إنذارات الإخلاء.. هل تعفي إسرائيل من اتهامات انتهاك القانون الدولي؟
مع اندلاع حرب غزة وارتفاع وتيرة القصف الإسرائيلي على القطاع المحاصر، لاحقت الدولة العبرية اتهامات بانتهاك القانون الدولي الإنساني، لاستهدافها المدنيين والمنشآت الطبية.
إلا أن تلك الاتهامات رد عليها الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، قائلا، إن بلاده ملتزمة بالقانون الدولي الإنساني في عملياتها العسكرية في غزة، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي أرسل ستة ملايين رسالة نصية وأربعة ملايين اتصال لتوجيه المدنيين في غزة ليخرجوا إلى المناطق الآمنة.
رسائل إسرائيلية، أضيفت إلى أخرى، ادعت فيها أن «حركة حماس تستغل بشكل منهجي المستشفيات ضمن آلة الحرب الخاصة بها»، حاولت خلالها التنصل من مزاعم انتهاكها للقانون الدولي الإنساني في قصفها المستمر قطاع غزة.
فهل تعفي تلك الرسائل إسرائيل من المسؤولية؟
يقول أستاذ القانون الدولي، الدكتور محمد الزبيدي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن التحذيرات الإسرائيلية للفلسطينيين، لا يعطيها الحق في ضرب أهداف مدنية أو يغلب عليها الطابع المدني، مشيرًا إلى أنه حتى إذا كان هدف عسكريًا (سواء مخزن للسلاح أو كتيبة مسلحة) لكنه يستخدم بشكل مزدوج (مدني + عسكري)، فإنه يتم اعتباره مدنيًا وفقًا للقانون الدولي الإنساني، مما يعني أنه لا يحق استهدافه.
وأوضح أستاذ القانون الدولي، أن قصف أهداف مدنية -رغم ادعاء تحذيرها بمنشورات تلقى على سكانها من السماء، فإن ذلك الفعل يقع تحت بند جريمة حرب، مؤكدًا أن استهداف المنشآت المدنية والعاملين في المرافق الطبية والإغاثية، يعد مخالفًا للقوانين الدولية والعالمية.
وحول الحالة الفلسطينية، أكد الزبيدي، أن فلسطين ليس لديها جيش معلوم؛ فحركة حماس هي مجموعة من الأفراد وليست جيشًا مجهزًا لديه معالم واضحة، ما يعني أن تلك الاستهدافات تخالف قانون النزاعات المسلحة الدولية والقانون الإنساني في المادة 57 منه، وكذلك نظام روما الأساسي.
وأشار إلى أن «الجيش الإسرائيليين ارتكب -وفقا للقانون الدولي الإنساني- 8 جرائم حرب لا جدال فيها، وهي: التهجير القسري – فرض حصار معيشي – استهداف المدنيين – القصف العشوائي –استهداف الأهداف المحمية كالأونروا والصليب الأحمر والإسعاف – استهداف المنشآت المدنية كالمستشفيات والمدارس – إلحاق أضرار جسيمة بالجرحى والمصابين بارتكاب المفرط للقوة».
تجريم الإخلاء القسري
في السياق نفسه، قال أستاذ القانون الدولي العام، الدكتور محمد محمود مهران، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن إلقاء منشورات تطالب السكان المدنيين بالإخلاء قبل قصف المناطق المأهولة لا يعفي الجيش الإسرائيلي من التزاماته تجاه حماية المدنيين، مشددًا على أن قصف المناطق المدنية يشكل انتهاكاً للقانون الدولي بغض النظر عن إخلاء السكان أم لا.
وأوضح مهران، أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر الإخلاء القسري للسكان المدنيين، فيما تعتبر المادة 147 من الاتفاقية ذاتها الإخلاء القسري للسكان المدنيين جريمة حرب، خاصة إذا تم بشكل غير مبرر بالضرورات العسكرية.
أستاذ القانون الدولي الإنساني أضاف: كذلك تنص المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 على أنه يجب على أطراف النزاع اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لتجنيب المدنيين أي أذى، فيما تنص الفقرة 5 من ذات المادة على عدم جواز تفسير أي من أحكام هذه المادة بأنه يجيز شن أي هجوم ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية.
وأشار إلى أن المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول تحظر أيضاً الهجمات العشوائية وغير المميزة، بما في ذلك الهجمات التي تستهدف المناطق المدنية، مشددًا على أن المادة الـ8 من نظام روما الأساسي، تضمنت تجريم الإخلاء القسري للسكان المدنيين، معتبرة مخالفة ذلك، يقع ضمن جرائم الحرب.
واعتبر أستاذ القانون الدولي أن إصرار إسرائيل على قصف المناطق السكنية والمدنية في غزة يشكل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، داعياً المجتمع الدولي إلى ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف عمليات الإخلاء القسري والامتناع عن استهداف المناطق المدنية في قطاع غزة، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب مثل هذه الانتهاكات.
قوانين الحرب
وحول تمسك الجيش الإسرائيلي بالإنذارات التي يوجهها لسكان القطاع المحاصر للإعفاء من مسؤولية استهدافه المدنيين، قال أستاذ القانون الدولي نبيل حلمى، إنه رغم فرض قوانين الحرب على الأطراف إعطاء «إنذار مسبق بوسائل مُجدية»، عند شنّ هجوم قد يؤثر على السكان المدنيين، إلا أن فاعليّة الإنذار تعتمد على الظروف.
وأوضح عميد كلية الحقوق الأسبق بجامعة الزقازيق في مصر، أنه إذا كان المدنيون عاجزين عن المغادرة في اتجاه منطقة أكثر أمانا، فإن الإنذار حينها يكون والعدم سواء، مشيرًا إلى أن إعطاء الإنذار لا يُعفي الأطراف من واجب حماية المدنيين.
فبحسب القانون الدولي، فإنه على الطرف الذي يريد استهداف مناطق يتواجد فيها مدنيون، أن يحدد بوضوح المنطقة الآمنة التي يطلب من المدنيين اللجوء إليها، وأن تكون آمنة لا يتم قصفها بالطائرات الحربية، يقول أستاذ القانون المصري، مشيرًا إلى أن «قصف إسرائيل الأهداف والأعيان المدنية المحمية بموجب اتفاقيات جنيف الأربع، سواء أكانت وحدات طبية أو مدارس أو كنائس، مخالف لكافة الأعراف الدولية».
وأشار إلى أنه في حال لجوء أحد الطرفين المتحاربين إلى الأهداف المدنية المحمية، «فإن ذلك لا يشكل ذريعة للطرف الخصم المحارب، بقصف تلك الأهداف».