لن يصمد طويلا.. الشلل مصير اقتصاد الحرب الإسرائيلي (تحليل)
كشف تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" عن أن الحرب في غزة ألحقت أضرارا شديدة بالاقتصاد الإسرائيلي، الذي قد لا يصمد أمامها.
وقال التحليل، الذي كتبته "انتشال فورا"، إنه بعد هجوم حركة حماس المباغت لإسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فر ما يصل إلى 7 آلاف مواطن تايلاندي، الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوى العاملة الزراعية. وتواجه الصناعة الزراعية عجزًا يصل إلى 10 آلاف مزارع.
وحاول بعض المتطوعين من الشباب إنقاذ الوضع وقطف الثمار قبل أن تتعفن، لكن جهودهم باءت بالفشل وبدأت الحكومة الإسرائيلية بالفعل في استيراد بعض المواد.
- الشيكل أسوأ عملات العالم.. إسرائيل تنزف المليارات لإنقاذ عملتها
- حرب غزة تعمّق عجز ميزانية إسرائيل.. 6 مليارات دولار في شهر
ولطالما افتخر الإسرائيليون بابتكاراتهم التكنولوجية في مجال الزراعة وبقدرتهم على النمو في منطقة قاحلة إلى حد كبير وإطعام شعبهم. لكن الزراعة الآن على رأس قائمة القطاعات التي ستتحمل وطأة الحرب الطويلة مع حماس. والنفط والغاز والسياحة والرعاية الصحية وتجارة التجزئة والتكنولوجيا هي بعض من الآخرين.
الدمار يطول قطاعات متعددة
كما توقفت العديد من شركات الطيران عن الرحلات إلى إسرائيل، في حين طلبت الحكومة وقف الأنشطة في أحد حقول الغاز لتقليل مخاطر وقوع هجوم مستهدف. وانخفض الشيكل الإسرائيلي بالفعل إلى أدنى مستوى له منذ 14 عامًا، وخفض البنك المركزي توقعات النمو الاقتصادي هذا العام من 3% إلى 2.3%، وتواجه الصناعات البارزة اضطرابات.
ودخلت إسرائيل الحرب باحتياطيات بقيمة 200 مليار دولار ومساعدات بقيمة 14 مليار دولار، معظمها للتمويل العسكري، من الولايات المتحدة. ومع ذلك، يقول الخبراء إن الصراع المستمر سيكلف الاقتصاد الإسرائيلي مليارات إضافية، وسيستغرق وقتًا أطول بكثير للتعافي مما كان عليه في الماضي.
وقال ميشيل سترافشينسكي، الخبير الاقتصادي في الجامعة العبرية في القدس والمدير السابق لقسم الأبحاث في البنك المركزي الإسرائيلي، إن تكلفة المواجهتين السابقتين -حرب لبنان في صيف عام 2006 وضد حماس في عام 2014- كلفت ما يصل إلى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأثرت بشكل رئيسي على قطاع السياحة. لكن هذه المرة "تشير التقديرات إلى انخفاض بنسبة 3.5% إلى 15% على أساس سنوي" في الربع الأخير من هذا العام.
وتم التخلي عن بلدات بأكملها وأغلقت الشركات أبوابها، حيث تم إجلاء 250 ألف شخص وإجبارهم على البحث عن ملجأ عبر الفنادق في البلاد أو مع أقاربهم الذين يعيشون في أماكن أخرى. علاوة على ذلك، فإن استدعاء 360 ألف جندي احتياط، الذين كانوا يعملون في وظائف مختلفة في وقت السلم، أدى إلى إرهاق الشركات وجعل استمرارها كأعمال تجارية مربحة محفوفًا بالمخاطر.
تكلفة حربية مختلفة
وقال سترافشينسكي: "ستتسبب هذه الحرب في تكاليف إضافية مقارنة بهاتين المواجهتين (السابقتين) أيضا بسبب المشاركة الكبيرة لجنود الاحتياط، الذين يتم إدخالهم إلى سوق العمل في الأوقات العادية ولكنهم سيغيبون عن وظائفهم خلال الحرب". "إذا طالت الحرب، فإن تأثير نقص الموارد البشرية سيؤدي إلى تكلفة باهظة على الاقتصاد الإسرائيلي".
كما تعرضت السياحة، وهي القطاع الذي يشكل 3% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، ويوفر بشكل غير مباشر 6% من إجمالي الوظائف، لضربة قاتلة. فالشاطئ في تل أبيب والممرات المرصوفة بالحصى في المدينة القديمة في القدس، مناطق الجذب السياحي الرئيسية، تظل شاغرة.
ورغم أنه موسم الذروة السياحي، لكن المطاعم والحانات في الأحياء التاريخية في باب يافا تخدم عددًا قليلاً من الزوار، معظمهم من الصحفيين. وكانت الفنادق تستضيف النازحين داخلياً، مع بعض الدعم من الحكومة، لكنها لا تزال تتعرض لخسارة فادحة.
وفي فندق ماركت هاوس القريب، قال مسؤولون إن نسبة الإشغال 10% فقط مقارنة بالسنوات السابقة، وأن معظم الغرف شغلها أشخاص تم إجلاؤهم من الجنوب بخصم كبير. وقالوا لمجلة فورين بوليسي: “نحن نستضيفهم بخسارة قدرها 50%، بالإضافة إلى وجبات مجانية”. "في الوقت الحالي، تساعد الحكومة، لكن هذا فقط حتى 22 نوفمبر/تشرين الثاني".
في سياق متصل، فإن الشركات الناشئة في إسرائيل حققت نجاحا كبيرا فيما مضى، لكنها الآن تتعرض بالفعل لضغوط مع انسحاب المستثمرين من بلد غارق في الحرب. وانخفضت الاستثمارات في القطاع إلى النصف العام الماضي بسبب عدم الاستقرار وسط المظاهرات السياسية السابقة، حيث تجمع الآلاف ضد الإصلاحات القضائية التي أجرتها الحكومة والتي يُزعم أنها كانت ستضعف المحاكم وتمكن السياسيين الحاكمين.
وفي محاولة جارية لإنقاذ هذا القطاع، قامت مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال العالمية بتقديم المساعدة للشركات الناشئة الإسرائيلية، وتحاول جمع ملايين الدولارات لإنقاذها من الإفلاس عبر مبادرة تسمى الأمة الحديدية لحماية الشركات واقتصاد البلاد من الانهيار تحت الضغط. وزعم مؤسسو المبادرة أن 150 شركة طلبت بالفعل المساعدة للحصول على فرصة لتلقي ما بين 500 ألف دولار و1.5 مليون دولار للحفاظ على استمرار أعمالها.
إعادة توجيه الأموال
ووفقاً لدراسة أجرتها الجامعة العبرية بعنوان "مشاركة المجتمع المدني في إسرائيل خلال حرب السيوف الحديدية"، تطوع ما يقرب من نصف سكان إسرائيل. وقال البروفيسور ميشال ألموغ بار، مؤلف الدراسة، لوسائل الإعلام الإسرائيلية إن المنظمات الخيرية المحلية والمنظمات غير الحكومية تبرعت بـ"عشرات الملايين من الدولارات"، في حين قدرت تبرعات اليهود في أمريكا الشمالية بمئات الملايين من الدولارات.
وفي الوقت نفسه، ولتغطية تكاليف المجهود الحربي -التي من المتوقع أن ترتفع إلى مليارات الشواكل- يضغط الاقتصاديون على الحكومة لإعادة ترتيب أولويات الميزانية. وكتب 300 خبير اقتصادي إسرائيلي رسالة مفتوحة إلى الحكومة ودعوا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى التنفيذ العاجل لمجموعة من التدابير، رغم أنها غير مستساغة لبعض ناخبيهم. وطالبوا بإعادة توجيه الأموال المخصصة للبرامج التعليمية للمجتمعات الحريدية إلى الإنفاق العسكري.
وقال سترافشينسكي إن الأولويات تتمثل في إعادة تخصيص مليارات الشواكل نحو “نفقات الدفاع” و”تعويض الأفراد والشركات المتضررة” خاصة في الجنوب والشمال.
وقد قدمت الحكومة الإسرائيلية خطة مساعدات اقتصادية تقدم مليار دولار لمساعدة الشركات، ووعد وزير المالية سموتريتش بأن "كل ما لا يتعلق بجهود الحرب وقدرة الدولة على الصمود سيتم إيقافه".
وحتى مع انخفاض قيمة الشيكل، قررت لجنة مكونة من 5 أعضاء في بنك إسرائيل التي تشرف على السياسة النقدية الحفاظ على سعر الفائدة عند 4.75%، وأكد محافظ البنك المركزي على مرونة الاقتصاد. وقال محافظ بنك إسرائيل أمير يارون: "لا ينبغي أن تكون هناك تغييرات كبيرة في وضعنا المالي الأساسي".
إسرائيل ليست جديدة على الصراع، وقد أبحرت فيه في الماضي، ولكن هذه المرة من المتوقع أن تكون الحرب مسألة أطول وقد تتحول إلى مواجهة إقليمية، ووفقا لمراقبين، فإن العامل الرئيسي سيكون في نهاية المطاف طول الصراع.