«المدينة الآمنة» في غزة.. تحركات إسرائيلية تثير موجة انتقادات

أثارت تعليمات وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، للجيش بالاستعداد لبناء ما وصفه بـ"مدينة إنسانية" في جنوب قطاع غزة، موجة انتقادات واسعة، حيث اعتبرها معارضون خطة ترقى إلى إنشاء "معسكر اعتقال" جماعي للفلسطينيين.
جاء الإعلان في ظل جمود دبلوماسي متواصل، حيث زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واشنطن الأسبوع الماضي دون تحقيق تقدم ملموس نحو وقف إطلاق النار أو معالجة الكارثة الإنسانية في القطاع، أو بلورة رؤية لمستقبل مليوني فلسطيني يعيشون تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
خلفية الخطة وتفاصيلها
ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن الخطة تقضي بنقل مئات الآلاف من سكان شمال غزة قسراً إلى "المدينة الإنسانية" المقترحة، على أن يخضعوا لعمليات فرز أمنية تمنع المنتمين لحركة حماس من الاندماج مع المدنيين.
ووفقا للتصريحات، لن يُسمح للنازحين بمغادرة هذه المنطقة طوال فترة العمليات العسكرية ضد "حماس". وأوضح كاتس أن الهدف النهائي يتمثل في "دفع هذه الكتلة السكانية للهجرة إلى دول أخرى"، وهو ما يتناقض مع نفي الجيش الإسرائيلي السابق لأي نية للتهجير.
وأكد المحامي الإسرائيلي البارز في مجال حقوق الإنسان مايكل سفارد لصحيفة "الغارديان" أن الأمر "ليس مجرد رأي"، مشيراً إلى أن كاتس يمتلك "السلطة الإدارية لتنفيذه فعلياً".
الخطة، التي يتوقع أن تبدأ خلال الهدنة المحتملة، تستهدف في مرحلتها الأولى نقل نحو 600 ألف فلسطيني، على أن تشمل لاحقًا جميع سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة.
وتؤكد مصادر إسرائيلية أن هذه الإجراءات تأتي ضمن مساعٍ لـ"إضعاف حماس" وإعادة ترتيب الوضع الأمني في غزة.
انتقادات حقوقية ودولية
واجهت الخطة رفضًا شديدًا من منظمات حقوقية وخبراء قانونيين، حيث اعتبرها بعضهم "جريمة ضد الإنسانية" و"انحدارًا أخلاقيًا وتاريخيًا". وصرّح المحامي الإسرائيلي البارز مايكل سفارد بأن الخطة تمثل "عملية نقل قسري جماعي للسكان"، وهو ما تحظره القوانين الدولية بشكل صارم.
من جهتها، حذرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أن تنفيذ الخطة سيخلق "معسكرات اعتقال ضخمة" على حدود مصر، ويحرم الفلسطينيين من أي أمل في مستقبل داخل وطنهم.
وأكدت الأونروا رفضها القاطع لأي تهجير قسري، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار لإدخال المساعدات الإنسانية.
كما انتقدت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الخطة، ووصفتها بأنها "سجن جماعي لسكان القطاع" و"تغليف زائف لمصطلحات إنسانية تخفي واقع معسكر اعتقال".
في سياق متصل، طرحت مؤسسة إنسانية مدعومة من الولايات المتحدة فكرة "مناطق عبور إنسانية" كمصطلح بديل، لكنها لم تنجُ من الانتقادات، إذ اعتبرها مراقبون "محاولة لتجميل واقع التهجير القسري".
وأشارت تقارير إلى أن هذه المناطق قد تُستخدم كمحطات انتقالية تدفع الفلسطينيين للهجرة الدائمة، في ظل ظروف لا تضمن عودتهم إلى ديارهم.
أبعاد سياسية وإنسانية
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وغياب أي تقدم دبلوماسي نحو وقف إطلاق النار أو وضع خارطة طريق للمصالحة.
وتؤكد منظمات حقوقية أن هذه السياسات تهدد بإحداث "تطهير عرقي" وتفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع، الذي يشهد ارتفاعًا حادًا في أعداد القتلى المدنيين ونقصًا كارثيًا في الغذاء والدواء.
من جانب آخر، يرى مراقبون أن الخطة تعكس توجهاً متصاعداً داخل أوساط اليمين الإسرائيلي نحو فرض حلول أحادية الجانب، مع تفضيل الفوضى أو التهجير على أي تسوية سياسية تضمن بقاء الفلسطينيين في أرضهم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjI4IA== جزيرة ام اند امز