العثامنة.. أسير محرر تحدى رصاص إسرائيل لإنقاذ مصابي يوم الأرض
العثامنة لم يمنعه رصاص قناصة الاحتلال من انتشال المصابين من أبناء شعبه لتلقي العلاج والخروج بهم إلى بر الأمان.
بطولات تجلت في ذكرى يوم الأرض الخالدة، ومسيرات خرجت على الحدود الشرقية لقطاع غزة، حملت عنوان العودة إلى الأرض المسلوبة، سطرت في أحداثها فصولا جديدة من النضال السلمي ضد الاحتلال الإسرائيلي.
فتيات يجابهن رصاص القناصة لغرس علم فلسطين أمام السياج الفاصل، سياج يحول دون معانقتهن لأرض أجدادهن، وطفل يرتدي قناع الوجه واضعاً بداخله نبات البصل ليكافح به الغازات السامة المسيلة للدموع، ورجل كهل يقف أمام جنود الاحتلال حاملاً مفتاح بيته العتيق الذي هُجر منه عام 1948، وشاب يرفع علم فلسطين الذي مزجت ألوانه بدماء الشهداء والمصابين، عالياً ليعانق السماء.
ومن بين هؤلاء، شق رجل طريقه من خلال أعمدة الغاز المسيل للدموع مسرعاً على دراجته رباعية الدفع، متجهاً نحو المصابين قرب السياج الفاصل على الحدود الشرقية لمخيم جباليا شمال قطاع غزة، في محاولة منه لإنقاذ المصابين وإيصالهم إلى سيارات الإسعاف التي عجزت عن الوصول للمصابين بسبب وعورة الأرض.
وفي وصف للأحداث، يقول الشاب أحمد ظاهر لـ"العين الإخبارية" وهو أحد المشاركين في المسيرة، التي نظمت الجمعة الماضي "أثناء مشاركتي في المسيرة على الحدود الشرقية لجباليا، رأيت رجلاً يخاطر بحياته لنقل المصابين من الشبان المتصدرين للصفوف الأمامية القريبة من السياج الفاصل، شاهدته وهو يكافح مسرعاً لإيصال المصابين إلى سيارات الإسعاف، كان بمثابة المنقذ الشجاع الذي لم يمنعه رصاص قناصة الاحتلال من انتشال المصابين، ومساعدة أبناء شعبه لتلقي العلاج والخروج بهم إلى بر الأمان وإنقاذ حياتهم".
هذا الرجل هو الأسير المحرر إسماعيل عبد الله إسماعيل العثامنة (40) عاماً، من سكان بيت حانون شمال قطاع غزة. قضى في سجون الاحتلال عامين، وهو أحد جرحى الانتفاضة الأولى عام 1987، كان له صولات وجولات في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وخدمة قضيته العادلة، على مراحل مختلفة من عقوده الأربعة.
وفي تعليقه على الأفعال البطولية التي قام بها العثامنة، قال عاكف المصري المفوض العام للعلاقات الوطنية والعامة للهيئة العليا لشؤون العشائر: "سطر الأسير المحرر إسماعيل العثامنة، ابن مدينة بيت حانون الباسلة أروع الأمثلة في التضحية والفداء، تقدم إلى الصفوف الأمامية مخاطراً بحياته من أجل انقاذ المصابين، له منا كل الاحترام والتقدير".
وفي اتصال هاتفي مع "العين الإخبارية"، قال إسماعيل العثامنة إن "حق العودة حق مقدس للشعب الفلسطيني، وهو ما دفع بي للمشاركة في مسيرة العودة على الحدود الشرقية للقطاع أسوة بأبناء شعبي في غزة، وقمت بالذهاب إلى المكان باستخدام دراجتي رباعية الدفع. وعندما وصلت شاهدت عددا من المصابين من أبناء شعبي الأعزل، وأن سيارات الإسعاف لم تستطع الوصول إلى مكان المصابين بسبب وعورة الأرض الزراعية، وبسبب طول المسافة بين مكان المصابين وسيارات الإسعاف، لذلك حملت على عاتقي محاولة إنقاذ المصابين ونقلهم إلى سيارات الإسعاف التي تبعد حوالي نصف كيلو متر مربع عن السياج الفاصل".
وأضاف "قمت بنقل ما يزيد عن 50 مصابا وإيصالهم إلى سيارات الإسعاف لتلقي العلاج اللازم، وكان هناك العديد من الإصابات المتنوعة في أماكن مختلفة من الجسد، ومن ضمن الأشخاص الذين قمت بنقلهم الشهيد محمد النجار".
وتابع العثامنة أن" تطور الأحداث واستخدام الاحتلال الإسرائيلي للرصاص الحي والمطاط تجاه الشباب الأعزل، ووقوع العديد من الاصابات وفي ضوء صعوبة وصول سيارات الإسعاف لهم، تذكرت إصابتي السابقة وحجم المعاناة التي تصيب الشخص أثناء نزيفه وحتى تلقيه العلاج، لذلك قمت بما أملاه علي واجبي الوطني، وذهبت لمساعدة أبناء شعبي بكل ما أوتيت به من قوة، وكانت أول إصابة أقوم بنقلها هي الأصعب، بسبب الرهبة الناتجة عن استهداف القناصة لكل من يقوم بالاقتراب من المصابين، لكن سرعان ما تلاشى هذا الشعور بعد الخروج بسلام حاملاً المصاب الأول إلى سيارة الإسعاف".
وأشار إلى أن "صراخ الجريح واستنجاده لإنقاذ حياته، لم يترك أمامي أي خيار أو تفكير في عواقب الاقتراب من السياج، ومواجهة عنجهية جنود الاحتلال لتلبية نداء الجرحى، ورغم محاولتهم إعاقتي واستهدافي بالرصاص الحي، إلا أن الدماء التي صبغت دراجتي النارية باللون الأحمر القاتم حثتني على مواصلة واجبي الإنساني، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من رصاص الاحتلال".
وكان لتفاعل الشبان المتواجدين في مكان الحدث، وتشجيعهم المستمر للأسير العثامنة، دور كبير لمواصلة العمل البطولي الذي قام به، حيث بادر بعض الشبان بتوفير الوقود اللازم لتشغيل دراجته الرباعية، التي كان لها نصيب الأسد في إنقاذ المصابين ونقلهم إلى بر الأمان، بعيداً عن مرمى نيران الاحتلال وتغوله في مواجهة المسيرة السلمية بالرصاص الحي والمتفجر.
وبعد انقضاء أحداث يوم الأرض وما نتج عنها من ارتقاء 16 شهيدا وإصابة أكثر من 1450 فلسطينيا، زار الأسير المحرر إسماعيل العثامنة بعض المصابين الذين أصيبوا يوم الجمعة، والذين أشادوا وعائلاتهم بالدور البطولي الذي قام به، ورحبوا بروحه الوطنية وخدمته لأبناء شعبه، ووقوفه معهم في لحظات أقل ما يمكن وصفها بأنها لحظات فاصلة بين الحياة والموت.
جريمة بشعة ارتكبها جنود الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، الذي خرج في ذكرى يوم الأرض ليؤكد للعالم بأن العودة حق مقدس، وأنه لا يمكن لهذا الحق أن يسقط بالتقادم، بل يزرعه الأجداد في وجدان الأبناء حتى يورثوه للأجيال التالية، حتى عودة الحق لأصحابه وتتحرر الأرض المقدسة من الاحتلال الزائل.