لا نهضة ولا تنمية ولا تنوير ولا تقدُّم ولا ازدهار إلا من خلال التعليم، فتعليم ناجح ينتج عنه حتماً شعب ناجح ومجتمع متميِّز
لا نهضة ولا تنمية ولا تنوير ولا تقدُّم ولا ازدهار إلا من خلال التعليم، فتعليم ناجح ينتج عنه حتماً شعب ناجح ومجتمع متميِّز، تطوير التعليم وتغيير المناهج أصبحا ضرورة تستلزم قرارات عاجلة وخططا جريئة وواضحة، ويجب ألا يخجل أحدهم من المطالبة بتغيير المناهج الدينية، فأصحاب الفكر المتطرف يصرحون بأفكارهم بكل جرأة ولا يخشون أحدا، وأصحاب الصوت المعتدل والمفكرون هم الأولى بتلك الجرأة. وفي البلاد العربية والإسلامية ما زالت المناهج الدينية مغلَّفة بغلاف التشدد والرأي الواحد ونبذ كل ما سواه!
إن الإسلام الذي أفهمه وأدركه بتصوُّري يتطلَّب منَّا تفعيل دور العقل في الخطاب الديني بكل ما يحويه من نصوص (أفلا يتدبرون)، (أفلا يعقلون)، (أفلا يتفكرون)، آيات قرآنية واضحة تحث على إعمال العقل وتفعيله في النصوص الدينية وغيرها.
إن الثقافة والمعرفة اللتين يجب أن تُكرَّسا في المناهج الدينية، لتكونا الأساس الذي ينبني عليه ما سواه، وما أدين لله به قبل كل شيء، هو أن من آمن بوجود إله والمهتم والباحث، ومحب للخير بصورته الإنسانية، طيب القلب، لا يظلم ولا يسيء للآخرين، بار بوالديه، يعطف على الفقراء والمساكين والبائسين ويساعدهم قدر استطاعته. ستناله رحمة الله شاء من شاء وأبى من أبى، فعدل الله ورحمته يستلزمان ذلك.
قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون) فعندما عدَّد الله تلك الأديان لم تكن سوى أمر ثانوي يهيئ لأمر رئيسي وهو عمل الصلاح والخير بصورة شاملة وعامَّة ودون تقييد. وقوله: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينَّه حياةً طيبة) لم يُقيِّد عمل الصلاح بدين أو عقيدة، بل جعله على إطلاقه. وقد يكون الإيمان هنا في قوله: (وهو مؤمن)، أي يعمل الخير عن قناعة دون نفاق أو رياء.
هذا الخطاب هو ما يجب أن يسود، ويكون هو الأساس والأصل وما سواه حالات شاذَّة قد تكون غير صحيحة. إن التديُّن الإسلامي الحقيقي في نظري هو: المحافظة على الصلوات الخمس سواءً في المسجد أو المنزل، بر الوالدين، كفُّ اللسان عن الغيبة والنميمة والشماتة، والابتعاد عن كبائر الذنوب كالشرك والزنا.
هذا النوع من التديُّن كان هو السمة العامَّة للشعب السعودي قبل مجيء ما يُعرف بـ(الصحوة)، وهذا النوع من التديُّن سوف يعود رغماً عن كل متطرِّف أو يحمل نزعة تطرُّف، لم يكن المواطن السعودي يعلم شيئا عن: الولاء والبراء، عدم السلام على غير المسلم، جمع تبرعات للجهات التي في ظاهرها خيريِّة وهي في حقيقتها شريِّة إرهابية، حكم بيع المشروبات الروحية، إجبار النساء على الحجاب.. إلخ، فهذهِ وما هو مثلها تُعد فروعا وليست أصولا عقائدية أو أركانا وثوابت دينية.
إن الطريق للعودة إلى الإسلام الوسطي المعتدل، يكمن في إعمال العقل في النص الديني، فبدونه لن نشهد أي تطور حضاري كما يرى الفيلسوف مراد وهبة. وعندما نقول أو نطالب بتفعيل العقل في النص الديني، فإنه لا يمكن أن نقصد أركان الإسلام الخمسة، وإنما يكون حول المفاهيم التي قد يترتَّب على فهمها العديد من الإشكاليات وتختلف حولها الآراء (الجهاد، الربا، الولاء والبراء، العلاقة والتعامل مع غير المسلم.. إلخ).
سأضرب مثالا حتَّى يتَّضح المقصود:
في القرآن الكريم نجد الآية: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتَّبع ملتهم) لو أُخِذ بظاهرها وحرفيتها فإن النتيجة ستكون قطع العلاقة مع اليهود والنصارى، بل ربما يذهب البعض إلى أنها تعني قتل كل يهودي أو مسيحي!
بينما لو أعملنا العقل حول هذا النص فسنجد أن المقصود من الآية جميع المتعصِّبين في كل الأديان، حتَّى المُتعصِّب المسلم تنطبق عليه الآية، فالمسلم المُتعصِّب هو أيضاً لن يرضى عن اليهود والنصارى ولا عن غيرهم من أتباع الأديان الأخرى.
إن الإسلام الذي أفهمه وأدركه بتصوُّري يتطلَّب منَّا تفعيل دور العقل في الخطاب الديني بكل ما يحويه من نصوص: (أفلا يتدبرون)، (أفلا يعقلون)، (أفلا يتفكرون)، آيات قرآنية واضحة تحث على إعمال العقل وتفعيله في النصوص الدينية وغيرها.
وإن غياب هذا المبدأ أنتج لنا عقولا مؤدلجة ونفوسا مضطربة، أنتج لنا حالات وصلت إلى أقصى درجات التطرف: تكفي يا سعد تكفي يا سعد! ورغم أنه ابن عمهم وقريبهم ولا ذنب له إلا أن عواطفهم لم تتحرَّك، لم تهز وجدانهم: تكفي يا سعد!!
غياب هذا المبدأ أنتج لنا من قتل والدته تقرُّباً لله ونُصرةً للإسلام! أبعد هذا نخجل من الدعوة إلى إعمال العقل في النص الديني؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة