نتنياهو يغازل أقصى اليمين الأوروبي.. تحالف الضرورة؟

على وقع العزلة المتزايدة لإسرائيل في الغرب، تسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى إعادة تشكيل خارطة التحالفات، بكسب حلفاء جدد، بغض النظر عن تاريخهم السياسي، حتى لو كانوا من معسكر كان يومًا ما يُعتبر خصمًا.
من هذا المنطلق، يجتمع اليمين الإسرائيلي المتطرف مع شخصيات أوروبية ذات ماضٍ ملتبس تجاه اليهود، بينهم جوردان بارديلا، زعيم حزب «التجمع الوطني» الفرنسي، الذي يحضر إلى القدس لحضور مؤتمر حول معاداة السامية.
هذه الزيارة، الأولى من نوعها لشخصية من أقصى اليمين الفرنسي، تكشف عن أن السياسة تتجاوز الاعتبارات الأخلاقية إلى معادلات المصالح، وتعكس تحوّلًا في أولويات حكومة نتنياهو، التي باتت ترى في دعم إسرائيل المعيار الوحيد للحكم على الحلفاء.
براغماتية سياسية أم انتهازية؟
تقول «فرانس برس»، إن دعوة شخصيات أجنبية تنتمي لأقصى اليمين مثل الفرنسي جوردان بارديلا إلى القدس لحضور مؤتمر حول معاداة السامية، تؤشر على استعداد متزايد لجزء من اليمين الإسرائيلي للتحالف مع أي طرف يدعم بلادهم، باسم المصالح المتقاربة.
ورغم سمعة تصنّفهم من ذوي أفكار معادية للسامية، يتوقّع أن يشارك التجمع الوطني الفرنسي واليمين المجري في المؤتمر حول سبل مكافحة معاداة السامية في العالم، وهي من أولويات حكومة بنيامين نتنياهو، إحدى الحكومات الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
ويقول الخبير في العلوم السياسية في الجامعة المفتوحة في إسرائيل دنيس شاربيت: «هذا (الخبر) لا يتصدّر العناوين الرئيسية، لكنه يحظى بالاهتمام».
وركّزت وسائل إعلام إسرائيلية اهتمت بالموضوع على انسحابات ضيوف من أمثال المفكّر الفرنسي برنار هنري ليفي، ينتقدون حضور ممثلين من أقصى اليمين من الأوروبيين.
كما تناولت وسائل الإعلام مسألة إعلان المؤتمر برعاية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، قبل أن تُسحب لاحقا.
الدعوة الأولى
ويقول شاربيت لفرانس برس: «عندما يعلن حزب كان معاديا للسامية في وقت مضى أنه لم يعد كذلك اليوم، فإن الإسرائيليين يردّون بشكل عام بالتشكيك. يقولون إنهم يريدون أن يروا ما إذا لم يكن ذلك مجرد انتهازية».
وعمل حزب «التجمّع الوطني» على تطبيع علاقات حزبه مع المجتمع اليهودي الفرنسي. وكان مؤسسه جان ماري لوبان معروفا بتصريحاته النافية لمعاداة السامية التي كلفته إدانات قضائية.
وهي الدعوة الأولى لأقصى اليمين الفرنسي الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية لمثل هذا الحدث. وسيتم تكريم رئيس الحزب الفرنسي جوردان بارديللا بصفة خاصة، إذ سيكون من القلائل الذين سيشاركون في إلقاء الخطابات في المؤتمر.
وتشارك كذلك النائبة الأوروبية المجرية كينغا غال من حزب الاتحاد المدني المجري (فيديز) في مائدة مستديرة حول ما يُسمى «الإسلام الراديكالي» إلى جانب زميلها السويدي تشارلي وايمر المنتخب حديثا والمناهض للهجرة.
ويضيف شاربيت: «الحكومة الإسرائيلية الحالية ترى العالم إما أسود وإما أبيض. لم يعد الوزراء قادرين على أن يضعوا في الميزان نصف قرن من الالتزام والنضال من أجل إسرائيل في الميزان، كما بالنسبة مثلا إلى برنارد هنري ليفي، مقابل أصدقائهم الجدد».
ويقول الباحث: «هناك أيضا من يعتقدون أنه في ظل الوضع الحالي غير المؤاتي لإسرائيل، فإنها بحاجة إلى حلفاء جدد، ولو أنها لا تحبذهم بشكل خاص».
بالنسبة له، فإن هذه الدعوة «متأتية أقل من الواقعية السياسية منه من الالتقاء الأيديولوجي».
وبعد أكثر من 17 شهرا على بدء الحرب في قطاع غزة، فإن اهتمام البلاد موجه بشكل كبير نحو فشل وقف إطلاق النار واستئناف القصف الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية حيث لا يزال 58 رهينة إسرائيلي محتجزين.
بالإضافة إلى ذلك، يتظاهر الآلاف من الأشخاص منذ أيّام ضد ما يعتبرونه انحرافا استبداديا من جانب بنيامين نتنياهو الذي تحاول حكومته التخلّص من رئيس الشاباك (الأمن الداخلي) والمدعية العامة، وهما شخصيتان انتقدتا إدارة الحكومة لشؤون البلاد.
قراءة أمنية
ويرى شاربيت أن أولئك الذين "يتظاهرون حاليا ضد مشروع دولة غير ليبرالية ليسوا راضين، وفي الوقت نفسه ليسوا متفاجئين بتنظيم المؤتمر.
ويقدّر توماس فيسكوفي، الباحث في معهد التعليم العالي في باريس (EHESS) وفي الجامعة الحرة في بروكسل، أنه «بالنسبة للحركات التقدمية، اليسار الإسرائيلي التاريخي الذي يجمع اليوم عددا قليلا من الناس، من الواضح جدا أن هذا اليمين المتطرف ليس حليفا له».
لكن وفقا لهذا الخبير في اليسار الإسرائيلي، تواجه هذه الأقلية «شعورا عميقا بالتهديد» يجد أصداءه أيضا في المجتمع الإسرائيلي، وقد عززه هجوم حماس غير المسبوق في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل.
ويرى فيسكوفى أن السلطات الإسرائيلية تدافع منذ هجمات الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005) عن «رؤية للعالم» تكون فيها إسرائيل «دولة غربية في قلب شرق يهددها»، وهي رؤية «تلغي الطابع السياسي عن القضية الفلسطينية وتروّج لقراءة أمنية».
في الطرف الآخر من المشهد السياسي، يذكّر الباحث بأن "جزءا من اليمين الإسرائيلي يرى العالم بأنه معاد للسامية، لذلك ما يهمه في المقام الأول هو معرفة من يدعم إسرائيل".
وفي دفاعها عن "هذه الأفكار المرتبطة بصدام الحضارات"، يلتقي اليمين المتطرف الإسرائيلي مع حركات أخرى، خصوصا أوروبية.
ويوضح الباحث بأنه "عندما ترى لمن يصوّت الإسرائيليون، ترى أن جزءا من المجتمع الإسرائيلي يشارك هذه الأفكار الرجعية أو اليمينية المتطرفة.. جزء مهم، ولكنه ليس بالأغلبية".