توترات الضفة.. هل تكتفي إسرائيل بـ"الضربة النادرة"؟
نقطة تحول في نشاط الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية بعد مقتل 3 من النشطاء الفلسطينيين بصاروخ أطلق من طائرة مسيرة في جنين.
الضربة هي الأولى منذ العام 2006 التي يتم فيها اغتيال نشطاء فلسطينيين بصاروخ من الجو مع فارق بأنه في ذلك الحين تم استخدام المروحية الحربية "آباتشي".
اغتيال نشطاء فلسطينيين ليس بالأمر الجديد في منطقة جنين تحديدا، التي كانت على مدى أكثر من عام ونصف العام مسرحا لعمليات متبادلة، ولكن الجديد هو الاستهداف من الجو.
وفي الأشهر الأخيرة، لوح الجيش الإسرائيلي بأنه سيلجأ إلى استخدام الطائرات المسيرة في عمليات اغتيال لكنها المرة الأولى التي يلجأ فيها إلى هذا النوع من العمليات التي تم تنفيذ نشاطات مشابهة لها بالسنوات الماضية في قطاع غزة.
الطائرة المسيرة من طراز "زيك" أدت إلى مقتل 3 نشطاء أحدهم من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة "فتح" والاثنان من سرايا القدس وهي الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
وقال الجيش الإسرائيلي إن النشطاء أطلقوا النار من سيارة بالقرب منطقة الجلمة قرب مدينة جنين، وأضاف: "بعد رصد الخلية قامت طائرة مسيرة تابعة للجيش باستهدافها والقضاء عليها". واعتبر أن "الحديث هو عن عملية جراحية دقيقة لإزالة تهديد".
جدل داخل إسرائيل
لكن العملية جاءت فعلا في ذروة جدل في إسرائيل بين سياسيين دعوا لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية وبين الجيش الذي لم يؤيد هكذا عملية.
واتخذ سياسيون، على رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، من عملية قتل 4 مستوطنين إسرائيليين في مستوطنة "عيلي" شمالي الضفة الغربية كمبرر لإطلاق عملية عسكرية في الضفة الغربية.
وقال بن غفير، الذي وصل إلى مكان العملية في "عيلي" مساء الثلاثاء: "أدعو رئيس الوزراء وأدعو وزير الدفاع يوآف غالانت، اللذين أقدرهما كثيرا، كما قلت قبل العملية في غزة، لقد حان الوقت لإطلاق عملية عسكرية في الضفة الغربية، نعم للعودة إلى الاغتيالات المركزة من الجو ولإسقاط المباني".
وفي وقت لاحق فجّر الجيش الإسرائيلي منزل الأسير الفلسطيني كمال جوري في مدينة نابلس بشمالي الضفة الغربية.
لم يكن بن غفير ضمن المجموعة الصغيرة من كبار المسؤولين الذين تشاور معهم نتنياهو حول سبل الرد بعد عملية "عيلي" ولكن ما جرى لاحقا هو ما قاله بن غفير وإن كان ليس كاملا.
أما سموتريتش، فقد خرج من اجتماع مع نتنياهو راضيا بعد اتفاقهما برفقة غالانت على إقرار إقامة 1000 وحدة استيطانية في موقع تنفيذ العملية لتزيد بذلك أعداد الوحدات الاستيطانية التي يتم إقرارها خلال أسبوع إلى 5500.
ومع ذلك فإن إسرائيل لم تصل الى حد إقرار عملية عسكرية في شمالي الضفة الغربية، ويبدو أن هناك محاذير تمنعها من ذلك.
انهيار السلطة الفلسطينية
وقال مراقب سياسي إسرائيلي لـ"العين الإخبارية": "هناك خشية من أن إطلاق مثل هكذا عملية سيؤدي بالفعل إلى انهيار السلطة الفلسطينية وهو ما لا تريد إسرائيل أن تتهم به".
وأضاف المراقب، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: "كما أن إطلاق عملية عسكرية واسعة يحتاج إلى مبرر كبير يمكن تسويقه في العالم لتفادي الانتقادات الدولية لاسيما وأن هكذا عملية ستؤدي حتما إلى مقتل مدنيين فلسطينيين".
وفي هذا الصدد، كتب المحلل الأمني في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يوسي يهوشع: "بعض الوزراء اليمينيين، يدعون لعملية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية. يجب القول أنه حتى القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي يعتقدون أن مثل هذه العملية يجب أن تكون محدودة وقصيرة المدى في منطقة محددة ومحصورة".
وأضاف، في تحليل تابعته "العين الإخبارية": "إذا كان الناس يعتمدون على عملية درع واق أخرى (عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية)، فينبغي عليهم نسيانها. وبالمثل، فإن الجيش الإسرائيلي والشاباك مقتنعان بأن المسلحين موجودون في مخيمات اللاجئين في نابلس وجنين، بينما لا يهتم ثلاثة ملايين فلسطيني بالحرب بل بتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي".
وتابع: "لهذه الأسباب، في هذه المرحلة، يتفق المسؤولون الأمنيون مع نتنياهو وغالانت غير المهتمين بالعملية. إضافة إلى ذلك، هناك ضغوط أمريكية لتجنب تصعيد مماثل، حيث إن الصراع ضد الاتفاق النووي الإيراني يزداد سرعة".
وأشار إلى أنه "لذلك، ينصب الجهد الرئيسي حاليًا على محاولة إيجاد حل وسط يسمح للحكومة بتهدئة الوضع المضطرب. ومع ذلك، قد لا يكون مثل هذا الحل كافياً بالنظر إلى تقلب وعدوان نشطاء اليمين السياسي".
وقال يهوشع: "بعد الاغتيال المستهدف يوم الأربعاء لخلية شنت هجوما بالرصاص على معبر الجلمة الحدودي وكانت مسؤولة عن اعتداءات أخرى، ماذا نتوقع من الآن فصاعدا؟ لن تكون هناك عملية. سيتم تعزيز القوات وسيتم تنفيذ المزيد من الاعتقالات".
وأضاف: "أخيرًا، يعود كل شيء إلى ما يقوله الجيش مرارًا وتكرارًا: لا يمكن للقيادة السياسية أن تغض الطرف عن تفكك السلطة الفلسطينية، التي أصبحت أضعف من أي وقت مضى. النبأ السيئ أن نهاية عهد محمود عباس تقترب، وعلى إسرائيل أن تستعد لها".
أما صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، فقد كتبت في افتتاحيتها: "الصرخات المؤلمة لوزراء ونواب يطالبون الجيش بـ"تسوية المباني" ، كما اقترح إيتمار بن غفير، أو "حان وقت العمل وليس الأقوال" ، كما قال بتسلئيل سموتريتش، فضلاً عن الدعوات "لعملية واسعة النطاق في جنين" تغذي فقط الطموحات للانتقام غير المقيد، وجني المكاسب السياسية".
وأضافت في افتتاحيتها، التي تابعتها "العين الإخبارية": "في الوقت نفسه، عندما تقرر الحكومة توسيع بناء المستوطنات، وتسمح للمستوطنين بالعودة إلى حومش ولا تفعل الكثير لمنع عنف المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين، فإنه لا يمكنها أن تتوقع أن لا يشعر السكان الفلسطينيون تحت الاحتلال بالغضب والانتقام و الإحباط".
وتابعت: "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد على سجل معقول في كل شيء فيما يتعلق بالعمليات العسكرية المتفائلة، يحتاج الآن إلى وقف محرضي الحرب الصاخبين في حكومته، وعدم الانجرار إلى حملة عسكرية كارثية".
غير أن الآراء ليست كلها على هذا النحو في الإعلام الإسرائيلي.
العملية ضرورية
فالكاتب اليميني أرئيل كهانا كتب في صحيفة (إسرائيل هيوم) اليمينية: "العملية ضرورية لأن السياسة الحالية أثبتت فشلها. التصعيد استمر 18 شهرا على الأقل".
وأضاف: "رئيس الوزراء يجب أن يكون منسجما مع أفضل قواته على الأرض – المستوطنين".
وأشار إلى أنه "ربما لا ينبغي أن يشمل هذا العمل جميع المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، لكن المؤكد هو أنه يتعين علينا تغيير التروس من الدفاع إلى الهجوم. إن إضافة المزيد من القوات لحراسة الطرق لا يكفي. يجب أن نرسل الجنود إلى داخل بؤر الناشطين لاقتلاعهم".
وقال: "لقد تعلمنا على مدار عقود أن نقل الحرب إلى "الإرهابيين" في مناطقهم هو السبيل الوحيد لمنع الهجمات".
سيناريو ثالث
وما بين المؤيدين لسيناريو العملية العسكرية والمعارضين له، فقد قدم رئيس هيئة الاستخبارات الإسرائيلية السابق تامير هايمان سيناريو ثالثا.
وقال في تغريدة على تويتر، الخميس: "القضاء على خلية أطلقت النار على إسرائيل إنجاز مهم. الطريقة أقل أهمية (من الجو أو من الأرض). في بعض الأحيان، لا تكون العملية البرية أقل ردعًا من الهجوم الجوي لأنها توضح جيدًا السيطرة على التضاريس. على أي حال، إنه قرار مهني".
وأضاف: "إن تغيير الواقع الأمني في شمال الضفة الغربية سيتحقق من خلال سلسلة من العمليات التكتيكية والمعقدة والمتواصلة والعدوانية".
واستدرك: "لكن مشكلة دولة إسرائيل في الساحة الفلسطينية ليست مشكلة تكتيكية. ليس لدينا نقص في الأساليب المتطورة. المشكلة استراتيجية. إلى أين يقود كل هذا؟ ماذا نريد في النهاية؟ هل هي عودة السلطة الفلسطينية للسيطرة على الأرض وتعزيزها؟، هل هو انفصال أحادي الجانب؟ أم تحمل المسؤولية السياسية كاملة عن الإقليم؟ هذه هي القرارات المهمة التي تواجه المستوى السياسي وليس العسكري".