هل يمكن لإسرائيل رفض تطبيق قرارات «العدل الدولية»؟
يمكن لإسرائيل أن ترفض تنفيذ قرارات محتملة لمحكمة العدل الدولية بشأن الحرب على غزة، ولكن التبعات عليها ستكون ثقيلة.
وأساسا تصارع إسرائيل من أجل عدم إصدار قرار محكمة العدل الدولية، التي بدأت الأسبوع الماضي في نظر دعوى أقامتها جنوب أفريقيا، يتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، ولكنها تعمل أيضا لمنع المحكمة من إصدار أوامر مؤقتة في الحالات العاجلة.
وفي حين يتوقع أن تستغرق المحكمة فترة طويلة من المداولات، قبل أن تقرر ما إذا كانت إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية فإن فرص إصدار أوامر مؤقتة تبدو ممكنة قريبا.
وتختلف التقديرات الإسرائيلية بشأن الأوامر المؤقتة الممكنة، إذ في حين تستبعد وزارة العدل الإسرائيلية قرارا بوقف فوري لإطلاق النار فإنها لا تستبعد أوامر بتكثيف إدخال المساعدات إلى غزة والسماح للفلسطينيين من سكان شمال غزة بالعودة إلى منازلهم.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن، مساء السبت، أن "لا أحد، بما فيه محكمة العدل الدولية، سيوقف الحرب على غزة".
البروفيسور كوهين: انتهاك أمر المحكمة المباشر سوف يُنظر إليه من منظور سلبي للغاية
ويعتبر البرفيسور أميحاي كوهين، الباحث الرئيسي في معهد ديمقراطية إسرائيل، في دراسة تلقت "العين الإخبارية" نسخة منها: "أن خسارة القضية يمكن أن تضع إسرائيل في موقف إشكالي للغاية على الساحة الدولية".
وقال "تتمتع محكمة العدل الدولية بسلطة إصدار أوامر مؤقتة في الحالات العاجلة، وقد تكون هذه التدابير المؤقتة غامضة إلى حد ما، مثل إصدارها أمرا لإسرائيل بعدم ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أو أكثر أهمية، مثل إصدار أمر لإسرائيل بوقف إطلاق النار فوراً أو السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل غير محدود".
وأضاف: "ويبدو أن التركيز الرئيسي لإسرائيل في الإجراءات ينصب على ضمان عدم النظر إلى الإجراءات التي اتخذتها محكمة العدل الدولية على أنها تدخل في المجهود الحربي في غزة".
ولكن ماذا سيحدث إذا لم تلتزم إسرائيل بأوامر محكمة العدل الدولية؟ يجيب البروفيسور كوهين: "ليس لدى محكمة العدل الدولية قوة شرطة أو قوة عسكرية تمكنها من تنفيذ أحكامها، لكن انتهاك أمر المحكمة المباشر سوف يُنظر إليه من منظور سلبي للغاية من قبل العديد من الدول، وسيؤدي إلى تفاقم مكانة إسرائيل في الساحة الدولية. على سبيل المثال من المعقول الافتراض أن العديد من الدول قد تمتنع عن بيع الأسلحة لإسرائيل إذا خالفت أمر المحكمة بفرض وقف إطلاق النار".
هآرتس: إصدار الأمر يمكن أن يشكل قاعدة لفرض عقوبات على الدولة
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في تحليل تابعته "العين الإخبارية" عن مصادر في وزارة العدل الإسرائيلية، أن "هناك احتمالية حقيقية أنهم في لاهاي (مقر محكمة العدل الدولية) سيستجيبون لطلب المدعية (جنوب أفريقيا) وسيصدرون أمرا مؤقتا ما".
وقالت: "الأمر المؤقت الذي ستصدره محكمة العدل الدولية هو في الحقيقة أمر تصريحي، لكن عمليا هو يلزم إسرائيل، هذا على خلفية أن إسرائيل وقعت على ميثاق منع إبادة شعب الذي بقوته يتم إجراء هذه المحاكمة".
وأضافت: "إذا لم تعمل إسرائيل طبقاً لتعليمات هذا الأمر فإن مجلس الأمن يمكن أن يحاول فرض أوامره عليها. باستثناء ذلك فإن إصدار الأمر يمكن أن يشكل قاعدة لفرض عقوبات على الدولة وعلى شركات إسرائيلية وحتى قبول الرواية التاريخية التي تفيد بأن إسرائيل ارتكبت أعمالا تعتبر إبادة جماعية".
ونقلت الصحيفة عن الدكتور روعي شاندورف، النائب السابق للمستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية في قضايا القانون الدولي، قوله: "الأكثر ترجيحا بالنسبة لي هو اختيار المحكمة طريقا وسط وإصدار أمر محدد أكثر، مثل أمر إسرائيل بالعمل حسب قوانين الحرب وضمان إدخال المساعدات الإنسانية والتحقيق في التصريحات الشاذة".
كاوفمان: عدم التنفيذ قد يحرك المحكمة الجنائية الدولية
ومن جهته كتب المحلل نيك كاوفمان في صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية: "ثمة احتمال ألا يحترم الطرف الخاسر قرار المحكمة. السبيل الوحيد لفرض قرار المحكمة هو استخدام القوة العسكرية، وعندها فقط بعد قرار مجلس الأمن ولما كانت الإدارة الأمريكية أعربت عن رأيها في أن التماس جنوب أفريقيا لا أساس قانونيا له، فالافتراض إذاً أنها ستحمي إسرائيل في مجلس الأمن، سواء من خلال منع التصويت أو باستخدام الفيتو".
واستدرك في مقاله، الذي تابعته "العين الإخبارية": "إذا تجاهلت إسرائيل الأمر الذي يأمرها بوقف القتال قد يزيد هذا عزلتها بين الشعوب ويؤثر على علاقاتها الخارجية. وإذا ما تقرر، بعد بضع سنوات، بأن إسرائيل اتخذت سياسة إبادة جماعية، فمن شأن هذا أن يحرك المدعي العام في محكمة الجنايات الدولة للنظر في إصدار أوامر اعتقال ضد شخصيات إسرائيلية على هذه التهمة".
شارون: إذا رفضت من الممكن إحالة القضية إلى مجلس الأمن
ويقول جيرمي شارون، المختص بالشؤون القانونية في موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري الإسرائيلي: "إن الحكم ضد إسرائيل يمكن أن يؤثر حتى على السلوك المستمر للحرب ضد نظام حركة حماس في غزة".
وأضاف في مقال تابعته "العين الإخبارية": "على الرغم من أن الحكم النهائي من المرجح أن يستغرق سنوات، إلا أن جنوب أفريقيا طلبت من المحكمة إصدار أوامر مؤقتة ضد إسرائيل يمكن أن تتراوح بين المطالبة بوقف شامل وفوري لإطلاق النار، وهو ما تعارضه إسرائيل والولايات المتحدة بشدة لأن حماس لم تفكك بعد، إلى أوامر أكثر اعتدالا مثل الإصرار على السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية".
واستدرك: "لكن سيكون الحكم المؤقت نفسه، حتى لو كانت هناك معقولية لادعاءات جنوب أفريقيا، هو الأكثر ضررا لمكانة إسرائيل".
وقال شارون: "إذا وجدت محكمة العدل الدولية أن هناك معقولية لادعاءات جنوب أفريقيا بشأن الإبادة الجماعية، فيمكنها نظريًا أن تأمر بسلسلة من الإجراءات ضد إسرائيل، بما في ذلك وقف العمليات القتالية، وزيادة المساعدات الإنسانية وإمدادات الوقود إلى غزة، واتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يحرضون على الإبادة الجماعية".
وأضاف: "ولا توجد تدابير تنفيذية تحت تصرف المحكمة، ولكن إذا رفضت إسرائيل الامتثال لأوامر المحكمة، فمن الممكن إحالة القضية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو المخول بفرض عقوبات بمختلف أنواعها".
وأشار إلى أنه "يمكن أن تشمل هذه العقوبات التجارية، أو حظر الأسلحة، أو غيرها من الإجراءات العقابية".
وفيما ذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية من المرجح أن تمنع هكذا قرار في مجلس الأمن، فإنه حذر من أن "التأثير الأساسي لأي قرار ضد إسرائيل سيكون على مكانتها الدولية".
غير أنه أشار إلى أن أي قرار سيعزز الاعتراضات داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي على مبيعات الأسلحة الأمريكية المستمرة لإسرائيل والدعم الدبلوماسي الذي قدمته إدارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل، فضلاً عن الغطاء السياسي الذي قدمته لتل أبيب في مجلس الأمن.
وكانت إسرائيل رفضت الاتهامات الموجهة لها بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وقال تال بيكر المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أمام المحكمة "إن إسرائيل تخوض حرب دفاع ضد حماس، وليس ضد الشعب الفلسطيني".
كما رفض بيكر طلب جنوب أفريقيا إصدار "تدابير مؤقتة" لأمر إسرائيل بوقف الحرب في غزة على الفور.
ما "التدابير المؤقتة" التي تطلبها جنوب أفريقيا من المحكمة؟
تُوصف "التدابير المؤقتة" بأنها أوامر تصدرها المحكمة قبل حكمها النهائي في قضية ما، بهدف منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها، وبموجبها تُلزم الدولة المدعى عليها بالامتناع عن اتخاذ إجراءات معينة حتى تصدر المحكمة الحكم النهائي.
وطلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية الإشارة إلى تسعة تدابير مؤقتة، فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني باعتباره مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
في بداية جلسة الاستماع العلنية التي عقدت يوم الخميس، قرأ كاتب المحكمة التدابير التسعة التي نلخصها في النقاط التالية:
أولا، على دولة إسرائيل أن تعلق فورا عملياتها العسكرية في غزة وضدها.
ثانيا، على إسرائيل أن تضمن عدم اتخاذ أي خطوات تعزيزا لتلك العمليات العسكرية.
ثالثا، على كل من جمهورية جنوب أفريقيا ودولة إسرائيل، وفقا لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها -فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني-، أن تتخذا جميع التدابير المعقولة التي في حدود سلطاتهما من أجل منع الإبادة الجماعية.
رابعا، على دولة إسرائيل، وفقا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية، أن تكف عن ارتكاب أي من الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
خامسا، على دولة إسرائيل، فيما يتعلق بالفلسطينيين، التوقف عن اتخاذ جميع التدابير، بما في ذلك إلغاء الأوامر ذات الصلة والقيود و/أو المحظورات. كى تمنع:
(أ) طردهم وتشريدهم قسرا من منازلهم؛
(ب) الحرمان من:
1- الحصول على الغذاء والماء الكافيين.
2- الوصول إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود الكافي والمأوى والملابس والنظافة والصرف الصحي.
3- الإمدادات والمساعدة الطبية.
(ج) تدمير الحياة الفلسطينية في غزة.
سادسا، على دولة إسرائيل أن تضمن عدم ارتكاب أي أفعال موصوفة في النقطتين (4) و(5) أو المشاركة في التحريض المباشر والعلني أو محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، أو التآمر أو التواطؤ في ذلك.
سابعا، على دولة إسرائيل أن تتخذ تدابير فعالة لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بالادعاءات، وضمان الحفاظ عليها، وتحقيقا لهذه الغاية يتعين ألا تعمل إسرائيل على منع أو تقييد وصول بعثات تقصي الحقائق والتفويضات الدولية والهيئات الأخرى إلى غزة.
ثامنا، يجب على إسرائيل أن تقدم تقريرا إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر (بموجب التدابير المؤقتة) خلال أسبوع واحد، اعتبارا من تاريخ صدوره، وبعد ذلك على فترات منتظمة وفقا لما تأمر به المحكمة، حتى تصدر قرارها النهائي في القضية.
تاسعا، على دولة إسرائيل أن تمتنع عن أي إجراء وأن تضمن عدم اتخاذ أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع المعروض على المحكمة أو إطالة أمده أو أن تجعل حله أكثر صعوبة.
aXA6IDE4LjIyMC45Ny4xNjEg جزيرة ام اند امز