هذه هي اللحظة التي تُفسد فيها الدولة الوطنية على المليشيات والدول الدينية مشروعها وكيانها.
أولا لأن ما يجمعها لا حدود له، لا حدود يمكن قياسها جغرافيا أو ضبطها نظاميا ولا حسابيا ولا فيزيائيا أيضا.
أكثر الأخطاء النظرية تلك التي تنظر إلى الحركات الدينية أنها تنطلق من فكرة معينة، هذا خطأ محوري جدا، إنها تنطلق من عقائد لا مِن أفكار، فالفكرة تعد المحرض الأساسي على الإيمان بجدواها هو الواقع والنتائج، ولذلك تتغير الأفكار وتتطور بل وتتبدل أحيانا، بخلاف العقائد التي لا تحتكم للواقع ولا لحساباته وتنطلق من معادلات لا معيار ولا قانون لها، تظن أنها ترتبط بالسماء، فلا السماء تنزل إليها ولا العقائد تصعد للسماء فيمكن قياسها، لذا فهي تظل عنصرا للجذب واستقطاب الأفراد الذين لا يملكون معيارية حاسمة واضحة للجدوى.
الدولة الوطنية الإسلامية هي أكثر ما يكسر فكر الجماعات الدينية والعقائدية ويجعلها أمام تعقيد حقيقي في مشروعها، لذلك تتجه تلك الجماعات لمواجهة تلك الدول.
الذين يبيعون أرواحهم للشهادة والعزة والفخر وفي سبيل الله هم يبيعونها لمعانٍ وليس لوقائع، فلا هم يستطيعون إثباتها ولا غيرهم يستطيع نفيها، خاصة إذا كان هذا الغير مرتهنا للثقافة ذاتها فكريا، ومختلفا معها سلوكيا (كل الشارع العربي يسمع الموسيقى ولكن على مستوى الفكرة أغلبه يظن أنها محرمة)، ولذلك تحجم بعض المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي عن الرد بقسوة ومجابهة حقيقية على الاٍرهاب وخطاباته .
الدولة الوطنية الإسلامية هي أكثر ما يكسر فكر الجماعات الدينية والعقائدية، ويجعلها أمام تعقيد حقيقي في مشروعها، لذلك تتجه تلك الجماعات لمواجهة تلك الدول، مشروع الدولة الإسلامية الحديثة (ينطبق هذا التوصيف بتفاوت نوعي على مختلف الدول العربية) قام على فكرتي الجنسية والهوية اللتين لا تعارض بينهما، فالجنسية تعني الحدود والجواز والواجبات ونوع العلاقات المتبادلة مع الكيانات المماثلة، بينما تجعل من الهوية الوصف والأداء والانتماء الثقافي السلوكي العام للمجتمع الداخلي، وهذا ما يحقق لها استقرارا بالداخل وقيمة محورية حضارية في الإقليم والعالم .
هذه هي اللحظة التي تُفسد فيها الدولة الوطنية على المليشيات والدول الدينية مشروعها وكيانها، والمليشيات في الغالب لا تواجه إلا دولا أو ما يقف في طريق مواجهتها للدول، والحركات الدينية الأيديولوجية علاقاتها متأزمة بالواقع لأنها لا تحتكم إليه ولا ترتبط به، ولذا لا يمكن أن تجد طريقا للتأثير الطبيعي في ذلك الواقع، لذلك تأتي تأثيراتها على شكل إرهاب وعنف وتحريض .
الاٍرهاب في أبسط تعريفاته هو لحظة الاشتباك مع الواقع والهجوم عليه ومحاولة تغييره خلافا لقوانينه.
لم يحدث أن انتصرت أي مليشيا ولا حكمت أي جماعة إسلامية، لأن الشكل الوحيد للسلطة والإدارة الْيَوْمَ هو في الدولة الوطنية الحديثة وهذه لا يجيدها أولئك الذين ينشدون:
يا أخي في الهند أو في المغربِ
أنا منك أنت مني أنت بي
لا تسل عن عنصري أو نسبي
إنه (الإسلام) أمي وأبي
هنا ماذا يبقى للدولة الحديثة؟ الجواب: لا شيء، ولذلك ستظل هذه الحركات صداعا يوميا للدولة الوطنية لكنها في النهاية لن نكون شيئا أبدا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة