما تصرف المال والجنود يتعرضون للقتل والهجوم وحاولت عبر السنوات أن تخلق واقعا يعجبها لكنها فشلت".
ومبينا مواطن الهزيمة: "الهجوم على أفغانستان كان سهلا جدا والقضاء على القاعدة كان صعبا جدا، لكن بناء دولة حديثة تعجب الغرب في أفغانستان كان مستحيلا".
ويتابع: "فشلت الولايات المتحدة في بناء دولة ديمقراطية يرضى عنها الغرب لعدة أسباب؛ الأشخاص الذين حكموا أفغانستان لم يكن لديهم كفاءة ولا أمانة، لذلك فشلوا، وبالنسبة لطالبان استمروا رغم محاولة أمريكا إلغاءهم، وفشلت في ذلك عبر ٢٠ عاما".
ويخلص إحسان إلى أن "قوة طالبان على الأرض لم تكن مفاجأة للأمريكان، لكن سرعة تصاعد الأحداث بهذه الصورة كانت غير متوقعة".
وبديلا عن نظرية المؤامرة، يتبنى بعض المراقبين نظرية تغيير الاستراتيجية الأمريكية من التعامل العسكري للتحالف الدبلوماسي والاقتصادي، لمواجهة الجماعات المتشددة.
ويفسر حمدي صالح، مساعد وزير الخارجية السابق، قنصل مصر السابق في واشنطن كيف أن "الاستراتيجية الأمريكية كانت الانسحاب وترك الأمر للأفغان، يحاربون بعضهم البعض، وترك الأمر للمناطق المجاورة في روسيا والصين".
وينتقد صالح الانسحاب الأمريكي في هذا التوقيت، مستشرفا أن ما حدث سيؤثر على الوضع الداخلي والسياسة الأمريكية الخارجية.
ويضيف لـ"العين الإخبارية": "المفترض أن البنتاجون له استراتيجية في التحرك والانسحاب، صحيح تقديراتهم كانت إمكانية استمرار الجيش لعامين، لكن تبين لاحقا أن هناك فسادا".
مواجهة إيران
ماذا لو أراد الغرب مواجهة إيران بطالبان؟ طرح آخر تبناه خبير أمريكي، بينما رفضه عضو الحزب الديمقراطي مهدي عفيفي.
ويقول المحلل السياسي الأمريكي مايكل مورجان لـ"العين الإخبارية": "في رأيي الهدف في هذا التوقيت كان وجود خط دفاع عن الغرب، باتجاه إيران في المنطقة، لأن مذهب إيران يتعارض بشكل صريح ومباشر مع التنظيمات الإرهابية".
ويعضّد المحلل الأمريكي طرحه بالقول إن "مواجهة ايران بفكر آخر متعارض معها"، هو الهدف، لكن "عفيفي" يرى أن هذا التصور غير وارد قائلا: الولايات المتحدة لا يمكن أن تعتمد على طالبان ضد إيران، ولا يمكن أن تعادي أعداء الولايات المتحدة".
aXA6IDMuMTQ3LjY4LjM5IA== جزيرة ام اند امز