قلوب وجلة ووعود آجلة.. أفغانستان بعد 10 أيام من حكم طالبان
قبل 10 أيام، سيطرت حركة طالبان على كابول، وفرّ الرئيس الأفغاني أشرف غني خارج البلاد، لتعود الحركة للحكم بعد 20 عاما من مغادرته قسرا.
الأيام العشرة الماضية، مرت ببطء على الأفغان، الذين عاشوها بين الخوف من عودة ممارسات حركة طالبان في أثناء حكمها في التسعينيات، والأمل في تغير جديد على فكر هؤلاء المسلحين.
وكانت الإشارات الإيجابية لأصحاب الحكم الجديد تسارع إلى طمأنة القلوب الوجلة، التي عكست الأمواج البشرية الفارة إلى مطار كابول، والتعلق بأجنحة الطائرة سعيا إلى السفر، حجم خوفهم الشديد مما ستؤول إليه الأوضاع.
ويوما بعد يوم، استمرت طالبان في إرسال التطمينات، فبعدما سارعت إلى عفو عام عن الموظفين الحكوميّين، بعث برسالة إيجابية للمترجمين الأفغان الذين عملوا على مدى عشرين عاما مع القوات الأجنبية.
وقالت طالبان إنها وضعت كل شيء في الماضي أمام ظهرها، في تطبيق على ما يبدو لمبدأ "عفا الله عما سلف"، وحثت الولايات المتحدة على عدم تحريض الناس على الفرار، ورفضت تمديد عمليات الإجلاء الخاصة بالأفغان بعد حلول نهاية الشهر الجاري.
"نهاية العالم"؟
وحاولت وكالة "فرانس برس"، في تقرير لها جس نبض الشارع الأفغاني، وحاورت مواطنين حول نظرتهم لطالبان، بعد 10 أيام من حكمهم، وشبهت شابة أفغانية ما جرى حين خرجت الإثنين الماضي بـ"نهاية العالم".
وفي الشوارع يسود الهدوء مواقع كانت تعج سابقاً بالحياة، في مشهد يتناقض مع الفوضى التي عمت المطار مؤخرا؛ حيث تتواصل عمليات إجلاء الراغبين في الفرار من نظام طالبان الجديد.
ولم تتجرأ النساء على التعود على الخروج من منازلهن، ويحرص معظمهن على ارتداء النقاب لدى خروجهن؛ "الناس يخرجون ويعودون إلى منازلهم بأسرع ما يمكن"، تقول الشابة التي تبلغ عشرين عاماً من العمر لوكالة "فرانس برس".
وتضيف تلك الشابة أنه "لم يعد بإمكانها الذهاب إلى الجامعة، لأن النساء أصبحن مبعدات، إلى أن يتم فصلهن عن الرجال"، واصفة الأمر بـأنه "قرار غبي؛ لأنه ليس لدينا عدد كافٍ من المعلمات".
ووجدت الفتاة نفسها عاطلة عن العمل بعد أن منع المصرف الذي يوظفها عودة النساء احترازياً، لكنها وبعد أن نفد الطعام -فيما تقول- قررت أخيراً الخروج مع والدتها الإثنين الماضي، بعد أكثر من أسبوع من استيلاء طالبان على السلطة.
الوضع ليس سيئا
ووثقت صور نشرت على الوكالات ومواقع التواصل الاجتماعي، تمزيق اللافتات التي تبدو عليها النساء، والملصقة على جدران العاصمة، أو تم طلاؤها بالفرشاة لطمس معالمها، باستثناء "تلك التي كانت مرتفعة جداً"، لكن بعض مراكز التجميل وتصفيف الشعر لا تزال مفتوحة، بحسب الشابة التي أضافت مازحةً "أتمنى أن يستخدموها (طالبان)، إنهم يبدون كالوحوش"، وفق تعبيرها.
ومع صمت الموسيقى التي كانت تصدح في كابول، عاد الأطفال إلى اللعب في الشوارع؛ فيما أقرت الفتاة نفسها في نهاية المطاف أن الوضع حتى الآن "ليس بالسوء الذي نتخيله".
حتى الآن لم تشكل طالبان حكومة، كما لم تضع قوانين تنظم بالضبط ما هو مسموح أو محظور، وعينت مسؤولين بشكل مؤقت لتسيير الأمور العاجلة، ودفع عجلة الاقتصاد المتوقفة عن الدوران، بسبب نقص الخبرة في صفوف عناصر طالبان.
ويعتبر شاب يعمل في أحد مصارف كابول أن الواقع حاليا تسوده "تجارة الخوف"، قائلا عن طالبان: "ليس لديهم جيش يمكنهم من السيطرة على الناس. لكن الخوف يهيمن على الجميع".
وتضم راية طالبان أشخاصا مختلفين للغاية، حسبما يرى الموظف الأفغاني، موضحا أن بعض المجموعات تتصرف بشكل لائق مع السكان، لكن البعض الآخر يفعل ما يحلو له، مثل أولئك الذين يأكلون في المطاعم دون أن يدفعوا.
حياة طبيعية وطالبان جديدة
في خوست (جنوب شرق)، يرى تقرير "فرانس برس" أن عناصر طالبان أكثر مرونة، ربما لأن هذه المنطقة، الأكثر محافظة من العاصمة، هي معقلهم.
وينقل التقرير عن أحد العاملين في المجال الإنساني قوله: "عادت الحياة إلى مجراها الطبيعي. رغم تباطؤ حركة المرور لكن العديد من المحلات التجارية فتحت أبوابها من جديد، عاد الصبيان والبنات إلى المدرسة كما قبل".
وأوضح "لكن الناس قلقون، حيث يجب استئناف الخدمات العامة لتلبية احتياجات السكان (...) فقد الكثير من الناس وظائفهم ويخشون على الاقتصاد".
ويروي الرجل كيف ذهب إلى محل لبيع الملابس لنساء عائلته، دون أن يرى هناك أي امرأة، إلا أنه عاد وأكد أن "تعامل طالبان أكثر مرونة بكثير مما توقعه الناس. كانوا يعتقدون أن طالبان ستكون كما كانت من قبل، لكنها ليست كذلك".
كما ذهب إلى حفل زفاف مؤخرا، وكان هناك مغنون وراقصون، مضيفا في ابتسامة: "لقد رقصت مع الكثير من الأصدقاء".
أما في قندوز شمال البلاد، فيُسمح فقط للنساء بالعزف أو الغناء في الأعراس، بحسب أحد المقاولين المحليين. ويحظر مشاركة الموسيقيين أو المغنين الرجال، حيث يتعين تسجيل الصوت مسبقاً.
أضرار الحرب
وتعلن طالبان في السوق، عن قواعد معينة عبر مكبر الصوت، بعضها معروف بالفعل؛ لأن ولاية قندوز كانت خاضعة لهم، قبل وقت طويل من سقوط المدينة، ثم السيطرة على البلاد.
وتضررت المدينة بسبب أسابيع من القتال، وتدمرت المباني وسُرقت مستودعات باعة الطرق.
وأشار المقاول إلى أن "البعض بدأ في إعادة بناء متاجرهم، لكن ليس المنازل، لأن الناس فروا ولم يعودوا بعد، أو لا يملكون المال اللازم لذلك".
وأضاف أن المدينة خلت تقريباً من النخب المتعلمة والشباب الذين "يخشون لأنه لم يعد هناك مانحون دوليون لتمويل مشاريع التنمية أو التعليم"؛ فيما غادرت العديد من المعلمات بينما تظهر الحاجة إليهن أكثر من أي وقت مضى، في ظل عدم السماح للرجال بتعليم الفتيات العائدات إلى المدرسة.
أما الرجل العامل في مجال المقاولات، فاضطر إلى إغلاق شركته المختصة بمستحضرات التجميل، لأن الناس، القلقين على المستقبل، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، لا يشترون سوى المواد الغذائية الضرورية كالأرز والبطاطس والخبز.
aXA6IDE4LjIyNy43Mi4yNCA= جزيرة ام اند امز